أكمل الدين إحسان أوغلي: ما يحدث في المنطقة ليس ربيعا عربيا وإنما «خريف للغضب»

الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي في حوار مع «الشرق الأوسط»: استمرار أزمة سوريا بسبب الانقسام الدولي.. وبيان جنيف صالح للبناء عليه

أكمل الدين إحسان أوغلي
TT

قال الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلي في حوار مع «الشرق الأوسط» إن مستوى الحضور والتمثيل في القمة الإسلامية الثانية عشرة التي تعقد في مصر يومي 6 و7 الشهر الحالي تعكس اهتمام العالم الإسلامي بما يحدث من تطورات تمر بها المجموعات العربية والآسيوية والأفريقية، كما تحدث أوغلي عن التطورات التي شهدتها المنظمة والقضايا التي تساهم فيها سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وطالب بأن تحصل المنظمة على مقعد دائم لها في مجلس الأمن، وتطرق إلى الحلول المطروحة لحل الأزمة في سوريا معتبرا أن بيان جنيف بداية يمكن البناء عليه. وحذر أوغلي من استمرار الانقسام الدولي الذي أسهم في إطالة أمد الأزمة، وكشف عن اجتماع وزاري يبحث تداعيات أزمة مالي وفرص الحل، محذرا من تكرارها في عواصم أفريقية أخرى واعتبر ما حدث في بعض العواصم العربية ليس ربيعا عربيا وإنما «خريف غضب» أسقط حكومات ديكتاتوري،. وقال إن الربيع سوف يأتي بعد شتاء صعب يمكن الشعوب من تحقيق الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة، وإلى نص الحوار.

* في تقديرك هل تستوعب اجتماعات القمة الإسلامية كل التحديات المطروحة في ظل الأجواء التي تمر بها مصر بعد ثورة 25 يناير وتداعيات الربيع العربي الذي شهدته بعض دول المنطقة انطلاقا من شعار القمة «العالم الإسلامي تحديات جديدة وفرص متنامية»؟ - انعقاد القمة الإسلامية في مصر له دلالات كبيرة في هذا التوقيت منها – أولا أنه منذ 1969 والمنظمة لم تعقد لها مؤتمرات إلا في عام 1990 وكانت على مستوى وزراء الخارجية، كما ظلت مصر مدة خارج المنظمة بعد كامب ديفيد، ثانيا، أن القمة الاعتيادية العادية الثانية عشرة كان من المفروض أن تتم قبل عامين وتأخرت بسبب الأحداث التي حصلت والآن وهي تنعقد في هذه المرحلة الدقيقة وفى ظل استمرار تداعيات الثورة إلا أن مستوى الحضور والتمثيل يشكل رقما مهما من الرؤساء والحكومات من المجموعات العربية الآسيوية والعربية والأفريقية، والأمر الآخر أن مصر تعيش حالة مخاض كبير وأعتقد أن هذا المخاض الذي تعيشه وبعض الدول الأخرى في المنطقة هو ليس بالأمر اليسير أو السهل، وأرى أن ما حدث ليس ربيعا عربيا وأعتقد أن هذا التعبير على الرغم من انتشاره لا يعبر عن الأوضاع فهو ليس تعبيرا سليما أو دقيقا لأن ما يحدث ليس ربيعا لأنه لم يأت بعد وإنما سيأتي في نهاية المطاف عندما تتحقق رغبات الجماهير ويتم التحول الديمقراطي وتأسيس نظم دستورية.

* تقصد أن ما يسمى بمصطلح الربيع العربي خطأ شائع؟ - إذا كان لا بد من إطلاق مصطلح مجاز على ما حدث ويحدث فالتعبير الأدق هو «خريف الغضب» و«خريف الطغاة» لأن الذي حصل هو سقوط الطغاة وبداية مخاض كبير وما زال الخريف مستمرا وسوف يعقبه شتاء صعب وفى النهاية سوف يأتي الربيع، لكن لا يمكن الحديث عنه الآن.

