«جهادي» رصدت واشنطن لرأسه 10 ملايين يعيش طليقا في لاهور

قائد «عسكر طيبة»: القضاء الباكستاني برأني ومصيري الله لا أميركا

حافظ محمد سعيد مؤسس جماعة «عسكر طيبة» (نيويورك تايمز)
TT

يبدو أن عشرة ملايين دولار لا تشتري الكثير في هذه المدينة الباكستانية الصاخبة، فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قد أعلنت أنها ستمنح هذا المبلغ الضخم لمن يقدم معلومات تقود إلى اعتقال الباكستاني حافظ محمد سعيد، الذي بات أشهر زعيم جهادي في البلاد، لكنه ما زال يعيش في الهواء الطلق بلا خوف في حي للطبقة الوسطى هنا.

وقال سعيد، وهو رجل قوي البنية في الرابعة والستين من عمره، وهو يتكئ على وسادة ويأكل الدجاج: «أتحرك كأي شخص عادي، وهذه هي طريقة حياتي. مصيري بيد الله، لا بيد الولايات المتحدة».

ومعروف أن سعيد هو مؤسس جماعة «عسكر طيبة» المسلحة - ويعتقد حتى الآن أنه ما زال القائد الحقيقي لها - وهي الجماعة المتهمة بالوقوف وراء هجمات مومباي الدامية عام 2008، والتي أودت بحياة أكثر من 160 شخصا، بينهم ستة أميركيين. وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة قد وضعته على قائمة الإرهابيين وفرضت عقوبات على الجماعة التي ينتمي إليها، فإن كثيرين يشككون في محاكمته في المستقبل القريب، لا سيما أن باكستان يسودها غموض كبير فيما يتعلق بموقفها من التشدد الجهادي، حيث تنظر بعين الرضا إلى بعض الجماعات، في حين تقاتل جماعات أخرى بسبب هجومها على الدولة.

ويرى محللون أن تحرك سعيد في الهواء الطلق يتعدى كونه تحديا للإدارة الأميركية والمكافأة الضخمة التي وضعتها لمن يساعد في اعتقاله، ففي الوقت الذي تستعد فيه القوات الأميركية لمغادرة أفغانستان، تقف جماعة «عسكر طيبة» في مفترق طرق وسوف يعتمد قرارها النهائي – سواء بالتركيز على محاربة الغرب أو التخلي عن سلاحها والدخول في المعترك السياسي أو العودة إلى المعركة في كشمير – على سعيد إلى حد كبير.

في مقره بمدينة لاهور – منزل ومكتب ومسجد محصن للغاية – لا يحتمي سعيد بأنصاره، الذين يحملون بنادق «كلاشنيكوف» بالخارج، فحسب، ولكنه يحتمي أيضا بالدولة الباكستانية. وفي مساء أحد الأيام في الآونة الأخيرة، قام بعض ضباط الشرطة الباكستانية بتفتيش الزائرين في نقطة تفتيش بالقرب من منزله، في حين كان ضباط آخرون يمشطون حديقة مجاورة، ويسلطون الأضواء الكاشفة عليها لرؤية أي شخص قد يتسلل إلى مقره.

وبعدما أصبح أمنه مضمونا على ما يبدو، بات سعيد يظهر في المؤتمرات الجماهيرية ويظهر على شاشات التلفزيون في أوقات الذروة، ويجري مقابلات شخصية مع وسائل الإعلام الغربية التي كان يرفض الحديث إليها في السابق.

ويقول سعيد إنه يسعى لإزالة «سوء الفهم». وخلال مقابلة شخصية مع صحيفة «نيويورك تايمز» في منزله الأسبوع الماضي، أصر سعيد على أنه قد تم تبرئة ساحته أمام القضاء الباكستاني، متسائلا: «لماذا لا تحترم الولايات المتحدة نظام القضاء لدينا؟!».

ومع ذلك، قال سعيد إنه لم يكن يحمل أي غضاضة في صدره تجاه الولايات المتحدة، وتحدث بحميمية عن زيارته للولايات المتحدة في عام 1994، والتي قام خلالها بالحديث إلى المراكز الإسلامية في هيوستن وشيكاغو وبوسطن، وأضاف وهو يبتسم ابتسامة ساخرة: «في ذلك الوقت، كنت أحب الولايات المتحدة».

