قائد الجيش اللبناني: جريمة عرسال ارتكبت عن سابق تصور وتصميم وبأساليب همجية

بلدة المريجات البقاعية ودعت الرائد بشعلاني ووالده ناشد الرئيس اللبناني: الاقتصاص من القتلة

جانب من جنازة تشييع الضابط بيار بشعلاني الذي قضى برصاص مسلحين في عرسال (أ.ف.ب)
TT

لم يجد جورج بشعلاني خلال تشييع ابنه الرائد بيار بشعلاني، الذي قضى والمعاون إبراهيم زهرمان خلال مداهمة للجيش اللبناني في بلدة عرسال البقاعية تعقبا لأحد المطلوبين قبل 3 أيام، ما يقوله بعدما أضناه الحزن على نجله الشاب، إلا مطالبة الرئيس اللبناني ميشال سليمان «بالاقتصاص من القتلة حفاظا على هيبة الدولة والتوقف عن دفع ضريبة الدم»، فيما كانت بلدة المريجات البقاعية تغلي غضبا على مصابها وترفع الرايات المؤكدة بأن «نفوسنا لن تهدأ قبل تسليم القتلة».

وفي موازاة دعوة الوالد المفجوع في كلمة مقتضبة أثناء تشييع نجله إلى مثواه الأخير إلى «عدم التساهل مع المجرمين، فتضرب الدولة بيد من حديد كل من تسول له نفسه التطاول على الأمن»، أدخل مسؤولون لبنانيون حادثة عرسال في بازار التوظيف السياسي ومزايدات لم تخل من النبرة الطائفية، على الرغم من الإجماع اللبناني على رفض التعرض لمؤسسة الجيش اللبناني.

وجاء الموقف الرسمي اللبناني صارما لناحية رفع الغطاء السياسي عن المرتكبين وضرورة تسليمهم للعدالة؛ حيث أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي «الدعم الكامل للجيش اللبناني»، مشددا على أن «له كل التغطية السياسية». ودعا ميقاتي، عقب زيارة تعزية إلى وزير الدفاع فايز غصن وقائد الجيش العماد جان قهوجي في وزارة الدفاع أمس إلى «تهدئة النفوس». وقال: «لنترك الجيش وحكمته ليقوم بحل هذا الموضوع بطريقة هادئة بعيدا عن الشحن الطائفي»، مؤكدا أن ما حصل كان «عملية أمنية عادية لشخص مطلوب، وأن الجيش اللبناني له الغطاء السياسي الكامل». وأوضح ميقاتي أن «أكثر من نصف البيوت في عرسال لها أبناء في الجيش اللبناني ونؤكد ضرورة أن يحل هذا الإشكال الذي حصل في عرسال بأسرع وقت»، داعيا «الحكماء في عرسال والأهالي للتعامل مع الجيش وتسليم مطلقي النار على الدورية، فالتعاون هو في مصلحة الجميع».

وفي السياق عينه، شدد قائد الجيش اللبناني، في «أمر اليوم» الذي وجهه إلى العسكريين، على «أننا لن نسكت أو نقبل أي مساومة سياسية على دم شهيدينا الرائد بيار بشعلاني والمعاون إبراهيم زهرمان، ونرفض أي محاولة من أي طرف أتت للتخفيف من وطأة وبشاعة الجريمة التي ارتكبت بحق الجيش عن سابق تصور وتصميم، وبأساليب همجية بعيدة عن معتقداتنا المسيحية والإسلامية».

وأكد أن «الجيش لن يتراجع مهما كلف الأمر إلى أن يقتص من المجرمين أيا كانت هويتهم وانتماؤهم، ومهما علت صرخات المدافعين عنهم». وتوجه «للذين يراهنون على استهداف الجيش» بالقول: «مخطئ من يعتبر أن تعاطينا بحكمة مع الأحداث ضعف، ومخطئ من يفكر أن عملنا لمكافحة الإرهاب الذي يريد ضرب استقرار مجتمعنا والعيش المشترك بين أبناء وطننا، قد يتوقف لأي اعتبار أو كرمى لأي فريق مهما كان حجمه المحلي والإقليمي».

وفي حين كانت بلدة المريجات البقاعية تؤدي مراسم الوداع الأخير للرائد بشعلاني، كان الجيش اللبناني يعزز تمركزه في محيط بلدة عرسال؛ حيث أحكم الطوق على مداخلها ومنافذها جميعا، وسط إجراءات أمنية مشددة، وذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام»، وهي الوكالة الرسمية في لبنان، أن الجيش أقفل الطرق الرئيسية والفرعية بما فيها طرق التهريب الجردية على السلسلة الشرقية، فأقام عليها الحواجز المعززة بالآليات والعسكريين في وادي «حميد»، وادي «الحصن»، «المصيدة»، وادي «رعيان»، وادي «عطا»، فيما أبقت قيادة الأمن الداخلي على مواقعها في جهوزية تامة عند أطراف البلدة؛ حيث قامت بعملية تفتيش دقيق.

