جنازات المعارضين تزيد الاحتقان في الشارع المصري

تشييع قتيلين جديدين من ضحايا مظاهرات المناوئين لـ«الإخوان»

المشيعون أمام مسجد عمر مكرم في انتظار وصول جثماني الجندي وسعد («الشرق الأوسط»)
TT

«نحن نربي أبناءنا ليقتلهم رجال الشرطة».. صرخة حزينة اخترقت الأسلاك الشائكة والحواجز الإسمنتية في محيط ميدان التحرير، ودوت في سرادق العزاء بمسجد عمر مكرم المجاور. وأطلقت هذه الصرخة خالة محمد الجندي الذي مات متأثرا بجراحه، وذلك وسط هتافات مناهضة للرئيس المصري محمد مرسي، وجماعة الإخوان المسلمين، انطلقت بها حناجر نحو ألفي مصري شيعوا أمس جنازة اثنين من شباب حزب «التيار الشعبي» من مسجد عمر مكرم بميدان التحرير، بعد أن توفيا، الليلة قبل الماضية. ليصل عدد القتلى إلى أكثر من 60 شخصا خلال 10 أيام من جراء أحداث العنف والاحتقان السياسي بين جماعة الإخوان والمعارضين لحكمها في البلاد.

توفي الشاب محمد عبد العزيز الجندي متأثرا بإصاباته التي تقول أسرته وأصدقاؤه إنها نجمت عن اعتقاله منذ يوم 27 يناير (كانون الثاني) بمعسكر الجبل الأحمر لقوات الأمن، حيث جرى تعذيبه على يد ضباط شرطة، وهي الواقعة محل التحقيق أمام النيابة العامة حاليا، بينما توفي الشاب عمرو سعد متأثرا بإصابته بطلق ناري في الاشتباكات التي شهدها محيط قصر الاتحادية الرئاسي يوم الجمعة الماضي.

حضر تشييع الجنازة حمدين صباحي مؤسس «التيار الشعبي» وجورج إسحاق القيادي بجبهة الإنقاذ وخالد علي المرشح الرئاسي السابق، والمئات من أفراد أسرتي الشابين المتوفيين وأصدقائهما، وعقب صلاة الجنازة وضع المشيعون الجثمانين في سيارتي إسعاف وطافا بهما ميدان التحرير وسط آلاف المصريين، قبل أن يذهبا بهما إلى مثواهما الأخير.

السيدة ليلى، خالة الشهيد الجندي، وصلت إلى مسجد عمر مكرم قبل الجنازة، وعلى الرغم من حزنها على نجل شقيقتها الذي تنتظر جثمانه لتشيعه إلى مثواه الأخير كانت تقود الهتاف قائلة: «لا إله إلا الله الشهيد حبيب الله».

وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «هل الرئيس مرسي ووزير داخليته ينامان مرتاحين؟ هل يغمض لهما جفن؟ نحن نربي أبناءنا ليقتلهم رجال الشرطة». وأضافت: «محمد لم يكن أبدا بلطجيا، هل معارضة الرئيس بلطجة؟»، محملة الرئيس مسؤولية التعذيب الذي تعرض له. من جانبها، قالت هبة ياسين المتحدثة باسم التيار الشعبي إن محمد الجندي (29 عاما) تعرض لتعذيب بدني غير آدمي، أسنانه كانت مكسورة، وحدث له نزيف داخلي مستمر، وكانت هناك آثار تعذيب وخنق في الرقبة وبعض ضلوعه كانت مكسورة، وأثار تعذيب بالكهرباء على لسانه»، وشبهت حالته بحالة خالد سعيد الشاب السكندري الذي لقي حتفه على يد شرطيين سريين في الإسكندرية في عام 2010، وكانت وفاته الشرارة الأولى لثورة 25 يناير. وأضافت قائلة: «الشهيد الجندي تم اختطافه من ميدان التحرير في وقت متأخر من ليلة 27 يناير بواسطة مجهولين، وفشلت كل جهود أسرته وأصدقائه في التوصل لمكانه لعدة أيام على الرغم من سؤالهم عنه في عدة مستشفيات وأقسام للشرطة، كلها أنكرت وجوده عندها أو معرفتها بمكانه».

وأوضحت أن أسرته علمت بوجوده في معسكر لقوات الأمن، وبالفعل توجهوا مع عدد من أصدقائه وتظاهروا أمام المعسكر، وقال لهم معتقلون مفرج عنهم من المعسكر إنه بالداخل ويجري تعذيبه ببشاعة، حتى أعلن مستشفى الهلال عن وجوده به، وأنه أصيب في حادث سيارة، لنجده في حالة طبية صعبة، كان أقرب ما يكون للمتوفى إكلينيكيا». وأكدت أن التيار الشعبي يساند أسرة الجندي في البلاغ الذي قدمته للنيابة العامة تتهم فيه الشرطة بتعذيبه حتى الموت، مشيرة إلى بيان أصدره التيار أمس حمّل فيه الرئيس مرسي واللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية المسؤولية السياسية والجنائية عن دماء «الجندي» و«سعد»، وأكد أنه سيلاحقهما قضائيا وسياسيا حتى الحصول على القصاص العادل، بينما أعلنت رئاسة الجمهورية أنها تجري اتصالات مع مكتب النائب العام لمتابعة الأسباب التي أدت إلى وفاة محمد الجندي، مؤكدة في بيان أصدرته أمس أنه «لا عودة لانتهاك حقوق المواطنين وحرياتهم العامة والخاصة، في ظل دولة الدستور وبعد ثورة 25 يناير المجيدة». وأضافت ياسين أن الشاب عمرو سعد (20 عاما) أصيب بطلق ناري في المخ أثناء مشاركته في مظاهرات أمام قصر الاتحادية الرئاسي بضاحية مصر الجديدة (شمال شرقي القاهرة) يوم الجمعة الماضي. جورج إسحاق القيادي بجبهة الإنقاذ قال لـ«الشرق الأوسط»، وهو يقف أمام مسجد عمر مكرم، خلال صلاة الجنازة: «هذا النظام يجب أن يرحل.. لا فرق بينه وبين نظام (الرئيس السابق حسني) مبارك، كلاهما قتل الشباب».

وأضاف: «في كل مرة نخرج لنشيع شبابا ونهتف: يا نجيب حقهم يا نموت زيهم، ولكن حق الشهداء في القصاص لم يأتِ، وما حدث هو موت المزيد»، معتبرا أن الحوار الوطني الذي دعا له الرئيس مرسي ما هو إلا «وسيلة للتغطية على ما يرتكبه الإخوان المسلمون من جرائم على الأرض».

وحذر إسحاق، وهو أول منسق عام للحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) التي تأسست في أواخر عام 2004 لمعارضة الرئيس السابق مبارك، من أن «الإخوان المسلمين يجرون مصر إلى مخاطر شديدة»، محملا مسؤولية ما يحدث في البلاد للرئيس مرسي، واتهمه بالفشل في إدارة البلاد.

ويخشى مراقبون من سقوط المزيد من القتلى، خاصة مع تصاعد أعمال العنف والدعوات لمليونيات جديدة في الأيام المقبلة ضد الرئيس مرسي وحكم الإخوان.