مقتل المعارض التونسي يلقي بظلاله على المشهد السياسي في مصر عشية «مليونية الرحيل»

داعية سلفي يفتي بـ«إهدار دم» رموز «الإنقاذ».. وتعيين حراسة أمنية للبرادعي وصباحي

معارضون مصريون يعتصمون أمام مبنى المحكمة العليا في القاهرة أمس احتجاجا على مقتل متظاهرين الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)
TT

ألقى اغتيال المعارض التونسي شكري بلعيد بظلاله على المشهد السياسي في مصر، بعدما أصدر داعية سلفي فتوى بجواز قتل معارضي الرئيس المصري محمد مرسي من رموز جبهة الإنقاذ الوطني المعارضة. وفيما حذرت رموز المعارضة المصرية من فتح باب الاغتيالات في البلاد عقب هذه الفتوى المتشددة، أعلنت الحكومة أمس أنها بصدد دراسة الإجراءات القانونية التي يمكن اتخاذها ضد كل من يصدر أو يروج لدعاوى أو فتاوى تحرض على العنف. وقررت وزارة الداخلية تعيين حراسة أمنية على منزل اثنين من قادة جبهة الإنقاذ هما الدكتور محمد البرادعي وحمدين صباحي.

وبينما كشفت مصادر أمنية عن أنها تدرس فكرة تشديد الحراسات الأمنية على الشخصيات العامة ورموز المعارضة، تقدمت العديد من الشخصيات العامة ورموز الإعلام بالعديد من البلاغات بأقسام الشرطة يتضررون فيها من رسائل التهديد التي تصلهم باستمرار للكف عن معارضة النظام المصري.

وأثارت فتوى الداعية السلفي محمود شعبان التي أطلقها عبر برنامج «في الميزان» على إحدى القنوات الدينية، والتي جاء فيها أن «النص صريح في قتل من ينازع الرئيس المنتخب من الشعب»، وأن «جبهة الإنقاذ الوطني وقياداتها التي تبحث عن الكرسي؛ حكمها في شريعة الله القتل»، أثارت غضبا كبيرا في العديد من الأوساط السياسية والدينية.

وبينما قال الدكتور محمد البرادعي، في تغريدة على موقعه على «تويتر» تعليقا على ما قاله الشيخ شعبان: «عندما يفتى بوجوب القتل باسم الدين دون أن يتم القبض عليهم فقل على النظام ودولته السلام»، حذر الدكتور حسام عيسى، القيادي في حزب الدستور وعضو جبهة الإنقاذ الوطني المعارضة، من فتح باب الاغتيالات، لأنه في تلك الحالة لن يكون هناك أحد بعيدا عنها، ولذا يجب أن يفكر الجميع قبل إصدار الأحكام الخاصة بالإعدام والقتل للمعارضين.

وقالت جبهة الإنقاذ الوطني في بيان لها أمس إن «إرهاب المعارضة وإطلاق الفتاوى بإهدار دم قياداتها، وقتل المعارضين وتصفيتهم بالرصاص في مصر وتونس لن يعطل مسيرة الثورة المستمرة من أجل تحقيق أهدافها، ولن ينجح في قمع الشعب المصري وشقيقه الشعب التونسي ووقف ثورتهما النبيلة ضد الاستبداد والديكتاتورية والنظام البوليسي القمعي المعادي لحقوق الإنسان وكرامته في كل من مصر وتونس».

واعتبرت الجبهة أن اغتيال بلعيد يدق ناقوس الخطر من تونس إلى القاهرة، ويحذر من النمو السرطاني للجماعات الإرهابية المتسترة بالدين، والتي بدأت تنفيذ مخطط واسع لتصفية المعارضة معنويا وجسديا. فيما قال الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، المرشح السابق للرئاسة، في حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، إن «حديث بعض الجُهال عن قتل المعارضين جريمة يجب على الدولة أن تتعامل معها بحسم من خلال القانون».

