حرب مالي وخلافات حزبية تهيمنان على ندوة «الأمن والديمقراطية» في مراكش

انعقدت بحضور نواب أوروبيين.. ومنسق اللقاء: الأمن ملح على خلفية أحداث مالي

TT

طغت الحرب في مالي وخلافات حزبية على لقاء حول «الأمن والديمقراطية في المنطقة المغاربية» عقد في مراكش، بمشاركة برلمانيين مغاربة وأوروبيين، وذلك بعد أن انتقد نواب حزب «العدالة والتنمية» الذي يقود الائتلاف الحكومي في المغرب إقحامهم في اللقاء، على الرغم من حضور قيادي بارز من الحزب نفسه الجلسة الافتتاحية.

وكان اللقاء الذي دام يومين واختتم أمس (السبت) تم بمشاركة أحزاب الاستقلال والعدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة والاتحاد الدستوري، ومن الجانب الأوروبي «التحالف الأوروبي للمحافظين الإصلاحيين» في البرلمان الأوروبي.

وخلال الجلسة الافتتاحية أعطى رئيس الجلسة، جان زاراديل، رئيس التحالف الأوروبي للمحافظين الإصلاحيين بالبرلمان الأوروبي، الكلمة لكل من الوزير عبد الله باها (العدالة والتنمية) وحميد شباط (حزب الاستقلال) وعبد العالي دومو (الاتحاد الاشتراكي) وأحمد بنا (الاتحاد الدستوري) وعبد اللطيف وهبي (الأصالة والمعاصرة)، باعتبار صفاتهم الحزبية. بيد أن الموقع الإلكتروني لحزب العدالة والتنمية نشر بعد تلك الجلسة بيانا يقول إن «المجموعة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية بمجلس النواب تستغرب إقحامها في لقاء الأمن بمراكش». وقال البيان إن المجموعة البرلمانية ترفض إدراج اسمها في «نشاط ليست عضوا في لجنته المنظمة، ولم يُسهم لا في اتخاذ قرار بشأن تنظيمه ولا في وضع برنامجه». وأوضح البيان أنه تلقى فقط رسالة موقَعة من عبد اللطيف وهبي، رئيس المجموعة البرلمانية لحزب الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، يدعوه فيها إلى انتداب خمسة برلمانيين للمشاركة في اللقاء.

وقال البيان إن إعلانه هذا الموقف لا يعني الانتقاص من أهمية المبادرات الرامية إلى تعزيز دور المؤسسة البرلمانية في مجال الدبلوماسية، وأهمية موضوع اللقاء. وفضل عبد اللطيف وهبي، باعتباره منسق اللقاء، عدم الرد على ما جاء في بيان العدالة والتنمية، قائلا، في جواب عن سؤال طرحته عليه «الشرق الأوسط»: «أفضل عدم التعليق على ما جاء في هذا البيان».

وخيمت الأوضاع التي تعيشها مالي على أشغال اللقاء، وقال وهبي لـ«الشرق الأوسط» إن الديمقراطية من الموضوعات الملحة في العالم العربي، فيما يطرح الأمن، في الوقت الراهن، بالمنطقة، في ظل ما يجري في مالي ومنطقة الساحل. وأشار إلى أن الأمن يؤسس للديمقراطية ويمنحها الظروف المواتية، فيما الديمقراطية هي الضمانة الأساسية من أجل وجود الأمن، سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي والاقتصادي.

وأضاف أن الندوة «تستهدف أن نبين للرأي العام الأوروبي هذه العلاقة بين الأمن والديمقراطية، وأننا نسعى إلى الديمقراطية وإلى الأمن والاستقرار، ولذلك لم نخف يوما أننا ندعم الجزائر في مواجهتها للإرهاب، وأننا مع وحدة وسلامة وأمن دولة مالي، كما لم نخف رغبتنا في الديمقراطية في البلدان المغاربية». وشدد على أن «الأوروبيين جاءوا إلى مراكش كاتحاد أوروبي لمناقشة هذه المواضيع أولا نظرا لطبيعة العلاقة بين الديمقراطية والأمن، ومن يؤثر في من، وكيف يمكن أن نؤسس أمنا لديمقراطية حديثة، وكيف يمكن أن نحافظ على الديمقراطية مع عدم وجود أمن في جنوب الصحراء».

