خادم الحرمين لقادة الدول الإسلامية: الإرهاب ظاهرة خطيرة على أمن وسلامة البشرية ولا دين له ولا وطن

في كلمته أمام قمة القاهرة الإسلامية ألقاها الأمير سلمان بن عبد العزيز

الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد السعودي خلال جلسات أعمال القمة الإسلامية في القاهرة أمس (رويترز)
TT

شدد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، على أن الإرهاب يشكل ظاهرة خطيرة على أمن وسلامة المجتمعات البشرية بلا استثناء، ووصفه بأنه «آفة عالمية لا تنتمي إلى دين أو جنسية»، مؤكدا أن الإرهاب يمثل تهديدا يقوض الأمن والسلم الدوليين، «لذا يتحتم علينا مواجهة هذه الآفة الخبيثة حيثما كانت للقضاء عليها ولتسلم البشرية من شرورها».

جاء ذلك في كلمة خادم الحرمين الشريفين التي ألقاها نيابة عنه الأمير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع أمس أمام مؤتمر القمة الإسلامية الثانية عشرة الذي انطلقت فعالياته أمس في العاصمة المصرية القاهرة؛ حيث يترأس ولي العهد السعودي وفد بلاده إلى القمة.

وتطرق الملك عبد الله في كلمته إلى عدة محاور، أبرزها القضيتان الفلسطينية والسورية، والتي أكد أن الرياض تبذل جهودا كبيرة للتعاطي مع القضيتين «انطلاقا من مسؤوليتها الدينية والتاريخية، وأنها لم تدخر جهدا في تقديم جميع أشكال الدعم السياسي والمادي والمعنوي».

كذلك تناول الملك عبد الله في كلمته ظاهرة استفحال كره الأديان ورموزها، مبينا أن العالم الإسلامي يمر بالكثير من التحديات والتطورات والتغييرات البالغة الدقة، داعيا القادة إلى تدارس أبعادها وتداعياتها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وضرورة اتباع أفضل السبل المنهجية لمعالجتها والتخفيف من حدتها على الشعوب الإسلامية خاصة في الجوانب الاقتصادية والتنموية.

وحول تداعيات الأوضاع في سوريا، دعا خادم الحرمين الشريفين المجتمع الدولي خاصة مجلس الأمن الدولي إلى «أن يتخذ الإجراءات والقرارات اللازمة لردع هذه الجرائم والعنف عن الشعب السوري وإنهاء انتقال السلطة بكل الوسائل الممكنة»، مشددا على أن مجلس الأمن يعد الكيان الدولي المعني بتحقيق الأمن والسلم الدوليين، وقال: «إذا فشلنا في جعله يهب لنصرة الأمن والسلم الدوليين في كل من سوريا وفلسطين ووقف أعمال العنف التي تمارس ضدهما، فعلينا أن ندير ظهورنا له وأن نعمل على بناء قدراتنا لحل مشاكلنا بأنفسنا».

وتحدث الملك عبد الله بن عبد العزيز، عن أهمية تعاون الدول الإسلامية في المجالات جميعا، خاصة الاقتصادية والاجتماعية، وقال: «لا بد من وضع منهجية واضحة لتعزيز العمل الإسلامي المشترك في القضايا الاقتصادية والاجتماعية بين جميع الدول الأعضاء بالمنظمة، تنطلق من ميثاق مكة المكرمة الذي أقرته الدورة الاستثنائية الرابعة للقمة الإسلامية»، وفيما يلي نص الكلمة:

«بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين يشرفني أن ألقي كلمة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - أمام هذا الجمع الكريم، وفيما يلي نصها: فخامة رئيس جمهورية مصر العربية الشقيقة الدكتور محمد مرسي. أصحاب الجلالة والفخامة والسمو.. أصحاب المعالي والسعادة.. الحضور الكريم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: يسعدني أن أشكر فخامة الرئيس محمد مرسي على هذه الدعوة الكريمة لعقد القمة الإسلامية، والتحضير الجيد للموضوعات المطروحة على جدول الأعمال والتي سيكون لها بمشيئة الله تعالى انعكاس إيجابي فيما سيتمخض عن القمة من نتائج تصب في تحقيق تطلعات الأمة الإسلامية وسبل الارتقاء بالعمل الإسلامي المشترك.

أيها الإخوة: يمر عالمنا الإسلامي بالكثير من التحديات والتطورات والتغييرات البالغة الدقة، مما يتطلب منا جميعا تدارس أبعادها وتداعياتها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وضرورة اتباع أفضل السبل المنهجية لمعالجتها والتخفيف من حدتها على شعوبنا الإسلامية خاصة في الجوانب الاقتصادية والتنموية وذلك عملا بقوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).

فمن أبرز هذه التحديات ما يتصل بحالات النزاع التي يشهدها العالم الإسلامي وتشكل هاجسا يؤرق جميع الدول الأعضاء بالمنظمة. ويأتي النزاع العربي الإسرائيلي في مقدمة هذه النزاعات، والذي يتمحور حول قضية الشعب الفلسطيني وحصوله على حقوقه المشروعة، والتصدي للتوسع الاستيطاني الذي تمارسه إسرائيل من خلال الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وشن العمليات العسكرية ضد الشعب الفلسطيني بلا هوادة، الأمر الذي يتوجب علينا جميعا الوقوف ضده وتكثيف الجهود لحشد موقف دولي موحدٍ لممارسة الضغط على إسرائيل لإيقاف عدوانها وتوسعها في بناء المستوطنات وابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية، واستئناف المفاوضات وفق المرجعيات الدولية المعروفة ومبادرة السلام العربية وخطة خارطة الطريق، وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني الذي طال صبره لاستعادة حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وبما يصب في إطار تعزيز فرص إحلال السلام والأمن في منطقة الشرق الأوسط.

