الجيش الفرنسي يغير بكثافة على منطقة كيدال آخر معاقل الإسلاميين المسلحين

مصادر أمنية جزائرية: جبال إيفوغاس القريبة من الجزائر ستكون آخر ملجأ لهم

دورية لعناصر من الجيش الفرنسي في غاو بمالي أمس (أ.ف.ب)
TT

شن الجيش الفرنسي أمس غارات جوية كثيفة على منطقة كيدال (شمال مالي) حيث آخر معاقل الإسلاميين المسلحين قرب الحدود مع الجزائر، غداة زيارة الرئيس فرنسوا هولاند الذي لقي استقبالا حارا. وحسب باريس، فإن منطقة كيدال في مرتفعات إيفوغاس هي المكان الذي يحتجز فيه الرهائن الفرنسيين السبعة في الساحل.

وفي سياق متصل، قالت مصادر أمنية جزائرية إن عناصر الجماعات الإسلامية المسلحة، الذين يتعرضون للضغط من طرف القوات الفرنسية في كيدال، انسحبوا باتجاه جبال «إيفوغاس» غير البعيدة على الحدود الجزائرية، وإنها تشكل آخر ملجأ لهم. ورجحت المصادر أن يكون الدبلوماسيون الجزائريون المحتجزون منذ 10 أشهر، في هذا المكان. ونشر الجيش الجزائري قوات إضافية على الحدود مع مالي منذ فتح الأجواء للطيران الفرنسي، تحسبا للمواجهة مع الإرهابيين.

وكانت منطقة تيساليت الواقعة على بعد 200 كم شمال كيدال هدفا الليلة قبل الماضية «لغارات جوية كثيفة»، بحسب المتحدث باسم هيئة أركان الجيوش الفرنسية العقيد تيري بوركارو، الذي أوضح أن عمليات القصف على شمال كيدال بمنطقة تيساليت التي تبعد سبعين كم عن الجزائر استهدفت «مستودعات لوجيستية ومراكز تدريب» المقاتلين الإسلاميين الموالين لتنظيم القاعدة بعد ثلاثة أسابيع من بداية التدخل العسكري الفرنسي.

وهذه المنطقة الشاسعة أيضا من الجبال والمغارات في محيط كيدال هي التي لجأ إليها، بحسب خبراء ومصادر أمنية إقليمية، قسم كبير من قادة ومقاتلي المجموعات الإسلامية، ضمنهم الجزائري أبو زيد، أحد قادة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وإياد آغ غالي، قائد أنصار الدين، وهو من الطوارق الماليين سابقا خلال التسعينات، ومتحدر من كيدال ويعرف المنطقة جيدا. ووصلت تعزيزات فرنسية السبت جوا إلى كيدال، على ما أفاد بعض السكان، وبدأ جنود تشاديون ينتشرون في المدينة.

من جهتها، ذكرت الولايات المتحدة أمس أنها «لا تتردد» في دعم فرنسا، وتقدم إليها خصوصا معلومات استخباراتية وطائرات تموين في عمليتها في مالي، بينما كان متوقعا وصول نائب الرئيس الأميركي جو بايدن أمس إلى باريس حيث سيلتقي الرئيس هولاند.

واعتبر نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك، أمس في ميونيخ، العملية العسكرية الفرنسية في مالي ضد المجموعات الإسلامية المسلحة بأنها «مثال جيد جدا للعالم»، وهنأ هولاند بها. وقال باراك في اليوم الأخير من المؤتمر الدولي حول الأمن إن هولاند «لم يكتف بتحليل الوضع بل تحرك وحارب الإرهابيين. إنه مثال جيد جدا للعالم».

ودانت حركة طالبان الباكستانية التدخل الفرنسي في مالي، واعتبرته «حربا عقائدية»، داعية «العالم الإسلامي» إلى الاتحاد للتصدي له، وذلك في شريط فيديو وزع أمس الأحد. وقال إحسان الله إحسان، الناطق باسم حركة طالبان الباكستانية، في شريط الفيديو الذي سلم للصحافيين في شمال غربي باكستان، إن «الحكومة الفرنسية هاجمت مجاهدين في مالي، وأميركا تدعم فرنسا. أدعو كل العالم الإسلامي إلى الاتحاد لأن هذه حرب عقائدية».

