مقاهي ميدان التحرير الطائرة.. تغري المواطنين بالعيش في الثورة

معداتها بضعة كراسي بلاستيكية وتقدم المشروبات وإتاوات للبلطجية

TT

«تعال.. الثورة لسه في الميدان».. هكذا ينادي أحد الصبية على الزبائن، ليستمتعوا باستراحة عابرة على أحد المقاهي الطائرة المنتشرة على حواف ميدان التحرير أيقونة الثورة في قلب العاصمة المصرية. والمقهى الطائر عبارة عن عدة كراسي وطاولات بلاستيكية، وأدوات لصنع الشاي والقهوة، وتقدم المشروبات والشيشة للزبائن، ويمكن نقلها وتحريكها من مكان إلى آخر.

ودائما ما يشعر أصحاب المقاهي الطائرة بالخطر بسبب الاشتباكات بين الثوار وقوات الشرطة في محيط الشوارع المتاخمة للتحرير والمؤدية إلى مبان حكومية ومجمعات للفنادق الكبرى والسفارات الأجنبية. ودخلت المقاهي الطائرة بقوة في نسيج الصورة الذهنية التي انطبعت في أذهان الكثيرين عن الميدان باعتباره المسرح الجامع للثوار المصريين. فمن هنا اندلعت شرارة ثورة 25 يناير، وفوق أرضه سالت دماء الشهداء وهي تهتف بحلم الثورة «عيش وحرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية».

لكن بمرور الوقت وبعد نحو عامين من الثورة بدا لافتا أن آثارها في الميدان اقتصرت على الحديقة المستديرة التي تتوسطه المعروفة باسم «الكعكة الحجرية»، وبعض الاشتباكات المحيطة به بين المتظاهرين والشرطة بين وقت وآخر. وأصبحت المقاهي الطائرة بمثابة استراحة للمتظاهرين وبؤرة جذب تغري الكثيرين بقضاء وقت في قلب الميدان ولو لبضع ساعات، بصرف النظر عن أي أخطار محتملة. وتحول الميدان نفسه إلى سوق كبيرة، يضم باعة للطعام والشراب والملابس والأعلام.

أحمد عبد الغني، أحد الشباب المعتصمين في ميدان التحرير، يقول: «المقهى أصبح وجوده في ميدان التحرير أمرا واقعا لا يمكن لأحد إنكاره». ويضيف عبد الغني: أنه «كثيرا ما تشهد هذه المقاهي مشاجرات قد تستخدم فيها أسلحة بيضاء أو خرطوش».

على السيد عبد الرحمن، موظف يقطن في محافظة البحيرة، يقول وهو يجلس على أحد المقاهي الطائرة في الميدان: أتيت للقاهرة لأنهي بعض الأوراق وما زال أمامي وقت طويل قبل موعد القطار الذي سيحملني إلى بلدتي، لذلك قررت الجلوس هنا لبعض الوقت لأسترجع ذكريات الثورة.

أما «أبو سيد» أحد عمال المقهى، فرفض الإفصاح عن اسمه الحقيقي قائلا: «لا نسبب ضررا لأحد، لماذا تهاجموننا»، موضحا أن زبائنه إما فتيات يفضلن الجلوس في المقهى لتجنب التحرش الجنسي الذي أصبح مصدر خوف في الميدان، أو كبار السن الذين يبحثون عن قسط من الراحة وسط الميدان.

ويوضح أنه لم يحصل على ترخيص من أي جهة حكومية لممارسة نشاطه قائلا: «هي فين الحكومة؟ حتى عساكر المرور مش موجودين في الميدان»، رافضا اتهام المقهى بالمخالفة معتبرا أن ميدان التحرير أصبح «دولة لها حكومتها المستقلة».

ويقول أبو سيد «هناك بلطجية يحصلون من كل من يبيع شيئا في التحرير على إتاوة يومية مقابل السماح له بالعمل، ومن لا يدفع يضرب ويطرد من الميدان».

ويرفض أبو سيد اتهامه باستغلال الثورة أو نشر الفوضى في الميدان، قائلا: «من قال إنني لم أشارك في الثورة، أنا أسكن في حي إمبابة (حي شعبي قرب القاهرة) وأصبت بالخرطوش يوم (جمعة الغضب).. خرجت يومها أطالب بفرصة عمل بعد أن وصلت إلى سن الخامسة والثلاثين وأنا عاطل.. لا أعرف شعارات المثقفين كل ما أريده هو فرصة عمل وهو ما وفره لي ميدان التحرير».