* ماذا أنتم فاعلون في سوريا والتي وصلت أزمتها إلى بحيرة من الدماء كما وصفها رئيس الائتلاف (السوري المعارض) معاذ الخطيب؟ - الآن هناك وضع شاذ بالنسبة للأزمة في سوريا لأن المجتمع الدولي ما زال منقسما حول سوريا وكما عبرت في بداية الأزمة قبل عام ونصف العام، وقلت إن هناك اتفاقا للمجتمع الدولي حول ما لم يجب صنعه حيال سوريا ولا يوجد اتفاق حول الحل وما زال الوضع هكذا، وأعتقد أن الحل العسكري والأمني ليس هو المخرج وإنما التفاوض هو الحل، ولا بد من دعم مهمة الأخضر الإبراهيمي في مساعيه، كما أنني أعتبر التصريحات الأخيرة التي أدلى بها رئيس الائتلاف السوري معاذ الخطيب أنها تمثل انفراجا في وضع التفاوض السلمي حول حل الأزمة، وهذا يعني بداية وقف إطلاق النار.

* ألا ترى أن الموقفين الروسي والإيراني عقبة أمام الحل من خلال دعمهما لنظام الأسد وإطالة أمد الأزمة؟ - لا شك أن المشكلة في سوريا معقدة وهناك تفاوت في مواقف الدول، ولكن هناك صيغة حدث حولها توافق في بيان جنيف ونحن نرى أهمية البناء على ما تم التوصل إليه في جنيف.

* هل ستدعم القمة الإسلامية هذا الموقف؟ - هذا هو تصوري الشخصي أما الرأي الذي تصل إليه القمة سيكون توافقيا بين الدول.

* هل ستصل القمة من خلال بياناتها إلى موقف متقدم عن الموقف الذي اتخذ خلال قمة مكة الاستثنائية؟ - ما زال النقاش مستمرا.

* هل هناك اتجاه لتشكيل لجنة تعمل مع الجامعة العربية والأمم المتحدة لتحريك ودعم الحل السلمي في سوريا؟ - هذا لا يحتاج لقرار من القمة، ونحن على اتصال دائم مع الجامعة العربية والأمم المتحدة، ولدي لقاء واتصال مع الأخضر الإبراهيمي بشكل مستمر وهو عمل قائم.

* أقصد توصية جديدة؟ - العمل قائم ولا يحتاج لقرار جديد والكل معني بأهمية حل الأزمة.

* حل الأزمة في دولة مالي وهي مدرجة على جدول أعمال القمة، هل من جديد؟ - نحاول عقد اجتماع وزاري خاص بأزمة مالي.

* هناك تقارير تتحدث عن مخاطر استمرار هذه الأزمة، فكيف ترون تداعياتها؟ - هناك منظور جديد لما يحدث في أفريقيا وهو حلقة من ظاهرة كبيرة وهذه الظاهرة لها عدة عناصر، الأول: انفصال جنوب السودان كان بداية انحدار المبدأ الرئيسي الذي قام عليه الاستقرار السياسي في القارة الأفريقية لأن المجتمع الدولي قبل بانفصال جزء من دولة (ذات) سيادة و(من) وحدة ترابية بناء على اعتبارات عرقية ودينية وسمح لهم بالانفصال وتكوين دولة مستقلة وهذا الانفصال قيل إنه حالة خاصة – تعبير قانوني – لكن هذا غير ممكن – ونحن في المؤتمر الإسلامي قبلنا بهذا لأن الحكومة السودانية قبلت به وكذلك المجتمع الدولي، لكنني في رأيي الشخصي، ومن خلال اتصالي مع الدول الكبيرة والمؤثرة، ذكرت لهم أن قبول هذا الأمر سوف يفتح الباب في أفريقيا إلى موضوع الانفصال وأنه لا يمكن لنا أن نقف أمام طلبات أخرى انفصالية على أساس عرقي أو ديني أو أي أساس آخر إثني أو لغوي، وهناك عنصر بدا مع ظهور تيارات سياسية انفصالية تدعم نفسها بالموقف الذي حدث في السودان وفى الوقت نفسه إما أنها تلجأ إلى السلاح والذي أصبح منتشرا في منطقة الصحراء نتيجة لما حصل في ليبيا.. وأضف إلى هذا أن بعض هذه العناصر اتخذت من التفسيرات المتشددة للدين والعنف المبني على هذا، وهو منطق مرفوض وغير مقبول دينيا وإسلاميا.. تتخذ هذه الصيغ أيديولوجية للعمل المسلح والذي يصل إلى مرحلة الإرهاب في بعض الأحيان. إذن هذا الذي يحصل في مالي ليس خاصا بها وسنرى نماذج أخرى مماثلة ويجب علينا أن نأخذ الحيطة والحذر وأن نتعامل مع هذه العناصر الثلاث، وهي «الانفصال» و«الغلو في الدين باسم الإسلام» و«العنف الذي يدعي أن لديه شرعية مبنية على العامل الديني الإسلامي أو العامل العرقي أو الإثني.

