مصر: مسيرات «جمعات الغضب».. عرض مستمر خلال عامين على ثورة يناير

المساجد الكبرى نقطة انطلاقها.. ولا تخلو من مناوشات مع المصلين

TT

سنت «جمعة الغضب» الشهيرة في 28 يناير (كانون الثاني) عام 2011، سُنة ثورية ربما بدت «غير حميدة على الحكام»، في دول الربيع العربي ومنها مصر، حيث لا تزال مسيرات يوم الجمعة، والتي تتخذ من المساجد الكبرى بالقاهرة وكل المحافظات، نقطة لانطلاقها بعد صلاة الظهر مباشرة، أحد أهم أوجه التعبير عن الغضب والضغط على النظام الحاكم في مصر، رغم مرور عامين على ثورة 25 يناير، وسقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك.

يقول مصطفى حامد (23 عاما)، أحد شباب حركة «الاشتراكيون الثوريون»، المناوئة لحكم جماعة الإخوان، وهو يقف أمام مسجد النور شرق القاهرة: «أصبح لمسيرات يوم الجمعة مذاق خاص، فأماكن تجمعها معروفة للجميع.. ونستطيع من خلالها حشد أكبر عدد من المتظاهرين بعد أداء الصلاة مباشرة، فكثير من المصلين ينضمون إلينا رغم أنهم لم يخرجوا من بيوتهم قاصدين المسيرة، لكن شعاراتنا التي نرفعها ومطالبنا تقنعهم بشكل كبير أكثر من حديث الإعلام».

يضيف حامد، الذي يتحدث وهو يمسك طبلة ضخمة يستعد للدق عليها على وقع هتافات المتظاهرين، معطيا المسيرة أجواء حماسية كالتي توجد في مدرجات جماهير مباريات كرة القدم: «المسيرات بالنسبة إلينا تعد الوسيلة الأسرع من أجل إيصال مطالبنا إلى الحاكم والتعبير عنها بشكل سلمي».

وانطلقت أمس مسيرات حاشدة لآلاف المتظاهرين بالقاهرة من مساجد (النور، ورابعة العدوية، ومصطفى محمود)، إلى قصر الاتحادية الرئاسي (شرق العاصمة)، تضم حركة 6 أبريل، وحزب الدستور، وجبهة نساء مصر، والحزب الناصري، وشباب بلاك بلوك الذين تقدموا - بملابسهم السوداء - الصفوف الأمامية، بعرض الطريق، وخلفهم المتظاهرون.

وتأتي هذه المسيرات ضمن فعاليات «جمعة الخلاص» التي دعت إليها بعض القوى السياسية، للمطالبة برحيل الرئيس «الإخواني» محمد مرسي، الذي يتولى السلطة منذ نحو 7 أشهر فقط، وإقالة حكومة الدكتور هشام قنديل، وإعادة هيكلة وزارة الداخلية، والقصاص للذين قتلوا في أحداث العنف الأخيرة خاصة في مدن القناة، وإقالة النائب العام، والإفراج عن المعتقلين، وغيرها.

ولا تخلو مظاهرات يوم الجمعة، من مناوشات بين المصلين والمتظاهرين، الذين يقف بعضهم خارج المسجد منتظرا انتهاء الصلاة، حيث اعتاد الجميع وقبل انطلاق هذه المظاهرات أن يحدث اشتباك لفظي وربما يدوي بين مجموعة وأخرى، وربما يتطور الأمر إلى اشتباك مع خطيب المسجد، الذي يقيس الجميع انحياز خطبته لتيار سياسي بعينه، من عدمه.

ففي مسيرة مسجد النور صرخت سيدة مسنة في وجه إحدى الفتيات التي تقف أمام المسجد، معترضة فيما يبدو على المظاهرات، قائلة لها: «ادخلي صلي يا بنتي بدلا من الخراب الذي تقومون به.. حرام عليكم».

فيما وقف شاب آخر في باحة المسجد الخارجية مرتديا كوفية فلسطينية، يوجه انتقاداته بصوت مرتفع لخطيب المسجد، عندما تحدث عن ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية بشكل حرفي وليس مجرد كتابة مواد في الدستور. ورد عليه أحد المصلين معنفا إياه بقوله: «اتقوا الله.. أنتم لا تريدون إسلاما، يا علمانيون».

في المسيرة، وبعد انتهاء الصلاة مباشرة، قام شباب البلاك بلوك ذوو الملابس والأقنعة السوداء بإشعال زجاجة حارقة أمام المسجد كنوع من إعلان بدء المظاهرة، وهو ما أدى لانفعال شيخ سلفي يدعى صلاح عبد العال، بالاشتباك اللفظي معهم. يقول الشيخ صلاح: «نحن لا نعترض على مظاهراتهم وكلنا غاضبون من الرئيس مرسي أيضا.. لكننا لا نرغب في تطور الأمر لإسقاط رئيس كل يوم أو حدوث أعمال عنف أمام بيت الله».

ويتفنن شباب الثورة في إطلاق الأسماء على مظاهرات يوم الجمعة، والتي تنوعت بين (جمعة الخلاص، والرحيل، والإنذار الأخير).. وغيرها من الأسماء التي أصبحت متداولة في كل دول الربيع العربي من تونس وليبيا غربا إلى اليمن وسوريا شرقا.

ويشارك في الانطلاق من أمام المساجد في أيام الجمع شخصيات مختلفة من أشخاص عاديين إلى مشاهير وفنانين. ووقفت الفنانة تيسير فهمي مؤسسة حزب «المساواة والتنمية»، أمام المسجد نفسه وهي تعبر عن غضبها من كل القوى السياسية الحاكمة وكذلك من يسمون أنفسهم من النخبة السياسية، في إشارة لجبهة الإنقاذ المعارضة. تقول فهمي: «مطالبنا واضحة.. نحن نسعى لإسقاط الرئيس محمد مرسي وحكم جماعة الإخوان المسلمين، فمرسي لم يعد رئيسا لكل المصريين». ثم توجهت ضمن مسيرة المتظاهرين إلى قصر الاتحادية.

وتساءلت معلمة من المحتجين وهي تقف أمام مسجد النور القريب من مبنى وزارة الدفاع، تدعى فاطمة حمدي قائلة: «نحن لم يكن لدينا ثأر شخصي مع (الرئيس السابق) مبارك، وبالتالي فيجب أن يلقى مرسي مصير مبارك، وأن يحاكم على ما فعله بحق الشعب رغم المدة القصيرة التي قضاها في الحكم».

ومن بين الوجوه الكثيرة المرتقبة لانطلاق المسيرة عبر شوارع ضاحية مصر الجديدة التي يقع فيها القصر الرئاسي، يقول محمد مصطفى (50 عاما)، الذي ينتمي لحركة 6 أبريل (الجبهة الديمقراطية): «نحن نعمل طوال الأسبوع وسنخرج كل يوم جمعة في إجازتنا الأسبوعية لنقول للرئيس لسنا راضين عنك ولا عن جماعتك».