اللاجئون السوريون بين الانقسام اللبناني ونقص المساعدات والرعاية الصحية

«هيومان رايتس» قلقة من وضعهم.. و«أطباء بلا حدود» تطالب بتغيير السياسة تجاههم

طفلة سورية في أحد مخيمات اللاجئين على الحدود التركية أمس (أ.ف.ب)
TT

في ظل الانقسام اللبناني بشأن التعامل مع وضعهم، ورغم تعدّد الجهات الداعمة والمانحة للنازحين السوريين، ولا سيما من مؤسسات المجتمع المدني ومبادرات فردية، إضافة إلى دعم أساسي من منظمة «أطباء بلا حدود» و«مفوضية شؤون اللاجئين» بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية، تبقى هذه المساعدات لا تفي بالغرض المطلوب في ظل تزايد العدد من جهة والتقاعس عن تنفيذ الوعود من قبل أطراف دولية عدّة من جهة أخرى. وهذا ما عكسته دراسة قامت بها منظمة «أطباء بلا حدود» مشيرة إلى أنّ المساعدات التي تصل إلى هؤلاء لا تلبي احتياجاتهم، ولفتت إليه منظمة «هيومان رايتس ووتش»، معبرة عن قلقها إزاء اللاجئين من الفئات المهمشة كالنساء والمتقدمين في السن وبعض الفلسطينيين الذين لا يتلقون المساعدات الإنسانية الكافية في لبنان.

هذه الوقائع، أتت في موازاة إطلاق مواقف شعبية وسياسية متناقضة تجاه وضع اللاجئين وكيفية التعامل مع قضيتهم، رغم إعلان الحكومة التزامها بإغاثتهم، إذ في حين ارتفعت بعض الأصوات المعارضة لوجودهم، كمطالبة وزير الطاقة اللبناني جبران باسيل بإقفال الحدود أمامهم، وإنتاج فيلم قصير يشبّه حالتهم بحالة اللاجئين الفلسطينيين الذين لجأوا إلى لبنان عام 1948 جاء فيه «لنتحرك قبل أن نصبح ضيوفا في بلدنا وقبل أن نصبح مشتتين في دول الاغتراب»، ليعكس تخوّف فئة لبنانية من تأثير وجودهم على التوازن الطائفي، وقفت أصوات أخرى رسمية وشعبية لهذه المواقف بالمرصاد، منها رئيسا الجمهورية والحكومة، ميشال سليمان ونجيب ميقاتي، اللذان أكّدا أنّ الحدود لن تقفل، ودعا سليمان إلى عدم ترحيل أي شخص سوري إلى بلاده تنفيذا لشرعة حقوق الإنسان. كذلك، أطلقت «حركة مناهضة العنصرية في لبنان» فيديو جديدا، للردّ على المواقف العنصرية، عبر حقائق ووقائع، أهمها أنّ هؤلاء لا يطلبون الإقامة في فنادق إنما على الأقل إيصال المعونات التي تأتي باسمهم إليهم، منتقدين كذلك، ما تسمى «هواجس الديموغرافيا».

وفي هذا الإطار، اعتبر وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور أن قضية المخيمات تمثل حساسية بسبب «هواجس تاريخية» مرتبطة بالمخيمات الفلسطينية، مشيرا إلى أنّ هناك اختلافات جوهرية بين الاثنين، إذ في حين منع الفلسطينيون من العودة، من المفترض أن يتمكن السوريون من الرجوع إلى وطنهم بعد انتهاء الحرب.

وفي حين قال فاعور إن الحكومة اللبنانية سيتعين عليها في نهاية الأمر بحث مسألة إقامة مخيمات رغم المقاومة التي تقف أمام تلك الخطوة، معتبرا أنّ الأمر أصبح ضاغطا ولم يعد أحد يستطيع أن يتجاهله، أشار إلى أن عدد أطفال الشوارع والمتسولين زاد في لبنان، وأدى التأخر في إقامة مخيمات إلى توزيع نحو 220 ألف سوري على نحو 700 موقع في لبنان مما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة مراقبتهم وحمايتهم، متخوفا من أن يؤدي هذا الأمر إلى انفجار اجتماعي اقتصادي في لبنان.