* هذا يدفعنا إلى سؤال وهو أن «خريف الغضب» قد أتى بحكم له صبغة إسلامية كما حصل في مصر وتونس وربما في سوريا أو ليبيا أو حتى اليمن. هل ترى أن المرحلة سوف تحمل إلى المنطقة ما يسمى بحكم الإسلاميين المعتدل أم سنصل إلى حكم إسلامي يتصف بالتشدد والتطرف؟ - صدر لي مؤخرا كتاب بعنوان «العالم الإسلامي وتحديات القرن الجديد» وهو الطبعة العربية لكتاب صدر لي منذ فترة من جامعة كولومبيا وفى لندن، وقد ذكرت في هذا الكتاب أن مستقبل الثورات السياسية في المنطقة يعتمد على كيفية التوازن بين الدين والسياسة وأعطى نماذج من التاريخ القديم والحديث وأوضاع الدول المختلفة حول هذا الموضوع وكيف أننا عندما نفقد التوازن بين الأمرين نصبح في مشكلة ومن ثم فإن الخط الفاصل بين الدين والسياسة هو خط حساس ويجب علينا أن نراعي ذلك ويجب ألا يتحكم الدين في السياسة وأن تبنى السياسة على اعتبارات دنيوية ومتغيرة بينما الدين قائم على قيم مطلقة، وهناك بطبيعة الحال علاقات متبادلة ولا شك أن القيم الإسلامية في الحكم كالعدل والمساواة لا بد من مراعاتها، ولكن أن تكون العلاقة متوازنة.

* كيف ترى تأمين القمة وسط المظاهرات التي تشهدها مصر؟ - الحكومة المصرية تقوم بجهد ممتاز.

* كيف ترون مستوى تنفيذ قرارات القمة خاصة تحت شعار انعقادها «العالم الإسلامي والتحديات»؟ - لا شك أن القرارات التي صدرت عن خمس قمم انعقدت (في السابق).. حيث انعقدت قمة استثنائية في عام 2005، وقمة اعتيادية في 2008 وقمة اقتصادية في 2009، وقمة إسلامية استثنائية في عام 2011 انعقدت في مكة. والآن قمة القاهرة، ويمكن القول إن كثيرا من هذه القرارات استطعنا من (خلالها) تنفيذ الكثير وبعضها في الطريق، مثلا قمة مكة الاستثنائية التي انعقدت في مكة عام 2005 وهي قمة تاريخية بامتياز والفضل فيها يرجع إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والتي شهدت انطلاقة الخطة العشرية وعلى مدار ثماني سنوات ونحن نطبق هذه الخطة خاصة فيما يتعلق بتغيير الميثاق واسم المنظمة وشعارها وإنشاء منظمة لحقوق الإنسان وللمرأة وزيادة التجارة البينية. وهناك الكثير من الأشياء قمنا بتحقيقها، والمنظمة أصبحت اليوم فاعلة وليست مجرد منظمة لإلقاء الكلمات، وهذا الذي دفع الدول الأعضاء للاهتمام بها وكذلك المجتمع الدولي.. الدول الأوروبية وأميركا والصين وغيرها من العواصم المؤثرة في صناعة القرار الدولي. والجميع يسعى لعقد اتفاقيات للتعاون معنا، ومن ثم أصبحت منظمة فاعلة وشريك دولي مهم ولاعب في العمل السياسي الدولي.

