مصطفى عبد الجليل لـ«الشرق الأوسط»: «الربيع العربي» أرهق المسؤولين

رئيس المجلس الوطني الانتقالي المنحل في ليبيا: لا أفكر في العودة لممارسة السياسة

مصطفى عبد الجليل
TT

قال المستشار مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الوطني الانتقالي المنحل في ليبيا، إن الربيع العربي تعرض لموجة من الاستعجال في المطالب الشعبية بشكل أرهق المسؤولين، مشيرا إلى أنه «ما دمنا ارتضينا الديمقراطية وتوجهنا جميعا إلى صناديق الاقتراع لاختيار من يقوم بالمهام الرسمية، فعلينا إعطاؤه الفرصة للعمل وتذليل الصعاب له، أما ما يحصل من إضرابات وأعمال عنف وتخريب مصاحبة لتلك الإضرابات والمظاهرات فهذا أمر معرقل لكل الأنظمة وليس لأنظمة الربيع العربي فقط».

وأضاف عبد الجليل: «إن المواطن عليه واجبات وله حقوق، وعلينا جميعا أن نقوم بواجباتنا نحو الوطن ثم ننتظر الحقوق ولا نستعجلها، فمن يقول للشيء كن فيكن هو الله فقط، وحتى عصا موسى لن تفعل شيئا إلا بأمر الله».

وأعلن عبد الجليل، في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» مؤخرا في لندن، التي زارها بغرض إجراء بعض الكشوف الطبية، إنه لا يفكر في العودة لممارسة السياسة لأنه ليس سياسيا، مشيرا إلى أنه، منذ عام 1975 وحتى عام 2007، وهو يمارس العمل القضائي الذي يعشقه ويجيده.

وكشف عبد الجليل دواعي ملاحقته القضائية في مقتل الجنرال عبد الفتاح يونس، وقال إن «أساسها الحسد والغيرة أولا، وثانيا أنها جزاء لمواقف شخصية وسياسية لم أتخذها بعد التحرير، وثالثا هي محاولة من الفاعلين للزج بشخص معروف في هذه القضية اعتقادا منهم بأنه سوف يلفت النظر عنهم أو يحمل العبء عنهم في الوصول إلى صلح اجتماعي مع أولياء الدم».

وزاد عبد الجليل قائلا: «أنا أثق في نفسي أمام الله أولا لأنه لا علاقة لي بما حدث للشهيد يونس لأن مقتله كان انتكاسة حقيقية للثورة، ولولا حكمة ووطنية بعض الشخصيات الوطنية ذلك اليوم لكان للثورة مآل ومصير آخر وكنت وزملائي أعضاء المجلس أول المتضررين، لأن الجميع كان يعلم بالمحاكمات التي نصبت لنا جميعا، وصدرت فيها أحكام قضائية». وفي ما يلي نص الحوار:

* تحظون بشعبية هائلة في جميع أنحاء ليبيا، ويعتقد الكثيرون أنها مدعاة لغيرة الكثير من السياسيين وخشية البعض الآخر. هل تفكرون في العودة لممارسة السياسة، واستكمال الدور التاريخي الذي بدأته؟

- لم أرَه تاريخيا بقدر ما رأيته فضلا من الله وحسبته لله تعالى، ولن أفكر في العودة لممارسة السياسة لأنني لست سياسيا، فمنذ عام 1975 وحتى عام 2007 وأنا أمارس العمل القضائي الذي أعشقه وأجيده.

* الملاحقة القضائية لشخصكم في قضية مقتل الجنرال عبد الفتاح يونس، ما الدواعي والأسباب من ورائها، علما بأن البعض يراها محاولة لحرق كل الجسور أمامكم للعودة إلى السياسة؟

