«النهضة» ترفض قرار الجبالي تشكيل حكومة «تكنوقراط»

تكوين جبهة «الدفاع عن الشرعية» داخل البرلمان.. وتونس في إضراب عام اليوم

رجل أمن تونسي يؤدي التحية العسكرية لحظة مرور سيارة الإسعاف التي تحمل جثمان بلعيد من منزله إلى منزل والده بمنطقة جبل الجلود بتونس العاصمة (أ.ب)
TT

تعيش تونس بعد يومين من حادثة اغتيال شكري بلعيد الزعيم السياسي اليساري على وقع تجاذبات سياسية جديدة ترجمتها دعوة الهيئة الإدارية الاستثنائية للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر التنظيمات العمالية في تونس) إلى إضراب عام كامل يوم الجمعة الذي سيعرف مواراة جثمان الفقيد شكري بلعيد التراب. ويأتي قرار المنظمة العمالية بعد يوم واحد من قرار حمادي الجبالي رئيس الحكومة الحالية تشكيل حكومة «تكنوقراط» لإدارة المرحلة القادمة إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة. ونفذت القيادات النقابية في مدينة سليانة يوم أمس إضرابا عاما، وقالت إن نسبة نجاحه كانت مرتفعة، كما جابت مسيرة احتجاجية المدينة. وقررت المدارس الفرنسية بتونس التوقف عن الدروس اليوم وغدا السبت بصفة استثنائية وأرجعت القرار إلى دواعٍ أمنية.

ومن جانبه نفى مدير مكتب الشيخ راشد الغنوشي وعضو مجلس الشورى بـ«النهضة» زبير الشهودي أية قطيعة بين حركة النهضة وحمادي الجبالي، كما كذب في اتصال مع «الشرق الأوسط» أمس وجود أية خلافات سابقة بين رئيس الحركة وأمينها العام، لكنه أكد أن قرار الجبالي بتكوين حكومة «تكنوقراط» ليس في مصلحة أحد، وقال: «لا نرى فيه مصلحة، بل نرى بضرورة المحافظة على الترويكا وتوسيعها، وهذه الشرعية»، مضيفا: «سنواصل حوارنا مع شركائنا في الترويكا»، مشيرا إلى أن الجبالي قدم رؤية لمشروع «لم ينضج بعد بمفرده ولم يعد إلينا، وأعلمناه رفض البادرة من أكثر الأطراف من الحكومة ومن خارجها مثل كتلة وفاء، ورغم هذا ما زال مرشحنا في الحكومة، وليس هناك أي أمر شخصي، وهو أمين عام الحركة».

وحول ما يتوارد عن الخلافات داخل «النهضة» بين من قضوا أعواما في السجون التونسية و«الواردين» من المنفى، خصوصا من بريطانيا، أكد مدير مكتب الغنوشي: «أنا مدير مكتبه منذ سنتين ولم أكن أعرف الشيخ من قبل، فكنت بالداخل ولا أشعر بأي قلق، وكل ما في الأمر أن هناك اختلافات في التقدير».

وأوضح: «نرى استحالة تنفيذ قرار الجبالي لأنه غير ممكن دستوريا، بالتالي كان يجب أن يقدم استقالته لرئيس الدولة، ونرى أنها فكرة ينقصها نضج وهدوء وربما جاءت نتيجة تحمس وتأثرا بحادث الاغتيال».

ومن جانبه قال قيس السعيد رئيس مركز تونس للقانون الدستوري من أجل الديمقراطية بأنه فعليا لم يتخذ أي قرار من طرف رئيس الوزراء باستثناء إعلان عن تشكيل حكومة جديدة تتشكل من كفاءات، «لكن كيف سيتم تجسيده قانونيا وسياسيا؟ هنا الإشكال». فالخطوات الصحيحة حسب رأي الخبير القانوني هي أنه يجب أن «يقدم الجبالي استقالته إلى رئيس الجمهورية، الذي يجب أن يتولى تكليفه أو تكليف مرشح من الحزب الذي يتمتع بأكثر المقاعد في البرلمان بتشكيل حكومة جديدة، و«النهضة» على ما يبدو رفضت توجهه ويمكن أن ترشح غيره».

وأضاف سعيد أنه «من المفارقات أنه وجد دعما من أحزاب المعارضة ورفضا من الحزب الذي يتولى أمانته العامة، وإذا تم تشكيل الحكومة يجب تقديمها للمجلس للحصول على تصويت، وهذا يبقى رهين موافقة الأغلبية، وموقف رئيس الوزراء يحسب كأنه انسلاخ عن الحزب ويبدو وكأنه أعلن عن تقاعده السياسي بعد الانتخابات القادمة، لأنه قال إن أعضاء الحكومة ليس من حقهم الترشح للحكم». وأضاف حول الخلافات بين أعضاء «النهضة» أن له مجرد استنتاجات تفيد بأن «من كانوا في بريطانيا كانوا أكثر تشددا.. والذين في تونس يتمتعون بأكثر مرونة لكن لا ينسحب هذا على الجميع».