من جهته، ربط عبد الله باها، وزير الدولة المغربي، في مداخلته أمام اللقاء، بين الديمقراطية والدين والعولمة، مشددا على أن الحل يبقى في الجمع بين الديمقراطية، كرمز للمشاركة، والدين، كضامن للقيم، والعولمة، كتعبير عن الانفتاح، مشددا على أن الديمقراطية من دون قيم تفقد روحها، مبرزا أن تداعيات العولمة أفرزت معطيات جديدة تتطلب إما أن يكون الأمن للجميع أو ألا يكون هناك أمن. وأشار إلى العلاقة التي صارت تجمع العالم بالعولمة، وقال إن ما حدث في أميركا أثر في العالم أجمع، كما أن ما يحدث في مالي يؤثر في المنطقة وربما في العالم أجمع.

وقال حميد شباط، الأمين العام بحزب الاستقلال، إن «التحديات الراهنة التي تواجهها المنطقة والأحداث الدامية المتسارعة التي تخيم على الساحل والتنظيمات المتطرفة والإرهابية التي تسعى لزعزعة الاستقرار، تحتم علينا أن نتحلى بروح المسؤولية، وأن نتبنى مقاربة جديدة مرتكزة على الحوار والتشاور والشراكة والتضامن الفعلي، خاصة أن فاتورة اللاتكتل واللاتوحد واللااتحاد مغاربي ثقيلة جدا وتثقل الكواهل وتضيع الفرص وتفتت المجهود وتقسم الظهر وتضعف المردودية وتبطئ الوتيرة».

ودعا شباط الاتحاد المغاربي إلى أن «يتجرد من الذاتية ويتجاوز المعوقات والخلافات التي يمكن أن تصبح سرابا، وأن يفكر بجدية في إقامة الاندماج المنشود للاضطلاع بدور أساسي في الفضاء الأورومتوسطي لكون هذا الاتحاد يشكل إلى جانب الضرورة السياسية والاقتصادية والاجتماعية استعجالا أمنيا ملحا وهدفا استراتيجيا محكما». وشدد شباط على أن «الحديث عن مستقبل المنطقة لا يجوز إلا في ظل اتحاد مغاربي متجدد ومنفتح يتجاوز كل الحواجز وينسجم مع الحقائق الجيوسياسية الجديدة، خاصة أن التطورات الأخيرة في المنطقة تفرض الاستماع إلى الشعوب والحوار الواسع معها من أجل التجاوب الفعال مع تطلعاتها المشروعة بهدف تحقيق ديمقراطية حقة وتنمية شاملة».

وفي المقابل، دعا شباط الشركاء الأوروبيين إلى «تحديث وتطوير مقارباتهم ونظرتهم لبلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط لتسهيل بناء فضاء أورومتوسطي له مكانته في النظام العالمي الجديد على أساس قيم إنسانية مشتركة، بعيدا عن كل تعصب من أجل مواجهة أي انفلات أمني أو سلوك إرهابي قد يواجهه من الخارج».

من جهته، ركز عبد العالي دومو، نائب رئيس مجلس النواب، على الحاجة إلى التناغم بين الديمقراطية والأمن ومتطلبات التنمية الاقتصادية، متوقفا عند التناقضات التي تعيشها البلدان الإسلامية في ظل وجود قراءتين للإسلام، سلفية وديمقراطية.

ولاحظ أحمد بنا، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الدستوري، أن «إثارة موضوع الأمن والديمقراطية في المنطقة المغاربية تكتسي أهمية بالغة، خصوصا في ظل التطورات الراهنة، سواء داخل بلدان هذه المنطقة أو في منطقة الساحل المجاورة»، مشددا على أن «ربط الأمن بالديمقراطية، وربط الديمقراطية بالأمن داخل منطقة ما زالت فيها مقومات البناء الديمقراطي لم تكتمل بعد، أمر صعب جدا».

وشدد بنا على أن «الأحداث الجارية بمالي توضح اليوم للآخرين أن اللعب بمثل هذه الأوراق لا يمكن أن يجر على المنطقة بأجمعها إلا التفرقة وضياع فرص التنمية والازدهار، وتعرض الشعوب داخل المنطقة إلى الدمار والشتات». وختم كلمته بالتشديد على أن «الحديث عن الأمن والديمقراطية في المنطقة المغاربية لا يمكن أن يكون مستوفيا لشروطه الموضوعية من دون الحديث عن تطبيع العلاقات الثنائية بين دول المنطقة، ومن دون الإشارة إلى الأوضاع في منطقة الساحل وما تشكله من تهديد حقيقي على الجهود المغاربية في مجال تحقيق الديمقراطية والأمن».