العقوبات الاقتصادية الغربية.. هل تجبر طهران على التنازل؟

ضعف الثقة بجدواها بين المسؤولين الأميركيين.. والقليل من الأدلة في الشارع الإيراني

TT

في جميع أنحاء هذه المدينة التي يقطنها 12 مليون نسمة، تجد البنايات الشاهقة تحت الإنشاء والمهندسين المحليين والمقاولين الصينيين يسارعون للانتهاء من طريق سريع متعدد المستويات، والسيارات تصطف في الشوارع، واللوحات الإعلانية تروج لأحدث الأجهزة اللوحية والغسالات المصنوعة من قبل شركات كورية جنوبية مثل «سامسونغ» و«إل جي»، كما تجد محلات السوبر ماركت مملوءة بالكامل، ويبدو كما لو كانت المطاعم الجديدة ومحلات الوجبات السريعة تفتح كل يوم، ولا تعاني مطلقا نقص العملاء.

باختصار، لن تعرف أن صادرات النفط الإيرانية قد انخفضت بمقدار مليون برميل في اليوم، وأن انهيار قيمة العملة الإيرانية قد أدى إلى زيادة معدل التضخم بشكل كبير للغاية - بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية، وكذلك سوء الإدارة الاقتصادية من جانب الحكومة الإيرانية. وكانت أميركا قد زادت أول من أمس، من وتيرة الحرب الاقتصادية على إيران بفرضها قيودا جديدة، بغية إجبار طهران على القبول بما يرقى لشكل من أشكال تجارة المقايضة بالنفط، إذ لم يعد ممكنا بعد اليوم إيداع عائدات النفط في حسابات داخل إيران. ووصف مسؤول بارز في الإدارة الأميركية هذه الخطوة بأنها «عمل ذو مغزى لزيادة الضغط» على طهران، وهو نفس المنطق الذي تبنته الإدارة الأميركية طيلة السنوات الأربع الماضية، والذي يتلخص في أن الملالي الإيرانيين يواجهون «خيارا قاسيا» بين التمسك ببرنامجهم النووي وإنعاش عائداتهم النفطية التي تعد بمثابة شريان الحياة الاقتصادي لطهران.

ومع ذلك، لا يوجد سوى قدر قليل من الثقة بين المسؤولين الأميركيين - والقليل من الأدلة في الشارع الإيراني - على أن هذه العقوبات سوف ترغم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي على إبرام صفقة، يرى معظم الأميركيين والأوروبيين، بل وبعض الإسرائيليين، أنها سوف تنزع فتيل الأزمة. ولم تسفر العقوبات السابقة عن احتجاجات شعبية على ارتفاع الأسعار أو تقود إلى معارضة جادة للحكومة الإيرانية. وقال سعيد رانشيان، (39 عاما)، وهو صاحب متجر يبيع العطور في البازار الكبير بالعاصمة طهران، بينما كان يحتسي الشاي وأعداد كبيرة من المتسوقين تمشي على الأرصفة المعبدة حديثا، إن العام الماضي لم يكن سيئا للغاية على الإيرانيين. واعترف رانشيان، وهو محاط بالعطور التي تحمل أسماء أجنبية مثل «لو شوفالييه بريميرو»، بأن زيادة الأسعار إلى الضعف وانهيار قيمة العملة «قد يؤديان إلى تقليل عمليات الشراء». وقال رانشيان: «ولكن الوضع في إيران مختلف، فعندما ترتفع الأسعار، يبدأ الناس شراء المزيد من المنتجات خوفا من ارتفاع أسعارها مرة أخرى»، وأضاف وهو يضحك أن الاقتصاد الإيراني «يعتمد على قواعد لا يفهمها أحد».