* وماذا تريد لهذه المنظمة في المستقبل إضافة لما ذكرت؟ - أطمح أن يكون لها مقعد في مجلس الأمن.. باسم الأمة الإسلامية والعالم الإسلامي.

* ألا ترون أن انعقاد قمة للمنظمة كل ثلاث سنوات مسألة تحتاج لمراجعة في ظل التطورات المتلاحقة التي يشهدها العالم؟ وكذلك خطط عمل للتحرك والتدخل السريع؟ - لدينا خطط عمل وتحرك تتم دائما ولكن الإعلام لا يبرز هذا الجهد، وعلى سبيل المثال عقدنا في مصر مؤتمرا مهما جدا حول الآثار الإسلامية وأهمية الحفاظ عليها خاصة في تمبكتو وطرابلس (الغرب) وتونس وغيرها من العواصم. أما فيما يتعلق بانعقاد القمة كل ثلاث سنوات فهذا سؤال مهم جدا ويجب أن نعيد النظر لأن ثلاث سنوات فترة طويلة وقد اقترحت على الدول الأعضاء أن نعقد القمة مرة كل عامين وفى تصوري أن تعقدها كل عام على غرار المنظمات الأخرى مثل الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، ولكن لليوم لم يتم الموافقة على مقترحاتي في هذا الشأن وأتمنى أن يتغير موقف الدول لأننا لا يمكن أن ننتظر انعقاد القمة كل ثلاث سنوات وعلى الأقل أن تكون البداية كل عامين.

* هل تتمنى أن تصل إلى هذا المقترح قبل أن تنتهي مدة ولايتك بعد عام؟ - أتمنى هذا بالفعل.

* هل تعتزم الترشح لولاية جديدة؟ - لا؛ لأنني حددت فترة الترشح للمنصب (الأمين العام) لفترتين؛ لأنني أعتقد أن كل أمين عام يمكن أن يحقق ما يستطيع في فترتين ويترك الموقع لشخص آخر حتى لا تكون الأمانة حكرا على شخص لأن المنظمة تضم 57 دولة ولا بد من تداول منصب الأمين العام.

* معروف أن من بين أسباب إنشاء منظمة التعاون الإسلامي وضع القدس. هل من تحرك جديد لإنقاذها من التهويد بعيدا عن البيانات التقليدية؟ - السفير سمير بكر الأمين العام المساعد لشؤون فلسطين يسعى لعقد اجتماع في أقرب وقت للدول الإسلامية المانحة لتقديم كل المساعدات التي تحتاجها القدس كما وضعنا بالتعاون مع الحكومة الفلسطينية وسلطتها في القدس وبنك التنمية ومع المتخصصين خطة واسعة تتناول حماية القدس من ثلاثة محاور تتضمن التعليم والصحة والإسكان وتقدمنا بها إلى وزراء الخارجية وتمت الموافقة عليها ثم قدمت إلى الدول لكي تقوم بالتمويل وننتظر من الدول تنفيذ هذه المشاريع.

* بماذا تحلم لهذه المنظمة؟ - الحلم الذي أراه لهذه المنظمة أن تستغل كل طاقاتها الكاملة لتحقيق أهدافها لخدمة الشعوب والأمة الإسلامية وأتمنى أن نصل إلى مستوى دول الاتحاد الأوروبي في التعاون.

* على هامش القمة، هل ستشهد قمما مصغرة لحل الكثير من المشاكل الساخنة؟ - الباب مفتوح لكل الاجتماعات وكل يأتي بظروفه.

* ماذا عن مستقبل الشباب المسلم في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي؟ - هناك منتدى للشباب المسلم وأدعو (له) كل الشباب والمنظمات الشبابية.

* ماذا تتوقع من هذه القمة؟ - أتمنى أن يصدر عنها دعوة إلى كل الأمة الإسلامية أن تسير قدما في طريق التقدم وأن تحقق المعادلة الصعبة بين التقدم وبين التمسك بالقيم الأصيلة للأمة الإسلامية وأن نعمل على التطوير والتحديث ورفع مستوى الفرد وتحقيق الحكم الرشيد الديمقراطي في ظل نظام دستوري يضمن حقوق الإنسان ومشاركة المواطن في صنع القرار.