تقرير: 54 دولة قدمت المساعدة لـ«سي آي إيه» بعد هجمات سبتمبر

إيران وسوريا شاركتا في برامج تسليم المعتقلين للاستخبارات الأميركية

TT

ساعدت نحو ما يقرب من 54 دولة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) في عمليات الاعتقالات والتسليم السرية والتحقيق خلال السنوات التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، بحسب تقرير جديد لإحدى منظمات حقوق الإنسان يوثق مشاركة دولية واسعة النطاق في الحملة الأميركية ضد تنظيم القاعدة. ويعد التقرير، الذي من المفترض أن تنشره مجموعة «مبادرة عدالة المجتمع المفتوح» أمس، هو التقرير الأكثر تفصيلا الذي يتناول مساعدة دول أخرى للولايات المتحدة في أمور تشمل السماح لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بإدارة سجون سرية تتم فيها تحقيقات على أراضيها، وكذا السماح للاستخبارات المركزية باستخدام مطاراتها لإعادة التزود بالوقود أثناء نقل المعتقلين حول العالم.

ويذكر التقرير أسماء 136 شخصا احتجزتهم الاستخبارات المركزية أو نقلتهم. وتعد هذه هي القائمة الأطول التي تسجل بها التواريخ وتذكر تفاصيل خاصة بتوقيت القبض عليهم وأماكن الاعتقال. كذلك يضيف التقرير تفاصيل جديدة إلى ما يُعرف بالفعل حول التعامل مع أفراد تنظيم القاعدة المخلصين والأبرياء الذين تم القبض عليهم مصادفة خلال حملة مكافحة الإرهاب.

وتمت إدانة بعض وسائل التحقيق القاسية التي استخدمتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية مع المعتقلين خلال فترة إدارة جورج بوش الابن، واعتبارها من وسائل التعذيب. وكان الرئيس أوباما ممن أدانوها وأصدر قرارا بمنعها. وتم نقل بعض المعتقلين، الذين تعرضوا لعملية تسليم تعسفية خارج إطار القانون، إلى دول يعد التعذيب فيها أمرا معتادا، وغير شاذ. ولا تزال هذه العمليات محور جدل ساخن مع مسؤولين سابقين في إدارة بوش الذين يؤكدون أنها كانت ضرورية من أجل الحفاظ على أمن الدولة، في حين يؤكد المنتقدون على عدم قانونية وسائل التحقيق الوحشية وعدم فعاليتها.

تجدد هذا الجدل مؤخرا مع ظهور فيلم عن مطاردة زعيم القاعدة اسمه «Zero Dark Thirty»، المرشح لجائزة الأوسكار, الذي يتناول اللجوء إلى التعذيب خلال مطاردة بن لادن، على الرغم من نفي مسؤولي الاستخبارات هذا الأمر. وعندما تولى أوباما منصب الرئاسة، رفض دعوات لتشكيل لجنة قومية من أجل التحقيق في مثل هذه الممارسات، وقال إنه أراد أن يتطلع إلى المستقبل لا إلى الماضي. وانتهت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ مؤخرا من دراسة تتألف من 6 آلاف صفحة عن برنامج الاعتقال والتحقيق الخاص بوكالة الاستخبارات الأميركية، لكنها لا تزال سرية، ومن غير المؤكد ما إذا كان سيتم نشرها حتى ولو كان ذلك بشكل جزئي، وإن كان الأمر كذلك فموعد القيام به غير واضح.

قالت أمريت سينغ، كاتبة تقرير «مبادرة عدالة المجتمع المفتوح»، الذي يحمل عنوان «عولمة التعذيب»، إنها وجدت دليلا على تقديم 25 دول أوروبية و14 دولة آسيوية و13 دولة أفريقية المساعدة إلى الاستخبارات المركزية الأميركية، وذلك فضلا عن كندا وأستراليا. ومن تلك الدول تايلاند ورومانيا وبولندا وليتوانيا، التي تم احتجاز المعتقلين بها. وشملت الدول أيضا الدنمارك، التي سهلت العمليات الجوية التي تقوم بها الاستخبارات المركزية، وغامبيا، التي اعتقلت الأفراد وسلمتهم إلى الاستخبارات المركزية الأميركية. وأضافت سينغ: «ليست الولايات المتحدة وحدها من يتحمل المسؤولية الأخلاقية لهذه البرامج، بل أيضا الـ54 دولة التي جندتها لمساعدتها». ويرى بعض مسؤولي الاستخبارات المركزية السابقين أن انتقاد مثل هذه العمليات القاسية ضد تنظيم القاعدة هو نوع من الانتقادات التي توجه بعد معرفة النتيجة. ولم تسمح كندا للاستخبارات المركزية الأميركية باستخدام مجالها الجوي فحسب، بل أيضا قدمت لها معلومات أدت إلى اختطاف أحد مواطنيها إلى سوريا حيث تم احتجازه وتعذيبه لمدة عام، كما جاء في التقرير. وتذكر «مبادرة عدالة المجتمع المفتوح» مشاركة كل من إيران وسوريا في برنامج التسليم. ويُعرف عن سوريا أنها واحدة من «أشهر الوجهات التي يتم إرسال المشتبه فيهم إليها»، بينما يُعرف عن إيران أنها شاركت في برنامج وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، من خلال تسليم ما يزيد على 15 شخصا إلى كابل بعد فترة قصيرة من الغزو الأميركي لأفغانستان، مع علمها الكامل بأنهم سيكونون تحت السيطرة الكاملة للولايات المتحدة.

مشاركة دول أخرى واضحة بغيابها عن قائمة عمليات التسليم، مثل السويد وفنلندا، في حين لا يوجد أي دليل على تورط النرويج. وفي الوقت الذي شاركت فيه دول بمنطقة الشرق الأوسط في برنامج التسليم، لم تشارك إسرائيل، بحسب أبحاث «مبادرة عدالة المجتمع المفتوح». وقال مايكل هايدن، المدير السابق للاستخبارات المركزية الأميركية، في نقاش، الأسبوع الماضي، في معهد «أميركيان إنتبرايز»، إن الأصوات التي دعت إلى وضع قيود خلال الفترة التي اتسمت بالذعر بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) قليلة. وأوضح قائلا: «كثيرا ما نجد أنفسنا في موضع اتهام قاس بأننا لا نفعل ما يكفي للدفاع عن أميركا عندما يشعر الناس بالخطر. وبمجرد أن يعود الناس للشعور بالأمان، نواجه اتهامات بأننا بالغنا كثيرا». ومع ذلك تقول سينغ إن الولايات المتحدة قد انتهكت بشكل سافر القوانين الأميركية والدولية، وأن محاولاتها للهروب من المسائلة «بدأت في الانهيار».

في ديسمبر (كانون الأول)، رأت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن وكالة الاستخبارات المركزية مسؤولة عن تعذيب خالد المصري، المواطن الألماني الذي اختطفته الاستخبارات المركزية الأميركية إلى أفغانستان بطريق الخطأ نتيجة تشابه أسماء. وأصدرت محكمة استئناف إيطالية يوم الجمعة حكما بإدانة رئيس محطة تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية وأميركيين اثنين بتهمة اختطاف رجل دين متطرف من شوارع ميلانو عام 2003 ونقله إلى مصر. والجدير بالذكر أنه تمت إدانة 23 أميركيا في هذه القضية في السابق.

* خدمة «نيويورك تايمز»