مصادر وزارية عربية: أمام أوباما 18 شهرا لإحداث اختراق في المفاوضات

معلومات أوروبية وعربية تؤكد أن باريس ولندن وبرلين تريد دفع واشنطن للانخراط بقوة

TT

في ما أعلن البيت الأبيض عن زيارة للرئيس الأميركي باراك أوباما إلى منطقة الشرق الأوسط هي الأولى إلى إسرائيل والدولة الفلسطينية، في الربيع القادم، والمرجح أواخر مارس (آذار) المقبل، قالت مصادر وزارية عربية لـ«الشرق الأوسط» إن «أمام أوباما 18 شهرا يستطيع خلالها أن يحقق شيئا في موضوع السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبعدها سيفتح موضوع الانتخابات النصفية ثم تأتي الحملة الرئاسية مما سيؤدي إلى تراجع الاهتمام بهذا الملف».

وترصد هذه المصادر التي طلبت عدم الكشف عن اسمها، مجموعة من العناصر «المشجعة» التي تدفع كلها باتجاه توقع تحرك أميركي جدي وخروج من حال المراوحة التي طغت على الملف الفلسطيني - الإسرائيلي منذ عام 2010. وأول هذه العناصر موقع القوة المتجددة للرئيس الأميركي بعد إعادة انتخابه وتحرره من القيود الداخلية وتعيين جون كيري السياسي المخضرم والمطلع على تفاصيل الأزمة وزيرا للخارجية وتوقع وصوله إلى المنطقة في الأسابيع القليلة القادمة. وتعتبر المصادر الوزارية التي التقتها «الشرق الأوسط» في باريس أن «أوباما الجديد» مؤهل لأن يكون «أكثر فاعلية وحسما» من أوباما في ولايته الأولى.

ويتمثل العنصر الثاني في مجيء الحكومة الإسرائيلية الجديدة بعد الانتخابات الأخيرة التي شهدت تراجع مواقع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واضطراره للتعاون مع تيار الوسط الممثل بيائير لابيد زعيم حزب يوجد مستقبل (يش عتيد) المرشح لتبوء منصب وزير الخارجية وجعل من معاودة إطلاق المفاوضات مع الفلسطينيين أحد بنود برنامجه الانتخابي. وبانتظار أن ترى الحكومة الإسرائيلية الجديدة النور، تعتبر المصادر العربية أن نتنياهو سيكون مضطرا للاستماع إلى مطالب تيار الوسط إذا أراد أن تكون حكومته مستقرة، وألا يغلق الباب في وجه من يحاول إحداث تقدم في موضوع السلام وإقامة الدولة الفلسطينية. ثم إن مصلحة نتنياهو تكمن في عدم الاصطدام مجددا مع أوباما الذي سيبقى في البيت الأبيض طيلة أربع سنوات. وألا يتكرر في ولاية أوباما الثانية ما حصل خلال ولايته الأولى التي ساد فيها الشك والريبة العلاقات الشخصية بين نتنياهو وأوباما.

يضاف إلى هذين العنصرين توافر رغبة أوروبية عربية جدية ومساع بدأت تتبلور لدفع الإدارة الأميركية للانخراط مجددا في موضوع الشرق الأوسط. وتوافرت لـ«الشرق الأوسط» معلومات فرنسية وعربية متطابقة تفيد بأن باريس ولندن وبرلين تعمل على التفاهم على مسودة «خريطة طريق» جديدة ستقدم للرئيس الأميركي لحثه على العودة مجددا إلى ساحة الشرق الأوسط وإعادة تحريك هذا الملف «الشائك» وعدم اعتبار أن مخاض «الربيع العربي» وعودة الملف النووي الإيراني إلى واجهة الاهتمامات من شأنه تبرير تراجع الاهتمام بالملف الفلسطيني الإسرائيلي الحدود الدنيا.

وكشفت المصادر العربية أن البحث ينصب اليوم على «تصور إطار لمعاودة المفاوضات من غير الوقوع مجددا في عقدة الاستيطان ووقفه». ومن المخارج الممكنة اعتبار أن موضوع الاستيطان «يمكن أن يحل من خلال الاتفاق على بند الحدود في مفاوضات الحل النهائي». ولذا يتعين «عدم إعطاء نتنياهو الفرصة للتنصل من المفاوضات» إذ إن الاستيطان يتسارع مع المفاوضات ومن دونها وبالتالي فإن المخرج يتم عن طريق العمل على ملف الحدود المشتركة.

وتنبه المصادر العربية إلى أن ثمة «حاجة ملحة» اليوم إلى تقديم «أفكار» للإدارة الأميركية قابلة للتنفيذ، إذ إن واشنطن «لن تسير في الركب لتعاود تجربة الفشل الأولى» التي عانت منها مع استقالة السيناتور جورج ميتشيل المبعوث الرئاسي الشخصي لأوباما الذي تبين له بعد شهور من الجولات المكوكية أن عقدة الاستيطان عصية على الحل. وفي تقدير المصادر الوزارية العربية أن «طرح أفكار عملية على الطاولة يمكن السير بها وتنفيذها» وسيشجع الإدارة الأميركية الجديدة «المتحررة من عقدة الانتخابات القادمة» على الإقدام وعدم البقاء متفرجة على ما هو حاصل. وما يزيد من الحرص العربي الأوروبي على التعجيل بمعاودة إطلاق المفاوضات برعاية أميركية أن «نافذة حل الدولتين» بدأت تضيق بسبب تسارع الاستيطان والخوف من أن تطغى ملفات الربيع العربي وتتماته والملف النووي الإيراني تماما على الاهتمامات الدولية فضلا عن الأوضاع الصعبة التي تعيشها السلطة الفلسطينية. وتأمل المصادر العربية في أن يكشف أوباما عن «أنيابه الجديدة» في تعاطيه مع نتنياهو.

وردا على الذين يرون أن لا شيء يدعو الأخير اليوم «للتنازل» في الموضوع الفلسطيني لانشغال العرب بمشكلاتهم والأوروبيين بأزماتهم الاقتصادية وأوباما بأوضاعه الداخلية، تقول المصادر العربية إن الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي لا يستطيع الاستمرار في تجاهل وضع إسرائيل السيئ في المنطقة وعلاقاتها المتدهورة عبر العالم.. الأمر الذي برز مع حصول فلسطين على صفة دولة مراقب في الأمم المتحدة واستمرار العلاقات العاصفة مع تركيا والخوف من التطورات في سوريا ومصر.. ولذا، فإن حملة ضاغطة باتجاه البحث الجدي عن حل بريادة أميركية يمكن أن تغير المعطى الراهن.

لكن «نفحة التفاؤل» التي تنضح بها أقوال المسؤول الوزاري العربي تبقى نسبية خصوصا على ضوء التجارب المجهضة السابقة وقدرة نتنياهو على حرف المسار التفاوضي عن غرض الوصل إلى تسوية أو حل ليتحول إلى «مسار من أجل المسار» أي مفاوضات تدور على ذاتها ولا تتقدم مطلقا.