واشنطن وباريس مستعجلتان لتحويل القوة الأفريقية في مالي إلى قوة «حفظ سلام».. وباماكو متحفظة

وزير خارجية مالي ينوه بالتعاون الأمني والعسكري مع الجزائر

TT

احتل ملف مالي حيزا واسعا في المحادثات التي أجراها نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في قصر الإليزيه ظهر أمس مع الرئيس فرنسوا هولاند، الذي عاد الأحد من زيارة سريعة لمالي حيث تواصل القوات الفرنسية ضرباتها الجوية ضد المناطق الجبلية الواقعة بين مدينة كيدال والحدود الجزائرية، والتي يعتقد أن قوات الشمال من «القاعدة» وأنصار الدين وحركة التوحيد والجهاد لجأت إليها.

ولم يبخل بايدن في كيل المديح لما قامت به فرنسا في مالي، ولـ«الكفاءة المتميزة» التي تحلى بها الجنود الفرنسيون أثناء القيام بمهامهم. واعتبر أن التدخل الفرنسي «يصب في مصلحة فرنسا والولايات المتحدة والعالم». وشكر الرئيس الفرنسي ضيفه الأميركي على «كل الدعم» الذي قدمته واشنطن للعملية الفرنسية والمتمثل في الاستعلام والدعم اللوجستي وتزويد المقاتلات الفرنسية بالوقود جوا.

وقلب هولاند صفحة «العتب» الفرنسي على الشريك الأميركي الذي طالب بداية بأن تدفع باريس كلفة عمليات الشحن التي قام بها الطيران الأميركي لنقل الأسلحة والعتاد من فرنسا إلى مالي، ورفض واشنطن تزويد المقاتلات الفرنسية بالوقود في طلعاتها الجوية. وبدا التفاهم كاملا بين هولاند وبايدن، والشكر متبادلا، والرؤية المستقبلية واحدة، خصوصا لجهة رغبة البلدين في الإسراع بتحويل مهمة القوة الأفريقية - الدولية التي بدأت طلائعها بالوصول إلى مالي إلى قوة حفظ سلام «قبعات زرقاء»، وذلك «في أسرع وقت ممكن».

وفيما قال هولاند، عقب الاجتماع، إن العملية الأفريقية - الدولية «يجب أن تتحول إلى عملية حفظ سلام»، طالب بايدن بالاستعجال في ذلك، ووضع العملية برمتها تحت قيادة الأمم المتحدة. غير أن تيمان كوليبالي، وزير خارجية مالي الذي كان موجودا في باريس في الوقت ذاته عبر عن رأي مختلف وعن تحفظات كبيرة إزاء المشروع المذكور، وذلك في لقاء نظمه له معهد العلوم السياسية في باريس، وحضرته «الشرق الأوسط»، وكرسه للحديث عن وضع مالي اليوم، وعن أفاق المصالحة المستقبلية.

واعتبر كوليبالي أن شأنا كهذا يفترض إعادة تحديد مهمة القوة الدولية - الأفريقية من قبل مجلس الأمن. غير أنه تساءل: «ما هي مهمة قوة حفظ السلام؟ وبين من ومن ستحفظ السلام؟ هل بيننا وبين الإرهابيين؟ كلا». وتابع قائلا: «إننا نعتبر حربنا معهم (الإرهابيين)عادلة، وهي حق بل إنها حرب بين الحضارة والظلامية». لكن مصادر فرنسية ترى أنه رغم التحفظات، فإن باماكو «ليست في وضع يمكنها من فرض أي شيء أو مواجهة الرغبة الفرنسية - الأميركية إذا قررت العاصمتان تحويل قوة التدخل والمساندة الأفريقية إلى قوة حفظ سلام تعمل مباشرة تحت أوامر الأمم المتحدة». وفي أي حال، تقول المصادر الفرنسية إن أمرا كهذا «لن يتم قبل أن يكون الأمن قد استتب تماما في مالي، وأن تكون العمليات العسكرية قد انتهت».

وفي هذا السياق، ترى أوساط دفاعية في باريس أن عمليات القصف الجوي المكثف التي يقوم بها الطيران الفرنسي منذ أكثر من 48 ساعة شمال مدينة كيدال، وفي مثلث كيدال - تساليت - الحدود الجزائرية، غرضه «استهداف مقاتلي الشمال» الذين يعتقد أنهم انتقلوا إلى هذه المنطقة الوعرة. وترجح باريس أن الرهائن الفرنسيين المحتجزين في بلدان الساحل الأفريقي موجودون في هذه المنطقة، وهي تعتبر أن القوات الفرنسية الخاصة ربما تحضر لعملية نوعية من أجل الإفراج عنهم.

وبعكس التقديرات الرسمية المتفائلة من أن الوجود الفرنسي العسكري في مالي مرجح للتراجع متى انتشرت القوة الأفريقية - الدولية وأعيد تأهيل الجيش المالي، فإن المراقبين في باريس يعتقدون عكس ذلك تماما. وأمس صدرت صحيفة «لوموند» واسعة الانتشار بعنوان رئيسي يقول: «فرنسا موجودة في مالي لفترة طويلة».

من جهة أخرى، رفض وزير خارجية مالي أن يشمل الحوار السياسي وعملية المصالحة الوطنية التي تطالب بها الأمم المتحدة سلطات باماكو الحركة الوطنية لتحرير أزواد والحركة الإسلامية لتحرير أزواد اللتين سيطرتا على مدينة كيدال بعد انسحاب مقاتلي أنصار الدين الإسلاميين منها. وقال كوليبالي إن المصالحة «لا يمكن أن تتم من غير معالجة الطابع الجرمي والأعمال التي ارتكبها من تحالف مع (القاعدة)، وارتكب جرائم بحق الإنسانية». واتهم الوزير المالي الحركة الوطنية بأنها «وضعت نفسها في خدمة المشروع الإجرامي» لـ«القاعدة» وأنصار الدين وحركة التوحيد والجهاد.

وفي أي حال، يعتبر كوليبالي أن الطوارق الذين تأرجحت مطالبهم بين دولة مستقلة وإدارة ذاتية ولا مركزية موسعة «لا يمثلون الأكثرية» في مناطق الشمال، كما أن الذين حملوا السلاح «لا يزيدون عن 10% من الطوارق».

ونوه كوليبالي بالتعاون الأمني والعسكري القائم بين باماكو والجزائر، واعتبر أن ما حصل في عين أميناس يبين أن الإرهاب يستهدف الجميع وعلى الجميع التصدي له.

وأكد وزير الخارجية المالي أن حكومة بلاده عازمة على تنفيذ مضمون خريطة الطريق التي أقرتها الأسبوع الماضي، والتي تنص على المصالحة الوطنية، وقيام انتخابات جدية وخطط تنمية متوازنة للمناطق المحتاجة وخصوصا الشمال. وجاء ذلك فيما أعلن وزير التنمية الفرنسي أن باريس ستستأنف مساعدتها الاقتصادية الثنائية لباماكو. غير أنه ربطها بمدى تقدم تنفيذ خريطة الطريق.