- دواعي الملاحقة القضائية في مقتل «الشهيد» عبد الفتاح يونس أساسها الحسد والغيرة أولا، وثانيا أنها جزاء لمواقف شخصية وسياسية لم اتخذها بعد التحرير، وثالثا هي محاولة من الفاعلين للزج بشخص معروف في هذه القضية اعتقادا منهم بأنه سوف يلفت النظر عنهم أو يحمل العبء عنهم في الوصول إلى صلح اجتماعي مع أولياء الدم. وأنا أثق في نفسي أمام الله أولا أنه لا علاقة لي بما حدث للشهيد لأن مقتله كان انتكاسة حقيقية للثورة، ولولا حكمة ووطنية بعض الشخصيات الوطنية ذلك اليوم لكان للثورة مآل ومصير آخر وكنت وزملائي أعضاء المجلس أول المتضررين، لأن الجميع كان يعلم بالمحاكمات التي نصبت لنا جميعا، وصدرت فيها أحكام قضائية.

* ما تقييمكم لتجربة المجلس الوطني الانتقالي الذي ترأستموه؟

- لا أستطيع أن أقيم عمل المجلس الوطني الانتقالي، فعلى الساسة المحايدين الذين لا غرض ولا مطامع لهم أن يضعوا أنفسهم في ذات الظروف التي وجد فيها المجلس سياسيا وعسكريا واقتصاديا، وأن يقيموا عملنا من خلال تلك الظروف التي وجدنا فيها، وما حققناه كله تم بفضل الله تعالى وبكرامات منه، ولم يكن بفضل حنكتنا، وفي المقابل ما ارتكبناه من أخطاء كان من أنفسنا ونتحمل مسؤوليته أمام الله أولا، وأمام الليبيين الذين لا نطلب منهم سوى الإنصاف فقط.

* كيف تنظرون إلى ما يحدث في ليبيا؟ وهل ما يحدث سياسيا مدعاة للقلق، خصوصا أن ليبيا تستعد للاحتفال بالذكرى الثانية لثورة 17 فبراير؟

- نعم، ما يحدث الآن في ليبيا من دعوة للخروج في مظاهرات تتزامن مع الذكرى الثانية للثورة هو مدعاة للقلق، لأن الأمور ستستغل ممن لهم أغراض في عدم استقرار ليبيا حتى لا يلاحقوا عما فعلوا، أو لأنهم لم يحصلوا على ما كانوا يتمنون الحصول عليه مقابل مواقفهم الوطنية السياسية أو العسكرية أو المالية، مستغلين التباطؤ الشديد في عدم إقرار أساس للحكم المحلي يلبي طموحات بعض الداعين للحكم الفيدرالي، ويقطع الطريق عنهم بإنشاء أجسام محلية ذات اختصاص ولو محدود كبداية لتفكيك المركزية العقيمة التي لا تتماشى مع وطن بهذه المساحة. وأرى أنه لا عيب في المطالبة بأي حقوق ولو كانت تدعو إلى الحكم الفيدرالي، ولكن يجب أن لا ترقى هذه المطالبات إلى أعمال عنف أو تخريب، فالوطن لا يتحمل ذلك، ونسأل الله أن يحقن دماء المسلمين وأن يؤلف بين قلوبهم.

* هل تدعمون انتخاب لجنة لإعداد الدستور؟ وهل تؤيدون اعتراف الدستور الجديد المرتقب باللغة والثقافة الأمازيغية؟

- نعم، يجب أن تكون لجنة الدستور منتخبة لسببين من وجهة نظري الشخصية، أولهما حتى لا يحتج عليها لأن التعيين لن يرضي الجميع، وثانيهما حتى تكون تجربة ديمقراطية ثانية ستكون الخيارات فيها أكثر نضجا، رغم أنني أرى أن خيارات المؤتمر الوطني العام بما عليه من ملاحظات من الشارع هي خيارات ممتازة في الغالب الأعم، وتبقى تلك الأصوات الشاذة التي تغرد خارج السرب بالمجلس هي خيارات متوقعة في كل الانتخابات، وقد تضمن الإعلان الدستوري المؤقت نصوصا تعترف باللغة الأمازيغية وغيرها من اللغات العرقية الأخرى كلغات وطنية تتيح لإخوتنا الأمازيغ والتبو والطوارق والقريت تعليمها في مدارسهم والتحدث بها وإقامة الاحتفالات الوطنية والتاريخية بهذه اللغات. وأعتقد أن ذلك يلبي طموحات إخوتنا أصحاب هذه اللغات، الذين كان لهم دور بارز ومؤثر في مسيرة الإطاحة بحكم معمر بومنيار.