وأتت الدراسة التي أطلقتها منظمة «أطباء بلا حدود»، لتقدم صورة واضحة عن وضع اللاجئين في لبنان، وقد أعلن مديرها برونو جوكوم، أنّ نظام المساعدات الحالي لا يستطيع تلبية احتياجاتهم المتزايدة. مطالبا بضرورة تغيير السياسة الحالية في أقرب وقت ممكن، والتزام المانحين بتلبية الاحتياجات المتزايدة بما في ذلك منظمات الإغاثة المحلية والدولية. وقال فابيو فورجوني، رئيس البعثة في لبنان لـ «الشرق الأوسط»: «إن نتائج هذه الدراسة عرضت على مسؤولين في برنامج اللاجئين في وزارة الشؤون الاجتماعية الذين التقاهم رئيس المنظمة في لبنان الأسبوع الماضي، إضافة إلى مسؤولين في منظمات إنسانية تعمل على خط إغاثة النازحين، لافتا إلى أنّ ردّة فعل هؤلاء تجاه هذا التقرير كانت إيجابية معتبرين أنّه يساعد في الإضاءة بشكل أوضح على احتياجات النازحين على الأرض وتحسين الوضع على الأرض، ومشيرا إلى أنّ موضوع إقامة مخيمات للنازحين ليس بالأمر البعيد، وهذا ما سبق لأبو فاعور أن أعلنه مرات عدّة.

وبحسب تقرير المنظمة التي دعت السلطات والوكالات إلى التعجيل بإنشاء مراكز الاستقبال وتوفير مراكز إيواء جماعي ومن أجل احتواء التدفق المتزايد، فإن اللاجئين الذين يبلغ عددهم 220 ألف سوري، لا يحصلون على الرعاية الصحية الضرورية التي هم بأمس الحاجة إليها.

وتعتبر هذه هي الدراسة الثانية من نوعها، حيث أجرت منظمة أطباء بلا حدود دراسة سابقة منذ ستة أشهر، وجاءت الثانية لتُبرز تدهورا ملحوظا في الوضع الإنساني في لبنان، من أهم مسبباته التأخر الطويل للغاية في تسجيل اللاجئين الجدد، حيث إن هؤلاء في لبنان لا يحق لهم الاستفادة من المساعدات الرسمية ما لم يكونوا مسجلين، وهؤلاء يشكلون نحو 40 في المائة من اللاجئين الموجودين في لبنان بحسب الدراسة.

وكشفت كذلك أن أكثر من 50 في المائة من اللاجئين يعيشون في أماكن غير ملائمة، مثل الملاجئ الجماعية أو المزارع أو المرائب أو بنايات غير مكتملة أو مدارس قديمة، لافتة إلى أن ظروف العيش السيئة تلك تساهم في تدهور حالة اللاجئين الصحية. وأشارت الدراسة إلى أنّ قدرة المجتمعات المحلية على استيعاب اللاجئين بلغت أقصاها، كما أن العائلات التي وصلت مبكرا قد بدأت مواردها المالية تنضب ولم يعد لديها ما يكفي لاقتناء الطعام أو لدفع تكلفة المأوى، وليست لديها إمكانية للاستفادة من خدمات الرعاية الطبية، لافتة إلى أن الوضع الطبي قد تدهور خلال الأشهر الستة الماضية، إذ إن أكثر من نصف الأفراد الذين شملتهم الدراسة لا يستطيعون تحمل تكاليف العلاج من الأمراض المزمنة، وما يقارب ثلثهم اضطروا إلى وقف العلاج بسبب تكلفته الباهظة.