النساء في قلب «معركة السلاح» بأميركا

أوباما: أسلحة الحرب لا مكان لها في شوارعنا ومدارسنا

غايل تروتر من «منتدى المرأة المستقلة» أثناء تقديم إفادتها أمام اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ حول موضوع السلاح الأربعاء الماضي (أ.ب)
TT

دعا الرئيس الأميركي باراك أوباما الكونغرس إلى إقرار تشريع جديد يتضمن إجراءات تنظم بيع الأسلحة النارية ذات القدرة العالية، وقال خلال زيارته لمدينة مينابوليس في ولاية مينيسوتا أول من أمس: «لسنا في حاجة للاتفاق على كل شيء، لكن يجب أن نتفق على أنه حان الوقت للقيام بشيء ما ولنحدث تغييرا حقيقيا، ودائما يتطلب ذلك أن يقوم الكونغرس بدوره وأن يفعل ذلك في أقرب فرصة»، وأضاف: «لا يوجد قانون أو مجموعة من القوانين يمكن أن تبقي أطفالنا في أمان بشكل كامل، والسياسيون لا يمكنهم إنقاذ كل الأرواح، لكن بإمكانهم على الأقل محاولة إنقاذ ضحايا محتملين من هذا العنف». وشدد أوباما في لهجة غاضبة: «أسلحة الحرب ليس لها مكان في شوارعنا ومدارسنا»، وحث الجمهور على ممارسة ضغوط على الكونغرس لسن هذا التشريع.

ويحاول الرئيس أوباما دفع الكونغرس إلى إقرار تشريع يتضمن إجراءات تنظيمية لبيع الأسلحة النارية عالية القدرات، ويضع حظرا على بعض النوعيات التي تفوق سعة خزانة الطلقات بها أكثر من عشر رصاصات، وإجراء تحقيق حول السوابق الجنائية والقضائية لكل من يريد شراء سلاح ناري.

وقد اختار أوباما مدينة مينابوليس التي تضم عددا كبيرا من المدافعين عن حق امتلاك الأسلحة وشهدت في الوقت نفسه جهودا محلية ناجحة لوقف العنف المسلح بين الشباب. وأثنى أوباما على تلك المبادرات موضحا أنها خفضت أعداد الشباب المصابين في حوادث إطلاق نار بنسبة 40%. ويواصل أوباما ضغوطه بعد أكثر من سبعة أسابيع على حادث إطلاق النار في مدرسة «ساندي هوك» بمدينة نيوتاون بولاية كونيكتيكت الذي راح ضحيته 20 طفلا.

لكن على الجانب المقابل تقف «الجمعية الوطنية للأسلحة» بقوة ضد أي تشريعات تحد من حرية اقتناء الأسلحة باعتبارها جزءا من الحريات التي يقرها التعديل الثاني في الدستور الأميركي. وتعد «الجمعية الوطنية للأسلحة» من أقوى الجمعيات نفوذا داخل الكونغرس، وهي تضم عددا كبيرا من رجال الأعمال والأثرياء ومحبي اقتناء الأسلحة وممارسة هواية الصيد، بينهم أعضاء في الكونغرس. وقد اعترف البيت الأبيض أن أوباما يواجه معركة شاقة لإقرار التشريع الجديد. وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني الاثنين: «الرئيس يدرك أن الأمر صعب، ولو كان سهلا لكان قد نفذ من زمن بعيد».

ووسط هذا الجدل المتزايد بشأن تنظيم قوانين حيازة الأسلحة، برزت سيدتان على طرفي نقيض؛ الأولى أم ثكلى فقدت طفلها خلال حادث إطلاق النار ويبدو رجاؤها بفرض مزيد من القيود على حيازة الأسلحة عصيا على الانتقاد. والمرأة الأخرى هي أم قوية تريد أن تحصل على الحقوق كافة في ما يتعلق بامتلاك الأسلحة من أجل حماية أطفالها. وفي الوقت الذي يناقش فيه الكونغرس مقترح الرئيس أوباما بتشديد التشريعات الخاصة بامتلاك أسلحة، تتجه عناصر الضغط القوية من الجانبين إلى المرأة لتمثل موقفها وتكون رمزا لها. فقد أدلت أمهات في نيوتاون بشهادتهن خلال الأسبوع الماضي بشأن فقدانهن فلذات أكبادهن خلال المذبحة التي شهدتها مدرسة «ساندي هوك» أو بشأن شعورهن بالذنب لبقاء أبنائهن على قيد الحياة. ووصفت إحدى الأمهات البندقية «إيه آر 15» التي استخدمها مرتكب الجريمة بـ«آلة قتل» أمام لجنة تشريعية.

وفي اليوم ذاته بواشنطن، أدلت امرأة أخرى من «منتدى المرأة المستقلة»، هي غايل تروتر، بشهادة عكس ذلك تماما، وقالت إن وجود سلاح في أيدي أم تدافع عن أبنائها ومنزلها ضد المجرمين يمنحها الشعور بالطمأنينة وراحة البال. وقالت تروتر أمام لجنة في مجلس الشيوخ إن سلاح «إيه آر 15» هو «سلاح دفاعي»، حسب ما نقلت عنها صحيفة «واشنطن بوست».

ويستغل مؤيدو فرض مزيد من القيود على الأسلحة النارية أمهات ضحايا حوادث إطلاق النار في إطار حملة من العلاقات العامة للتأثير على الرأي العام ويرون أنه عندما يتحدثن عن أعمال العنف التي ترتكب بالأسلحة النارية سيكون من الصعب معارضة أو تفنيد ما يقلن.

