مصادر فرنسية: استراتيجيتنا في مالي منع حرب عصابات أو عودة المسلحين للمدن

ترجيح انطلاق قوة حفظ سلام في أبريل المقبل

جانب من اعمال صيانة طائرات ميراج الفرنسية في مطار باماكو في مالي (رويترز)
TT

«فرنسا واثقة من أنه لا أفغانستان جديدة في مالي لكنها تعي أن المرحلة التي بدأت بعد السيطرة على مدن الشمال الرئيسية ستكون أصعب من المرحلة الأولى».. هكذا يمكن تلخيص «رؤية» باريس لسير العمليات الحربية في مالي ولما تتوقعه من صعوبات ميدانية كما شرحتها مصادر فرنسية رسمية معنية مباشرة بالملف المالي.

تتخوف باريس التي بدأت تخطط لمباشرة سحب بعض قواتها من مالي الشهر القادم «إذا سارت الأمور على ما يرام»، وفق ما يقوله رئيس الجمهورية، من «حرب عصابات» يقوم بها مقاتلو الشمال وتحديدا «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» و«حركة التوحيد والجهاد» في أفريقيا. وجاء مقتل أربعة من الجنود الماليين أمس بواسطة لغم زرع على الطريق بين مدينتي غاو ودوينتزا (شمال البلاد) ليبرر المخاوف الفرنسية. كما أن عملية إطلاق النار على دورية فرنسية يوم الأربعاء وإصابة عدة جنود بجراح طفيفة في المنطقة نفسها يثبت ما يؤكده الخبراء العسكريون من أن مقاتلي الشمال «انحنوا أمام العملية العسكرية الفرنسية ولكنهم لم يضمحلوا».

وتستعجل فرنسا نقل العبء إلى القوات الأفريقية الدولية في مرحلة أولى على أن تتحول لاحقا والأرجح انطلاقا من أوساط شهر أبريل (نيسان) إلى قوة حفظ سلام من «القبعات الزرقاء» تتبع مباشرة قيادة الأمم المتحدة في نيويورك ويتم تمويلها من صندوق عمليات حفظ السلام. لكن هذه المرحلة لا يمكن أن تبدأ قبل أن تكون العمليات العسكرية الفرنسية - المالية - الأفريقية قد انتهت. والحال أن المصادر الدفاعية في باريس تؤكد أن القوات الفرنسية «مستمرة في عملياتها بغرض ضرب البنى التحتية ومراكز التدريب والتجمع للإرهابيين، وخصوصا أولئك التابعين لـ(القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) و(حركة التوحيد والجهاد) بغرض إضعافهم وإنزال أكبر قدر من الخسائر بهم». وتعتمد باريس في ذلك على المعلومات التي توفرها عمليات الرصد والاستطلاع الإلكتروني والجوي الفرنسية أو تلك التي يقوم بها شركاء فرنسا وتحديدا الأميركيون. ونشر هؤلاء طائرة الاستطلاع «غلوبال هوك» وهي الأكفأ لجمع المعلومات، والطائرات من غير طيار (درون)، فضلا عن أقمار التجسس. والهدف من كل ذلك تحديد أماكن تجمع من تسميهم باريس بـ«الإرهابيين» من أجل «إنزال أكبر قدر ممكن من الخسائر بهم».

ويلعب الطيران الحربي والطوافات المقاتلة من طراز «تايغر» و«غازيل» الدور الأول بتعاون في ذلك مع القوات الخاصة التي كانت أولى الوحدات التي أنزلت إلى الميدان.

وتسعى قيادة الأركان الفرنسية بالتعاون مع الجيش المالي والوحدات الأفريقية التي نشرت ميدانيا (نحو 2000 رجل) والقوة التشادية (1800 رجل) التي تمسك بمدينة كيدال الشمالية، إلى «الإمساك» بقوة بالمدن والمناطق التي حررتها القوات الفرنسية وغرضها الأول «منع عودة الإرهابيين إليها».