* هل تعتقد أن المحاكم الليبية قادرة على توفير محاكمة نزيهة وعادلة لسيف الإسلام القذافي وعبد الله السنوسي وبقية رجال النظام السابق؟

- المحاكم الليبية قادرة على توفير المحاكمة للجميع سواء كانت عسكرية أو مدنية إذا توفر الأمن الذي وضع القضاة تحت تأثير الخوف مما قد يصدر عنهم، رغم أنني أرى أن أهم مميزات القاضي قبل النزاهة والكفاءة أن يكون شجاعا في اتخاذ ما يمليه عليه القانون والضمير، وهذه الشجاعة هي الشيء المفقود في كل المحاكم الليبية عسكرية أو مدنية.

* عدم قدرة الحكومة الليبية على حماية الحدود سبب - ضمن أشياء أخرى - تهريب السلاح إلى دول الجوار وزعزعة الأمن فيها وتزايد تهديدات القاعدة والإرهاب، ما قولكم؟

- حماية وأمن الحدود هو مطلب دولي قبل أن يكون مطلبا وطنيا ملحا، وكان بإمكان الحكومة الانتقالية استغلال معاهدة الشراكة والصداقة والتعاون مع الحكومة الإيطالية لتأمين الحدود لأنها معاهدة مدعومة من الاتحاد الأوروبي الذي له مصلحة حقيقية في حماية الحدود الليبية كخطوة احترازية أولى لحماية الشواطئ الجنوبية للدول الأوروبية، وما زال الوقت والفرصة أمام الحكومة المؤقتة برئاسة السيد المحترم علي زيدان.

* القرارات الأخيرة التي قامت بها بعض الدول الغربية بسحب رعاياها من مدينة بنغازي، هل تجدونها مبررة أم أنها محاولة لتحريض الحكومة الليبية على القيام بدورها المأمول منها في التخلص من الميليشيات المسلحة، خصوصا الإسلامية منها؟ وما تأثير ذلك على مستقبل بنغازي المدينة وأبنائها؟

- ما قامت به بعض الدول من سحب رعاياها من بنغازي هو خطوة احترازية تخوفا مما حصل للقنصلية الأميركية في المدينة، ويبقى الأمر منوطا بأهل بنغازي معقل الثورة في عدم منح الفرصة لمن يريد زعزعة أمن المدينة وحرمانها مما هو قادم إليها من خير وفير. وأنا على يقين بأن أهل بنغازي قادرون على ذلك بما يحملونه من مشاعر وطنية راقية، ليس بالقوة وحدها ولكن بالحوار مع كل الأفكار التي قد تستغل من أولئك الذين يرون في استقرار أمن بنغازي خطرا على مصالحهم في ما اقترفوه من أفعال في الماضي.

* يقول البعض إن الربيع العربي تحول إلى ربيع كارثي، ما رأيكم؟

- الربيع العربي تعرض لموجة من الاستعجال في المطالب الشعبية بشكل أرهق المسؤولين، فما دمنا ارتضينا الديمقراطية وتوجهنا جميعا إلى صناديق الاقتراع لاختيار من يقوم بالمهام الرسمية، فعلينا إعطاؤه الفرصة للعمل وتذليل الصعاب له، أما ما يحصل من إضرابات وأعمال عنف وتخريب مصاحبة لتلك الإضرابات والمظاهرات فهذا أمر معرقل لكل الأنظمة وليس لأنظمة الربيع العربي فقط، فالمواطن عليه واجبات وله حقوق، فعلينا جميعا أن نقوم بواجباتنا نحو الوطن ثم ننتظر الحقوق ولا نستعجلها، فمن يقول للشيء كن فيكن هو الله فقط، وحتى عصا موسى لن تفعل شيئا إلا بأمر الله، ولنا في تفسير ذلك عبرة لمن أراد الخير للبلاد والعباد.