من جانبه، قرر وزير الداخلية المصري اللواء محمد إبراهيم «تكثيف الدوريات الأمنية» في محيط منزلي اثنين من قادة جبهة الإنقاذ المعارضة، هما محمد البرادعي وحمدين صباحي بعد فتوى تجيز قتل المعارضين. ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط عن المتحدث الرسمي باسم الداخلية اللواء هاني عبد اللطيف أن الوزير أصدر تعليمات لأجهزة الأمن «بالتعامل الجاد والفوري لدى ورود أي معلومات حول تلقي أي من البرادعي وصباحي لأي تهديدات حقيقية». كما قالت مصادر أمنية مسؤولة إن «هناك تخوفات أن يصدق الخارجون على القانون هذه الفتاوى التي تصدر بصور عشوائية من المشايخ ويستبيحون دماء رموز المعارضة، ومن ثم تسبح البلاد في أنهار من الدماء».

بدوره أدان الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء المصري، الفتوى التي أطلقها «البعض بجواز قتل الحاكم لمعارضيه»، مستنكرا مثل هذا النوع من الفتاوى المتطرفة التي لا تمت بصلة لسماحة الدين الإسلامي الحنيف، وأن تلك الفتاوى تُحرض بشكل مباشر على القتل وتثير الفتن والاضطراب.

واستنكرت جماعة الإخوان المسلمين الدعوات التي يطلقها البعض لإباحة الدم، وتدعو للتحريض على القتل أيا كان مصدرها. وأدان الدكتور محمود غزلان المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان استخدام العنف والبلطجة، مهيبا بالجميع أن يتقوا الله في الأرواح والدماء والأعراض والأموال.

ووصف القيادي الإخواني أمير بسام الفتوى بالأفكار الشاذة، التي تهدف إلى إثارة البلبلة والفتن، مضيفا أنه «لا يوجد تيار إسلامي على الإطلاق يؤمن بالعنف ولا مقابلة العنف بالعنف، ومن أباح قتل أعضاء جبهة الإنقاذ، ليس مفتيا من أصله». وتابع: «ترويج مثل هذه الأفكار الشاذة في هذا الوقت قد تكون وراءه أياد خفية لإحداث فتنة بين الناس». وطالب بسام القوى السياسية ألا يعيروا أي اهتمام لمثل هذه الفتاوى وأن يعتبروها كأن لم تكن. ورفض مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف فتوى قتل المعارضين، وأكد في اجتماعه أمس «رفض هذا الفهم الخاطئ واستعمال النصوص في غير مواضعها، وفهمها فهما غير صحيح»، وتابع: «ينبه الأزهر إلى أن مثل هذه الآراء تفتح أبواب الفتنة وفوضى القتل والدماء.. ويدعو الجميع إلى الالتزام بموقف الشريعة الإسلامية التي تؤكد حرمة الدماء، وأن القاتل العمد لا يدخل الجنة ولا يجد ريحها، وأن القاتل والمتسبب في القتل سواء بالتحريض أو بالرأي شريكان في الإثم والعقاب، في الدنيا والآخرة». وناشد المجمع، في بيان له، المصريين جميعًا بألا يستمعوا إلى مثل هذه الآراء الشاذة والمرفوضة عقلا ونقلا؛ حرصًا على سلامة الوطن ووحدة أبنائه. وأكد الدكتور عادل عبد الشكور، الأستاذ في معهد إعداد الدعاة بوزارة الأوقاف المصرية، أنه «لا يجوز الاجتهاد الفردي في إصدار فتاوى تبيح القتل، وإنما يجب أن تصدر عن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر أو الهيئات الدينية المعنية بأمور الفتوى». وفي السياق ذاته، تتظاهر المعارضة المصرية اليوم في مليونية «جمعة الكرامة والرحيل» في القاهرة وميادين محافظات مصر، للمطالبة برحيل نظام الرئيس مرسي وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، وتقديم المسؤولين عن قتل المتظاهرين في الأحداث الأخيرة للمحاكمة.

وتشهد محافظات مصرية مظاهرات معارضة لنظام الرئيس محمد مرسي الذي ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، منذ يوم 25 يناير (كانون الثاني) الماضي، بالتزامن مع الذكرى الثانية للثورة التي أطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك قبل عامين، أسفرت عن سقوط عشرات القتلى ومئات المصابين.