وتعتبر باريس أن الضربات التي وجهتها لمقاتلي الشمال أرغمتهم على التشرذم. ولذا، فإن الغرض اليوم هو «منع تجمعهم مجددا». غير أن تحقيق هذا الهدف لا يخلو من المخاطر، إذ إن تبعثر المقاتلين في المناطق الصحراوية الشمالية التي تزيد مساحتها على مساحة فرنسا يزيد من مخاطر قيامهم بعمليات إرهابية فردية أو من خلال خلايا صغيرة خصوصا أن تأمين المناطق التي حررت يفترض تسيير دوريات وعدم التقوقع داخل المدن وبالتالي فإن نسبة المخاطر لا بد أن تزيد. وحتى الآن، لم تقع معارك حقيقية بين القوات الفرنسية ومقاتلي الشمال الذين دأبوا على الانسحاب من المدن التي كانت تحت سيطرتهم (غاو، تمبكتو، كيدال) من دون قتال. والمناوشات الوحيدة التي جرت كان ميدانها المدن الواقعة على الخط القديم الفاصل بين الجنوب والشمال على مجرى نهر النيجر. ولذا تقول المصادر الفرنسية إن «الخلايا الجهادية التي تشكل النواة الأخطر لـ(القاعدة) و(حركة التوحيد والجهاد) ما زالت موجودة وهي مصدر إزعاج». ونتيجة ذلك يبدو أحد أهداف باريس اليوم منع عودة المقاتلين إلى المدن ومنعهم من إعادة تكوين خلاياهم وتحاشي عمليات زرع ألغام على الطرقات والعمليات الانتحارية وكل ما يمكن أن يدخل تحت باب «حرب العصابات».

وأبعد من الأراضي المالية، فإن فرنسا عمدت إلى تشديد إجراءاتها الأمنية في الداخل وفي سفاراتها في الخارج وطلبت من مواطنيها الاحتراز في البلدان التي تعتبر أن نسبة التهديد فيها أكبر من غيرها. وتعول باريس على تبادل المعلومات الأمنية مع الدول المعنية لمنع حصول عمليات إرهابية. وتم الكشف مؤخرا عن محاولتين إرهابيتين في فرنسا نفسها رفضت باريس إعطاء تفاصيل إضافية عنهما. كذلك فإنها تعمد بشكل منتظم إلى نقل ما يتوفر لدى أجهزتها الأمنية إلى البلدان الأخرى لمساعدتها على تعطيل المحاولات الإرهابية، مع وعيها أن «تحاشي المخاطر بشكل كامل أمر غير ممكن».

وتعول باريس كثيرا على تعاون دول الجوار من أجل سد منافذ الفرار على «الإرهابيين»، ولذا فإن التعاون مع الجزائر وموريتانيا والنيجر والسنغال وبوركينا فاسو يبدو «أساسيا». غير أن الخبير الأمني رولان جاكار أعلن أن 400 من المقاتلين نجحوا في مغادرة الأراضي المالية والانتقال إلى موريتانيا. وسيكون من الصعب على الدول المعنية أن تجعل حدودها عصية على الاختراق بسبب طبيعة الأرض الصحراوية من جهة وآلاف الكيلومترات التي يتعين مراقبتها من جهة أخرى. وبحسب جاكار، فإن العملية الإرهابية الأخيرة في مصنع الغاز الجزائري عين أميناس تبين صعوبة السيطرة الميدانية.

تعمل باريس، كما تقول مصادرها، على الجبهتين العسكرية والسياسية في آن. وإضافة إلى الدعوة لتسريع وصول القوة الأفريقية - الدولية التي سيبلغ عديدها 6000 رجل، بدأت فرنسا مشاورات في مجلس الأمن الدولي لتحويل هذه القوة إلى قوة حفظ سلام «عندما تنتهي العمليات العسكرية». وفائدة تطور من هذا النوع أنه يجعل العبء المالي على كاهل الأمم المتحدة من جهة، ويجعل المسؤولية السياسية من نصيبها وليس من نصيب فرنسا وحدها.

وفي هذا السياق، تقلل باريس من تحفظ الحكومة المالية على فكرة «القبعات الزرق» التي عبر عنها وزير خارجية مالي في باريس وبروكسيل في الأيام الأخيرة، وترى أن باماكو «لا يمكن أن تكون ضد قوة هدفها تأمين الاستقرار وليس قوة فصل» بين الجنوب والشمال.

وفي سياق مواز، تريد باريس أن تقوم بقسطها من الجهود لتسهيل الحوار والمصالحة الوطنية في مالي وتحديدا بين الطوارق والحكومة المركزية. ولذا، فإنها لا تعلق على عدم دخول القوات المالية الرسمية إلى مدينة أكيدال الشمالية وترك الأمر للقوة التشادية.