الكونغرس يدرس مشروعا لربط المساعدات العسكرية بمدى تقدم مصر في الديمقراطية

سيناتور أميركي: «مرسي عدوّنا والجيش صديقنا».. والخارجية المصرية تعتبره «تدخلا»

متظاهرون معارضون للرئيس محمد مرسي يهتفون ضد التحرش والاعتداءات التي تتعرض لها المصريات في القاهرة أمس (رويترز)
TT

تشهد القاهرة وواشنطن بوادر توتر مع تشدد لهجة بعض أعضاء الكونغرس حول المساعدات الأميركية لمصر، واقتراحهم لوضع شروط تعلق إرسال مساعدات عسكرية بمدى التزام مصر باتفاقية السلام مع إسرائيل ومدى التقدم في تحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية والسير نحو إقامة دولة ديمقراطية.

ويلقي عدد كبير من أعضاء الكونغرس اللوم على إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لمساندتها للإدارة الإسلامية التي تولت الحكم في مصر، رغم التصريحات المعادية لإسرائيل وللولايات المتحدة التي تخرج من أعضائها. وطالب بعض أعضاء الكونغرس بوقف صفقة طائرات «F – 16» التي تعاقد عليها الرئيس السابق حسني مبارك في 2010 وبدا تطبيقها في يناير (كانون الثاني) 2013.

وتدور في الدوائر السياسية الأميركية شكوك حول توجهات الرئيس المصري الذي ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، إضافة إلى الأحداث المتدهورة في مصر والاحتجاجات العنيفة المندلعة في عدد من المحافظات ضد الرئيس مرسي. وعدم وجود ملامح لإقرار دولة ديمقراطية تحمي حقوق الإنسان والأقليات والمرأة في مصر.

وتعد قضية المساعدات الأميركية لمصر الموضوع الأكثر إثارة للجدل بين المشرعين الأميركيين منذ الإطاحة بالرئيس مبارك في عام 2011 وصعود جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة. وتتعدى العلاقات المشتركة ما هو أكثر من إرسال معدات عسكرية أميركية إلى مصر، إلى تعاون استراتيجي وتبادل معلومات استخباراتية، ومعاملة تفضيلية للسفن الحربية الأميركية في استخدام قناة السويس، وتدريبات عسكرية مشتركة، والتعاون في مكافحة التسلل عبر الحدود ومنع تهريب الأسلحة إلى غزة، كما يتلقى عدد كبير من ضباط الجيش المصري تدريبات عالية المستوى في الولايات المتحدة.

وهاجم السيناتور جيم إنهوف الرئيس المصري محمد مرسي، مطالبا الولايات المتحدة بالإطاحة به وتغيير النظام في مصر، وفصل إنهوف بين الرئاسة المصرية والجيش المصري، واصفا الرئيس مرسي بـ«العدو» والجيش المصري بـ«الصديق». ووفقا لنص كلماته في جلسة الاستماع لترشيح تشاك هيغل لمنصب وزير الدفاع أواخر يناير الماضي، قال إنهوف: «علينا تأجيل إرسال مزيد من دبابات (أدامز) أو طائرات (إف 16) إلى مصر حتى نجد أن الحكومة تحت السيطرة.. وهذه هي أفكاري الخاصة».

وأضاف: «أعتقد أن مرسي هو عدو، وأعتقد أن جيشهم (الجيش المصري) هو صديق»، رافضا للتصويت على وقف إرسال أية معدات عسكرية إلى مصر، وقال: «لا أعتقد أن هذه فكرة جيدة، وأؤمن أن الاستمرار في إرسال المساعدات العسكرية يعطينا بعض النفوذ، وإذا أوقفنا المساعدات نفقد هذا النفوذ. وقد أبعد مرسي نفسه عن الجيش وهذا بالنسبة لي خطوة جيدة، وأعتقد أننا يمكن أن نعيد صديقا لنا في هذا المجال».

وقد عارض إنهوف إرسال طائرات «إف 16» إلى مصر، لكنه تسلم في 8 يناير رسالة من وزارة الخارجية الأميركية تفيد بأنه في مصلحة الولايات المتحدة المضي في تسليم الطائرات إلى مصر. وتسلمت مصر دفعة من أربع طائرات في 22 يناير الماضي، وفي يوم 25 يناير أرسل إنهوف رسالة إلى الرئيس أوباما أعرب فيها عن خيبة أملة في قرار وزارة الخارجية الأميركية، وكرر طلبة بوقف إرسال طائرات «إف 16».

كان السيناتور راند بول قد تقدم بتعديل يوم الخميس الماضي طالب فيه بحظر بيع طائرات «إف 16» المتقدمة لمصر، مستندا إلى الاحتجاجات العنيفة ضد الرئيس مرسي وحالة عدم اليقين وعدم الاستقرار الذي تشهده مصر، والهجوم على السفارة الأميركية في سبتمبر (أيلول) الماضي وحرق العلم الأميركي. إضافة إلى الفيديو الذي يظهر فيه مرسي ويصف اليهود بأنهم مصاصو دماء وأحفاد للقردة والخنازير. وأعرب بول عن قلقه من أن إرسال أسلحة إلى مصر من شأنه أن يشعل سباق تسلح إقليميا في المنطقة. وجاء تصويت مجلس الشيوخ الخميس الماضي برفض هذا التعديل، حيث صوت 79 عضوا برفض وقف إرسال معدات عسكرية إلى مصر. وأيد معظم أعضاء مجلس الشيوخ الاستمرار في إرسال معدات عسكرية، بما يضمن استمرار النفوذ الأميركي على الجيش المصري.