ويشعر المسؤولون الأميركيون بالانزعاج من تحليل جديد تم إعداده وتقديمه للرئيس أوباما ومساعديه، يصور المرشد الأعلى الإيراني على أنه لن يتأثر بالعقوبات المفروضة على عائدات النفط وأنه يخبر زائريه بأن هذه العقوبات ستؤثر على الولايات المتحدة أكثر مما تؤثر على إيران. وقال مسؤول بارز مشارك في الاستراتيجية المتعلقة بإيران الأسبوع الماضي: «ربما يعاني الشعب الإيراني، ولكن المرشد الأعلى لا يعاني، وهو الشخص الوحيد الذي لا يتأثر».

وكانت الخطوط العريضة للتوصل لاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني واضحة على مدار أشهر، وكانت تتلخص في موافقة إيران على الحد من عدد أجهزة الطرد المركزي التي تنتج اليورانيوم، ووضع حد أقصى لكمية الوقود في أيدي الإيرانيين، والموافقة على التخلص من مخزونها – الذي يمكن أن يتحول بسرعة إلى سلاح نووي – لخارج البلاد، كما كان يتضمن ذلك الموافقة على الكشف عن نشاط طهران النووي خلال الفترة الماضية، بما في ذلك أي تكنولوجيا متعلقة بالأسلحة كانت طهران قد رفضت إخضاعها للمفتشين الدوليين في السابق. وفي المقابل، سوف تحصل إيران على اعتراف بحقها في تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية، ورفع العقوبات عنها بشكل تدريجي، ولكن الإيرانيين يصرون على رفع العقوبات أولا قبل القيام بأي شيء.

وبدلا من ذلك، صرحت إيران الأسبوع الماضي بأنها سوف تقوم بنشر جيل جديد من أجهزة الطرد المركزي، أقوى من الجيل الحالي بما يتراوح بين أربعة وستة أضعاف. ورغم موافقة الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين وروسيا والصين على استئناف المفاوضات مع إيران بنهاية الشهر الحالي، فإن مسؤولين بالإدارة الأميركية قالوا إن النتائج لن تكون قدر المأمول. وقال مسؤول بارز في الإدارة الأميركية: «الإيرانيون لا يريدون المشاركة في هذه المحادثات، ومن الصعوبة بمكان تخيل التوصل إلى أي اتفاق قبيل الانتخابات الإيرانية في شهر يونيو (حزيران) المقبل. ربما كانوا سيشاركون في المباحثات لو كانوا تعرضوا لعامين إضافيين من المعاناة».

وقال نيكولاس بيرنز، الذي ساعد كمساعد لوزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية على تمرير الكثير من القرارات المتعلقة بالعقوبات ضد إيران خلال إدارة بوش: «حتى العقوبات الصارمة التي فرضها أوباما، من غير المرجح أن تؤتي ثمارها، لأن خامنئي شخص عنيد ولن يتراجع عن موقفه». وأضاف بيرنز أن الدبلوماسية لن تنجح من دون «صبر والتزام الولايات المتحدة المحادثات المباشرة على أعلى المستويات. ومع ذلك، يتعين على أوباما ونتنياهو في نهاية المطاف أن يجعلا التهديد باستخدام القوة العسكرية خيارا أكثر مصداقية لطهران. وجنبا إلى جنب مع العقوبات، ربما يكون هذا هو أفضل وسيلة لإقناع إيران بالموافقة على تسوية سلمية عن طريق المفاوضات».

وهذا لا يعني بالضرورة أن العقوبات قد فشلت في التأثير على طهران. لقد تم قطع جميع التعاملات المالية، وهو ما جعل من الصعب للغاية على إيران الدخول في تعاملات مالية خارجية، علاوة على أن أوروبا قد قاطعت النفط الإيراني لأول مرة، وهو ما يكلف الجمهورية الإسلامية ما يتراوح بين 4 مليارات دولار و8 مليار دولارات كل شهر.