ومن جهته، قال وزير خارجية الجزائر، مراد مدلسي، إن سلطات مالي «تواجه مشاكل رغم انسحاب الإسلاميين المسلحين بالشمال»، باتجاه الحدود الجزائرية. وذكر مدلسي أمس لصحافيين في «مجلس الأمة» (الغرفة البرلمانية الثانية)، بمناسبة اختتام أشغال دورته الخريفية، أن تطور الأوضاع في مالي «يبعث على التفاؤل، لكن الماليين والذين يساعدونهم يواجهون مشاكل في إطار مسعى استعادة الاستقرار والأمن في البلاد». ولم يوضح مدلسي ماذا يقصد بالتحديد بحديثه عن مشاكل. أما من يساعد الماليين في إنهاء سيطرة الإسلاميين المسلحين على الشمال، فهي إشارة إلى القوات الفرنسية التي تتقدم نحو كيدال، آخر معاقل الجماعات الإسلامية المسلحة، بعد استعادة مدينتي غاو وتمبكتو.

وبخصوص التدخل العسكري الفرنسي فقال مدلسي إن «الوضع في مالي شأن يخص الماليين وحدهم». وفهم من كلام الوزير الجزائري أن حكومة بلاده تتحفظ على أن تتعدى المساعدة الفرنسية حدود المهمة العسكرية، التي وافقت عليها الجزائر بأن فتحت أجواءها الجنوبية للطيران الحربي الفرنسي، لضرب مواقع الإسلاميين في شمال مالي.

وقال العقيد الجزائري المتقاعد، بن عومر بن جانة، لـ«الشرق الأوسط»، إن حديث مدلسي عن «مشاكل» في شمال مالي «يقصد به تعقد التركيبة العرقية بهذه المنطقة من شمال البلاد، مع ما يحمله ذلك من إثارة نعرات بين قبائل الشمال الطوارقية الناطقة بالعربية وسكان الجنوب، الذين يشارك أبناؤهم مع فرنسا في الحملة العسكرية التي انطلقت في 11 من الشهر الماضي».

وأوضخ بن جانة، وهو باحث بـ«مركز الدراسات الأمنية الاستراتيجية» بالجزائر العاصمة، أن «عددا كبيرا من المسلحين يتحدرون من طوارق مالي والقبائل الطوارقية بالدول المجاورة بما فيها الجزائر، وإذا قتل بعض منهم على أيدي الجيش المالي الذي يسانده الجنود الفرنسيون، فلن تسكت قبائل المنطقة على ذلك، وهي أصلا تنظر لما يجري حاليا على أنه اعتداء على أهل المنطقة من طرف قوة استعمارية سابقة. وعندما تنسحب فرنسا سوف تخلف لا محالة أحقادا وضغائن بين الشمال والجنوب، وهو ما حذرت منه الجزائر، عندما قالت إنها تفضل الحل السياسي السلمي بدل الخيار العسكري».

وسئل مدلسي عن سبب زيارة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى الجزائر الخميس الماضي، فقال «لقد أطلعناه على الأحداث التي جرت، وسمع منا ما هو معروف سلفا»، في إشارة إلى أن كاميرون سمع من المسؤولين الجزائريين تفاصيل الاعتداء الإرهابي على منشأة الغاز الذي جرى منتصف الشهر الماضي بعين أميناس (1300 كم جنوب العاصمة)، التي تسيرها المجموعة البريطانية «بريتش بتروليوم». وانتهت الحادثة، حسب السلطات الجزائرية، بتدخل القوات الخاصة ومقتل 29 إرهابيا (من أصل 32 نفذوا الهجوم)، اغتالوا 37 رهينة أجنبيا بعد أن خضعوا لاحتجاز دام ثلاثة أيام. ويوجد من بينهم أربعة بريطانيين. ولم يذكر مدلسي موقف كاميرون من الأحداث التي اتخذت بعدا عالميا.