وخلال تلك المدة، كانت جماعته تركز على الهجوم على الجنود الهنود في منطقة كشمير المتنازع عليها – وهو النزاع الذي دفع وكالة الاستخبارات الباكستانية إلى المساعدة في إنشاء جماعة «عسكر طيبة» عام 1989. وبعد أن هدأت حدة التوترات خلال العقد الماضي، بدأت الجماعة في العمل من خلال جناحها الخيري الذي يحمل اسم «جماعة الدعوة»، والذي يدير شبكة منظمة من المستشفيات والمدارس في جميع أنحاء باكستان.

وبعد ذلك، جاءت هجمات مومباي لتسيء سمعة «عسكر طيبة». ولكن منذ ذلك الحين، لم تتعد استفزازات سعيد للهند مجرد التصريحات الكلامية، وكان آخرها الأسبوع الماضي عندما أثار حالة من الغضب الشديد في الهند بعدما أشار إلى أن شاه روخان، وهو أعلى نجوم بوليوود أجرا ويدين بالديانة الإسلامية، يجب أن ينتقل للعيش في باكستان. وعلاوة على ذلك، قال سعيد خلال تلك المقابلة إنه يفضل الدخول في مفاوضات بدلا من القتال فيما يتعلق بقضية كشمير، مضيفا أن «الكفاح المسلح نجح في جذب انتباه العالم، ولكن الحراك السياسي بات أقوى الآن، ويجب أن يكون في طليعة النضال».

وحذر محللون من أن الانفتاح الذي يبديه سعيد في الآونة الأخيرة ليس عشوائيا و«لا يأتي من فراغ»، على حد قول تشودري شاميللا، وهي مسؤولة سابقة في إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ومحللة في مؤسسة «أوراسيا غروب» الاستشارية، والتي أضافت أن «هؤلاء الرجال لا يبدأون الحديث علنا بهذه الطريقة من دون أسباب».

ومع ذلك، قد يعتمد ذلك على الأحداث التي تشهدها الحدود مع أفغانستان، والتي تشهد نشاطا متزايدا من جماعة «عسكر طيبة» خلال السنوات الأخيرة. في العلن، يشغل سعيد منصب قيادي بارز في مجلس الدفاع الباكستاني، وهو ائتلاف من المجموعات اليمينية التي مارست ضغوطا كبيرة لمنع إعادة فتح طرق الإمداد لحلف شمال الأطلسي عبر باكستان العام الماضي. ويقول مسؤولون استخباراتيون إن مقاتلي جماعة «عسكر طيبة» قد انضموا إلى المعركة وشنوا هجمات على القوات الغربية والمنشآت الدبلوماسية الهندية في أفغانستان.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما الذي ستقوم به جماعة «عسكر طيبة» في أعقاب رحيل القوات الأميركية؟ ثمة احتمال أنها ستعود مرة أخرى إلى ساحة القتال التقليدية في كشمير، وهو ما سيشعل الصراع من جديد بين الجارتين النوويتين الهند وباكستان.

وهناك احتمال آخر، وقد تم طرحه بالفعل من قبل بعض المسؤولين الغربيين والباكستانيين، وهو أن يقود سعيد جماعته إلى الدخول في المعترك السياسي، بعيدا عن العنف والتشدد. وتساءل مشتاق سوكيرا، وهو ضابط بارز بالشرطة في ولاية بنجاب والذي يدير برنامجا لتسريح المتطرفين الإسلاميين: «ماذا سيحدث عندما يغادر الأميركيون أفغانستان؟ إنه سؤال من الصعب الإجابة عنه».

ومن الممكن أن يشكل أي تحول في الرؤية مخاطر كبيرة على سعيد نفسه، لا سيما أن بعض مقاتليه قد انشقوا بالفعل عن جماعة «عسكر طيبة» وانضموا لجماعات أخرى تهاجم الدولة الباكستانية. وسوف يعتمد ما سيحدث بدرجة كبيرة على النصائح التي سيتلقاها من مساعديه في الجماعة.

ويصر جنرالات باكستان على أنهم قد تخلوا عن التساهل مع الجماعات الجهادية. وفي كلمة قوية في شهر أغسطس (آب) الماضي، قال قائد الجيش الجنرال أشفق برويز كياني إن أكبر خطر يهدد البلاد هو التطرف المحلي، مضيفا أنه «يتعين علينا كأمة أن نقف صفا واحدا ضد هذا التهديد. لا يمكن لأي دولة أن تتحمل نظاما موازيا من الحكم والميليشيات».

* خدمة «نيويورك تايمز»