وبالإضافة إلى ذلك، اضطرت إيران، نتيجة العقوبات الحالية على المعاملات المالية، إلى الدخول في مقايضة النفط بالبضائع مع أكبر عملائها، أي الصين والهند. ويمكن رؤية المنتجات الصينية والأدوية الهندية في المحلات والصيدليات في جميع أنحاء إيران.

والآن، سوف يواجه الاقتصاد الإيراني اختبارا جديدا، لأن العقوبات الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة تشدد القواعد على البلدان التي سمحت لها بالاستمرار في شراء النفط الإيراني، ما دامت عائدات هذا النفط لن يتم تحويلها إلى مؤسسات إيرانية. ومن الآن فصاعدا، عندما تقوم الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند، وبلدان أخرى، بشراء النفط الإيراني، سيتعين عليهم أن يضعوا مقابل هذا النفط في حسابات مصرفية محلية، بحيث يمكن لإيران استخدامها فقط في شراء البضائع من داخل هذه البلدان.

ومن شأن هذه الطريقة أن تمنع إعادة الأموال إلى إيران، حتى لو عن طريق طرف ثالث. وبموجب القانون الأميركي، سيتم منع منتهكي تلك العقوبات من التعامل مع النظام المصرفي الأميركي، رغم صعوبة تخيل حدوث ذلك من الناحية السياسية. وفي الوقت نفسه، طلب الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، من البرلمان الموافقة على منح الإيرانيين مزيدا من الأموال، لمساعدتهم خلال الفترات العصيبة المقبلة. وقال رانشيان: «بطبيعة الحال، يمكن أن تصبح الأمور أفضل، ولكن الناس تتأقلم مع الوضع الحالي».

وقد يتعجب الغربيون من مرونة الاقتصاد الإيراني. وقال سعيد ليلاز، وهو خبير اقتصادي وكاتب عمود في صحيفة «الشرق»، التي دائما ما تنتقد الحكومة الإيرانية، إن الطريقة التي يعتمد عليها الاقتصاد الإيراني والصلة القوية بين أجهزة الدولة والشركات شبه الرسمية والخاصة تساعد على حماية البلاد. وأوضح ليلاز، الذي تم اعتقاله لعدة أشهر بعد الاحتجاجات التي شهدتها إيران عام 2009 عقب إعادة انتخاب أحمدي نجاد، كيف يقوم المستوردون والمصدرون الإيرانيون بتغيير بيع وشراء المنتجات باستمرار، بغية تحقيق أرباح على أسعار الصرف. وقال ليلاز إن التجارة الإقليمية قد ازدهرت بسبب انخفاض قيمة الريال، مضيفا: «يحقق البعض ثروات كبيرة خلال الأيام الحالية».

ويشعر البعض الآخر بمزيد من التشاؤم، مشيرين إلى أن الإيرانيين لم يشعروا بعواقب تلك العقوبات بعد، حيث يقول محسن فارشاد يكتا، وهو أستاذ الاقتصاد بجامعة العلوم الاقتصادية بطهران: «لو استمرت العقوبات وسوء الإدارة الحكومية ومعدل التضخم بالشكل الطبيعي في المستقبل، فسيواجه الإيرانيون صعوبات خطيرة». وفي الوقت الراهن، يبدو مساعدو أوباما راضين عن حالة الجمود الحالية، فهم يعتقدون أن آية الله خامنئي يمضي قدما في البرنامج النووي، بالشكل الذي يجنبه، حتى الآن، تخصيب أكثر من 250 كيلوغراما من اليورانيوم متوسط التخصيب، أي ما يكفي لصنع قنبلة واحدة. وفي محاولة لإثبات الجدية، يقوم الجيش الأميركي وحلفاؤه ببعض التدريبات في الخليج العربي خلال الأسبوع الحالي، للتدريب على كيفية اعتراض التكنولوجيا المحظورة والأسلحة المتوجهة إلى أو القادمة من الموانئ الإيرانية.

* خدمة «نيويورك تايمز»