وعلى الرغم من الإجراءات الأمنية المشددة، لم يصدر أمس أي بيان عن عدد الموقوفين من أبناء البلدة حتى الآن، وسط أنباء عن عمليات مداهمة محددة ستقوم بها وحدات الجيش في «التوقيت المناسب». ولم تؤد زيارة قام بها وفد من هيئة العلماء المسلمين إلى نتيجة إيجابية؛ حيث انتهت الزيارة بإدانة رئيس لجنة «الدفاع عن الموقوفين الإسلاميين» الشيخ سالم الرافعي، وهو أبرز القيادات السلفية في مدينة طرابلس، «العملية المشبوهة التي أدت لاستشهاد خالد حميد»، وهو المطلوب الذي كانت قوة الجيش تلاحقه في بلدة عرسال قبل تعرضها لإطلاق النار. واعتبر أن «ما تعرض له حميد جريمة اغتيال موصوفة، ويجب الكشف عما إذا كان هناك من يريد الإيقاع بين الجيش والأهالي». ولفت إلى أن هناك من يريد «الإيقاع بين أهل عرسال والجيش وبين الجيش وأهل السنة»، داعيا للبدء بـ«تحقيق شفاف ورفع الحصار العسكري عن البلدة إضافة إلى وقف المداهمات لأنها تزيد الاحتقان في البلدة». وردا على سؤال حول وجود عناصر لتنظيم «القاعدة» في المنطقة، قال الرافعي: «إذا كان هناك وجود لعناصر القاعدة فلماذا لا يتم اعتقالهم»، متسائلا عن «مصلحة لبنان في التصريح عن وجود عناصر للقاعدة على أرضه».

وفي حين حمل نواب في «تيار المستقبل» على محاولة بعض الأطراف تصوير الحادثة كما لو أنها تعكس «وجود مشكلة بين الطائفة السنية والجيش اللبناني»، مؤكدين انحيازهم إلى الجيش والدولة، حمل النائب عن كتلة «المستقبل» خالد الضاهر حزب الله «مسؤولية» دماء العسكريين والمواطن خالد حميد، متهما الحزب بالتخطيط لهذه العملية التي تم التنسيق فيها بين «حزب الله» وبعض الضباط الفاتحين على حساب «حزب الله» وحسابهم، على حد تعبيره.

وأضاف: «إذا كان المسؤول عن المخابرات في منطقة عرسال لا يعلم بوجود قوة مداهمة وكذلك مسؤول فوج حماية الحدود في عرسال لا يعلم، فكيف يحصل أن قوة ترتدي الثياب المدنية وتستخدم السيارات المدنية وتدخل إلى عرسال وتقتل المواطن خالد حميد داخل سيارته بأكثر من 43 رصاصة وتأخذ جثته وتذهب بها على طريق جرد عرسال».

وفي صور حصرية بثتها، دحضت قناة الـ«إل بي سي» اللبنانية، الادعاءات حول دخول عناصر دورية الجيش بلباس مدني إلى بلدة عرسال، وهو ما أدى إلى تصدي مجموعة من البلدة لهم وإطلاق النار عليهم؛ حيث أظهرت الصور عناصر الجيش اللبناني أثناء احتجازهم في مبنى بلدية عرسال، بحسب القناة، وهم في لباسهم العسكري، وتسيل الدماء من عدد منهم.

وكان نواب من «حزب الله» قد أكدوا وقوفهم إلى جانب مؤسسة الجيش اللبناني؛ حيث رأى النائب نواف الموسوي أن «هذه المؤسسة باتت بسبب الانقسام العمودي الحاد الذي يصيب بلدنا، حصن الوحدة الوطنية الذي نخشى أن نقول عنه إنه الحصن الأخير»، مشددا على أن «هذا الحصن إذا ما هدد أو أسقطت قلعته فإن مصير لبنان سيكون في مهب رياح السموم التي تهب علينا في المنطقة». ودعا «جميع اللبنانيين لأن يقفوا صفا واحدا خلف هذا الجيش لاستعادة هيبته والحفاظ على دوره لأن الذي يحاول اليوم القضاء على دوره إنما يقوم بعملية ذبح الوطن كله والرقص على جثته».

واستنكر النائب عن «حركة أمل» أيوب حميد الاعتداء، ورأى أنه «نتاج للبيئة الحاضنة للتطرف والمزايدات والتحولات التي سميت بالربيع العربي».

، معتبرا أن «الرصاص الذي يوجه ضد الجيش هو إسرائيلي ومن غير المقبول أن تتحكم حفنة من المدعين بالدين، والدين منهم براء بمصير أهلنا الأعزاء في بلدة عرسال وغيرها من المناطق».

واعتبر وزير الطاقة والمياه جبران باسيل أنه «لا يمكن عزل حادثة عرسال عن الضنية ولا أحداث نهر البارد ولا قضية شادي المولوي ولا قصة سجن رومية ومطالبة البعض بالإفراج عن الموقوفين الإسلاميين»، مؤكدا أن «الجيش يدافع عن كل اللبنانيين واليوم لدينا شهيدان الأول مسلم والثاني مسيحي». وشدد على أنه «لا يمكننا أن نسمح باستغلال الحادثة في عرسال كما استغلت قضية الشهيد سامر حنا، إذ استشهد حنا عن طريق الخطأ ومطلق النار أوقف وسجن، ولكننا لا يمكن إلا أن نقف عند الحادثة وكيفية حدوثها».