يذكر أنه بعد حادث إطلاق النار الذي ارتكب في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بدأت مئات الآلاف من الأمهات تنظيم حملات على موقع «فيس بوك» في نيوتاون تدعو إلى وقفات احتجاجية في مختلف أنحاء البلاد وإلى الضغط على المشرعين من أجل تمرير مشروعات القوانين التي اقترحها الرئيس أوباما. وقال دان غروس، رئيس حملة «برادي لمنع أعمال العنف التي ترتكب باستخدام الأسلحة النارية»: «الطريقة الوحيدة التي يمكن أن نحدث تغييرا من خلالها هي مطالبة الشعب الأميركي به كما قال الرئيس. إن أصوات النساء والأمهات من أهم الأصوات في الدعوات التي تنادي بأمن بلدنا».

وعلى الجانب الآخر، تستغل جماعة الضغط المؤيدة للسلاح النساء من أجل إضفاء لمسة رقيقة على صورة الصناعة التي تتم بالطابع الذكوري وتقديم أجندتها على أنها تتعلق بأمن الأسرة والدفاع عن النفس لا العنف والاعتداء. وعندما عرضت قناة «سي إن إن» منتدى المجلس المحلي حول أعمال العنف التي ترتكب بالأسلحة النارية الأسبوع الماضي، كانت الشخصيتان المؤيدتان لامتلاك الأسلحة من النساء.

ويروج قادة «الجمعية الوطنية للأسلحة» كثيرا لزيادة عدد النساء اللاتي يحضرن عروضا للرماية. وتخصص مصانع الأسلحة خطوط إنتاج لأسلحة وكماليات مخصصة للنساء، وتدخل تعديلات على الأسلحة حتى تناسب بنية المرأة الضعيفة وتسوقها باللون الزهري وألوان زاهية أخرى. ويقدم أحد المواقع الإلكترونية، هو «دليل الفتيات في عالم الأسلحة»، نفسه باعتباره موقعا مخصصا للسيدات اللاتي يهتممن بالموضة وبالأسلحة النارية.

وقال نائب الرئيس التنفيذي لـ«الجمعية الوطنية للأسلحة»، واين لابيير، في خطاب خلال المؤتمر العام للجمعية، العام الماضي: «نساء أميركا في الطليعة. تمتلك نحو 30 مليون سيدة أميركية السلاح. إنهن يعرفن ما نعرفه جميعا منذ زمن طويل وهو أنه كلما زاد عدد النساء اللاتي يشترين السلاح ويصوبنه، زاد الأمن والأمان».

ويعد عدد النساء اللاتي يؤيدن إجراءات السيطرة على الأسلحة أكبر من عدد الرجال بحسب استطلاع للرأي أجرته كل من صحيفة «واشنطن بوست» وقناة «إيه بي سي نيوز». ويوضح الاستطلاع أن 72% من النساء يدعمن الحظر على خزينة السلاح التي تحتوي على ذخيرة متطورة، مقابل 66% يدعمن الحظر على الأسلحة الهجومية. أما بين الرجال، فتبلغ نسبة الفئة الأولى 57% مقابل 50%.

ومع ذلك، تدافع بعض النساء بقوة عن سلاح «إيه آر 15»، الذي يعد من الأسلحة شبه الآلية المنتشرة التي سيتم حظرها في حال تم إقرار قانون الحظر على الأسلحة الهجومية الذي يحظى بدعم السيناتور ديان فينستين، عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا.

على الجانب الآخر، قالت أوبري بلانكينشيب، متحدثة باسم مؤسسة «أميريكان ماجوريتي أكشن»، المحافظة: «يمكن أن يكون سلاح (إيه آر 15) أفضل صديق للمرأة. هدفي هو الدفاع عن نفسي. ويمنحني هذا النوع من الأسلحة القدرة على فعل ذلك. ويشبه البعض هذا السلاح بدمية (باربي) بين الأسلحة». وكثيرا ما استشهد رئيس الجمعية، ديفيد كين، بابنته، وهي جندي احتياط، في معرض دفاعه عن سلاح «إيه آر 15». وقال إنه أقرب الأسلحة المتاحة للمدنيين شبها بالأسلحة التي يتدرب عليها كثيرون في الجيش. وأوضح قائلا للصحافيين خلال إفطار صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأسبوع الماضي: «إنها تستطيع استخدامه وعيناها مغمضتان. كذلك تستطيع تنظيفه بسهولة وتحب أن تستخدمه في الرماية».

وقالت تروتر في شهادتها الأسبوع الماضي أمام لجنة القضاء في مجلس الشيوخ إن حظر سلاح «إيه آر 15» سيضر بمصلحة النساء. وتساءلت عما سيحدث إذا اقتحم أحد المهاجمين المعتدين منزل امرأة وهدد أطفالها، مشيرة إلى أن امتلاكها سلاحا قويا يمنحها شجاعة أكبر عند مواجهتها مجرمين عتيدي الإجرام.

وعندما قالت تروتر إنها تتحدث باسم ملايين الأميركيات في مختلف أنحاء البلاد، ملأت صيحات الازدراء والاعتراض القاعة، حيث صاح أحدهم قائلا: «لا.. أنت لا تتحدثين باسمهن».