واقترح السيناتور إنهوف تعديلا يجعل عملية صفقات الأسلحة لمصر مشروطة بمدى تقدم حكومة الرئيس مرسي في تحقيق الديمقراطية. ووضع إنهوف أربعة شروط، منها أن يشهد الرئيس أوباما بأن حكومة مصر توافق على مواصلة التمسك بالتزاماتها بموجب اتفاقية كامب ديفيد. والشرط الثاني هو توفير الأمن الكافي حول سفارات وقنصليات الولايات المتحدة لدى مصر، والثالث هو تحقيق الاستقرار في البلاد وإنهاء الإقصاء الممنهج وأسلوب إسكات المعارضة والأقيات، والرابع هو اتخاذ خطوات ملموسة للدخول في حوار وتقاسم السلطة بين الحكومة وأحزاب المعارضة. وقال إنهوف: «أعتقد أن هذا لن يحدث إلا إذا رحل مرسي.. وعلينا الحفاظ على نفوذنا حتى يحدث ذلك».

وأيدت النائبة الجمهورية إيليانا روس ليتنين، العضو البارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، تعليق إرسال مزيد من طائرات «إف 16» إلى مصر. ووقعت مع النائب الجمهوري تيم غريفن رسالة إلى الرئيس أوباما، وأخرى إلى وزير الخارجية الجديد جون كيري، تطلب من الإدارة الأميركية تأخير تسليم طائرات «إف 16» إلى مصر. وأبدت ليتنين قلقها من وجهة نظر الرئيس مرسي في إسرائيل، إضافة إلى الاضطرابات التي تسود مصر ومستقبل الحكومة التي يقودها الإخوان المسلمون، التي وصفتها بأنها تنتهك الحقوق المدنية للمواطنين.

وفي حال الموافقة على هذا التعديل فإن ذلك يعني تأخر تسلم مصر لمزيد من طائرات «إف 16» حتى يؤكد أوباما للكونغرس أن مصر ملتزمة بتحقيق تلك الشروط. لكن الإدارة الأميركية تضع نفسها على مسافة من تلك المخاوف لدى المشرعين، وتؤكد وقوف الولايات المتحدة مع مصر في مسارها الديمقراطي، مع انتقادات «مخففة» للإدارة المصرية حول العنف ضد المتظاهرين في الشارع، وضرورة إجراء حوار مع المعارضة المصرية، وإشادات «مكثفة» لدور الرئيس مرسي في إدارة الأزمة بين إسرائيل وحماس، وقيامه بدور الضامن في الاتفاق بين الجانبين لوقف إطلاق النار، وإعلان الرئيس المصري التزام مصر بمعاهدة السلام مع إسرائيل.

في الوقت نفسه، لم يوضح البيت الأبيض مصير زيارة الرئيس المصري محمد مرسي إلى واشنطن، التي كانت مقررة خلال شهر فبراير (شباط) - وفقا لتصريحات سابقة من البيت الأبيض ومن المتحدث باسم الرئاسة المصرية - دون أن يتم تحديد موعد مسبق لها.

وينظر بعض المحللين إلى أن الرئيس أوباما يرغب في إرسال وزير الخارجية الجديد جون كيري إلى مصر وتوصيل رسالة تحذيرية من خطورة التصريحات المسيئة لليهود التي يمكن أن تلحق ضررا كبيرا لمكانة مصر في واشنطن، والتأكيد على ضرورة تحقيق استقرار وحوار مع المعارضة، ووضع سياسة اقتصادية قوية تسمح بجذب الاستثمارات الأجنبية.

من جانبها، أكدت الخارجية المصرية رفضها لتصريحات السيناتور الأميركي جيم إنهوف ضد الرئيس محمد مرسي. وقال متحدث باسم الوزارة في بيان: «هذه التصريحات مرفوضة شكلا وموضوعا، إلى جانب أنها تعتبر تدخلا غير مقبول في الشؤون الداخلية المصرية».

وقال البيان: «هذه التصريحات تجهل حقيقة أن الرئيس محمد مرسي هو أول رئيس مدني في تاريخ مصر منتخب انتخابا شرعيا نزيها بالإرادة الحرة للشعب المصري، وأنه طبقا للدستور المصري فإن الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي هي مؤسسة وطنية وجزء من النسيج الوطني، ومهمتها الأساسية والوحيدة هي الدفاع عن التراب المصري لمواجهة أية تهديدات أو أخطار خارجية، وأنها لا تتدخل في الحياة السياسية».

وشدد المتحدث على ضرورة أن لا تؤثر مثل هذه التصريحات «غير المسؤولة والعدائية» على العلاقات التي تربط بين مصر والولايات المتحدة، وأهمية أن لا يصدر عن المسؤولين ما من شأنه الإضرار بالمصالح المشتركة بين الطرفين.