ومن جانب آخر، تتفاقم يوما بعد يوم الأوضاع المأسوية والإنسانية التي يعيشها أبناء الشعب السوري وما يرتكب في حقه من قبل النظام السوري من جرائم بشعة والمتمثلة في التنكيل والتعذيب والقتل الممنهج وتشريد ونزوح الأسر خوفا من بطش هذا النظام، وبلغت هذه الجرائم مستويات لا يمكن أن يبرر الصمت عنها، أو عدم عمل أي فعل لردعها. فعلى دولنا القيام بواجبها لدعم هذا الشعب في محنته ووقف نزيف دمه المستمر لقرابة العامين، مخلفة الآلاف من القتلى والجرحى.

وعلى المجتمع الدولي خاصة مجلس الأمن أن يتخذ الإجراءات والقرارات اللازمة لردع هذه الجرائم والعنف عن الشعب السوري وإنهاء انتقال السلطة بكل الوسائل الممكنة، خاصة في ضوء اعتراف المبعوث العربي الدولي المشترك لحل الأزمة السورية السيد الأخضر الإبراهيمي في تقريره أمام المجلس بأن الأزمة آخذة في التفاقم بشكل كبير وتنذر بعواقب وخيمة في ضوء تمسك كل طرف بموقفه ودعم بعض الأطراف الفاعلة في مجلس الأمن لمواقف النظام السوري، الأمر الذي لا يسهم في حل المشكلة.

إن مجلس الأمن هو الكيان الدولي المعني بتحقيق الأمن والسلم الدوليين، وإذا فشلنا في جعله يهب لنصرة الأمن والسلم الدوليين في كل من سوريا وفلسطين ووقف أعمال العنف التي تمارس ضدهما، فعلينا أن ندير ظهورنا له وأن نعمل على بناء قدراتنا لحل مشاكلنا بأنفسنا.

لقد بذلت المملكة العربية السعودية جهودا كبيرة للتعاطي مع القضيتين الفلسطينية والسورية، وذلك انطلاقا من مسؤوليتها الدينية والتاريخية، ولم تدخر جهدا في تقديم جميع أشكال الدعم السياسي والمادي والمعنوي، وحث المجتمع الدولي على ضرورة القيام بمسؤولياته التاريخية والأخلاقية حيال رفع المعاناة عن الشعبين الفلسطيني والسوري، وأؤكد مجددا وقوف المملكة العربية السعودية الكامل مع الشعبين الفلسطيني والسوري في هذه النوازل ودعوة جميع الدول إلى تكثيف الجهود على جميع المستويات لتحقيق مطالبهم المشروعة، بعيدا عن التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للأمة الإسلامية وإثارة الفرقة والشقاق فيما بين شعوبها والتأثير على هويتهم الثقافية لتحقيق مآرب سياسية، وذلك حتى نستطيع أن نعزز من فرص تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية في المنطقة.

أيها الأخوة الكرام: يشكل الإرهاب ظاهرة خطيرة على أمن وسلامة المجتمعات البشرية بلا استثناء، وآفة عالمية لا تنتمي إلى دين أو جنسية، بل وتمثل تهديدا يقوض الأمن والسلم الدوليين، لذا يتحتم علينا مواجهة هذه الآفة الخبيثة حيثما كانت للقضاء عليها ولتسلم البشرية من شرورها، وأن نجتهد في محاربتها بكل الوسائل الممكنة وتحديد الأهداف والوسائل اللازمة لتحقيق ذلك، والعمل بالشفافية والمصداقية اللازمة، وأن نتكل على المولى عز وجل ثم على أنفسنا وقدراتنا لحل مشاكلنا.

ومن التحديات الكبرى التي تواجهها الأمة الإسلامية اليوم استفحال ظاهرة كره الأديان ورموزها من قبل ذوي الأهداف المشبوهة وبعض أصحاب النفوس الضعيفة، الذين اتخذوا من حرية التعبير والرأي وسيلة للهجوم على المسلمين ومقدساتهم دون أي رادع أخلاقي وقانوني لتجريم مرتكبيها. لذا فإننا نطلب من جميع الدول الأعضاء بالمنظمة أن يدعموا مقترح المملكة العربية السعودية لدى هيئة الأمم المتحدة لاستصدار قرار يدين أي دولة أو مجموعة أو أفراد تتعرض للأديان السماوية وللأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ووضع العقوبات الرادعة لمثل هذه الأعمال.

إخواني: إننا نعيش في عالم يتقدم بخطى متسارعة في الكثير من المجالات العلمية والتقنية والمعرفية، حتى أصبحت هذه المجالات شاهدا على مدى تقدم الدول ورقيها، بل وتساهم في نموها الاقتصادي والاجتماعي بشكل فعلي وملموس، والعالم الإسلامي يزخر بالكفاءات والقدرات المؤهلة ولله الحمد، ومن هنا لا بد من وضع منهجية واضحة لتعزيز العمل الإسلامي المشترك في القضايا الاقتصادية والاجتماعية بين جميع الدول الأعضاء بالمنظمة، تنطلق من ميثاق مكة المكرمة الذي أقرته الدورة الاستثنائية الرابعة للقمة الإسلامية، ولتكون هذه المنهجية بمثابة برنامج عمل يوظف الخبرات والإمكانات المتاحة بين الدول الأعضاء لطرح حلول واقعية للقضايا الاقتصادية والاجتماعية التي تعيق تطوير المجتمعات الإسلامية وتساهم في تنمية التعاون البناء بين دولنا وشعوبنا ويعزز أواصر التضامن الإسلامي فيما بينها. وختاما، أسأل المولى جلت قدرته أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».