ومن جهته قال سمير بن عمر، عضو بالبرلمان عن حزب المؤتمر ومستشار الرئيس التونسي سابقا، إن «إعلان الجبالي جاء لأنه فشل في التوصل إلى توافق بين أحزاب الترويكا». وأضاف في اتصال مع «الشرق الأوسط» أنه «بالنسبة المؤتمر قرار رئيس الحكومة لا علاقة له بالاغتيال لأنه السبت الماضي قال له الرئيس (المرزوقي) يجب الإعلان عن الحكومة الجديدة غدا، أي في ظرف أسبوع آخر، وبهذا تنتهي المهلة غدا، لكن صادف أن تزامنت مع الاغتيال».

كما أفادت مصادر «من المؤتمر» في تونس لـ«الشرق الأوسط» بأن «قرار الجبالي بداية لَيّ ذراع بينه وبين حزبه»، وبأنه «تجاوز حزبه لأنه ليس موقف (النهضة)».

ومن جانبها اعتبرت بعض الأحزاب السياسية الصغرى مبادرة الجبالي «استجابة لمطالب كثير الأحزاب الوطنية منذ انتخابات 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2011»، وسارع حزب التكتل، أحد شركاء «النهضة» في الحكم، إلى مساندة مبادرة حمادي الجبالي بتشكيل حكومة «تكنوقراط»، في حين عبرت حركة النهضة التي تقود الائتلاف الثلاثي الحاكم عن معارضتها لقرار الجبالي، وصرح الصادق شورو عضو مجلس الشورى لـ«الشرق الأوسط» بأن الحركة ترفض رسميا قرار الحكومة وتتمسك بالائتلاف الثلاثي الحاكم، ممثلا في حركة النهضة وحزبي المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، ولم توافق على اتخاذ حمادي الجبالي قرارا «بمفرده لم يستشر فيه أحدا لا الأحزاب الحاكمة ولا أحزاب المعارضة». واعتبر شورو أن الحكم في تونس بعد الثورة قد انبنى على التوافق وتكليف ثلاثة أحزاب سياسية بقيادة البلاد، ومن غير المنطقي تجاوز منطق التوافق وإقرار صيغة حكم جديدة لم تستشر فيها الكثير من الحساسيات السياسية.

وفي ظل تواصل الشد والجذب بين الائتلاف الثلاثي الحاكم والتيارات المعارضة، فقد أعلن أعضاء أحزاب الائتلاف الثلاثي وعدد من الكتل كونت جبهة «الدفاع عن الشرعية» بعد مطالبة رئيس حزب «نداء تونس» الباجي قايد السبسي، بحل المجلس الوطني التأسيسي. وهو رأي قسم الشارع كما قسم مراجع الفقه الدستوري في تونس، واستنكرت في جلسة عقدتها صباح أمس بالمجلس دعوة بعض الأطراف السياسية إلى حل المجلس التأسيسي (البرلمان) بعد أن أعلن الجبالي عن حل الحكومة بصفة فردية.

وفي هذا الشأن صرح معز كمون رئيس المكتب السياسي لحزب «الأمان» المعارض لـ«الشرق الأوسط»، بأن مبادرة رئيس الحكومة «رغم ما فيها من إشكالات قانونية في صلاحية رئيس الحكومة بإقالة حكومة كاملة وتعيين أخرى دون العودة إلى المجلس الوطني التأسيسي، فإنها تمثل بادرة جريئة للخروج بالبلاد من جميع أزماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية». وأضاف أنها محاولة جادة لاستبعاد منطق المحاصصة الحزبية والتجاذب والاستقطاب الذي نخر جسم السلم الاجتماعي وأوقع تونس في أتون العنف».

ودعا كمون إلى دعم مبادرة الجبالي على مستوى الأحزاب التي لها تمثيليات نيابية في المجلس الوطني التأسيسي، ذات الأغلبية أو الأقليات. والتعاطي معها كمخرج مشرف للجميع للأزمة، لتتفرغ الكتل النيابية لكتابة الدستور الذي طال أمده. ودعا أعضاء المجلس التأسيسي (البرلمان) إلى الإسراع في ضبط خارطة طريق واضحة محددة المواعيد لتحقيق الاستحقاقات الديمقراطية القادمة، على رأسها إنهاء كتابة الدستور والدعوة للانتخابات.

في غضون ذلك شهدت قوات الأمن بتونس العاصمة اشتباكات مع محتجين، وأطلقت الشرطة التونسية قنابل الغاز المسيل للدموع بشكل مكثف لتفريق مئات من المتظاهرين تجمعوا أمام مقر وزارة الداخلية ورددوا شعارات معادية لحركة النهضة الإسلامية الحاكمة. وطاردت الشرطة بالسيارات والدراجات النارية المتظاهرين الذين تفرقوا في شوارع متفرعة عن جادة الحبيب بورقيبة الرئيسي (وسط العاصمة)، حيث يقع مقر وزارة الداخلية. وارتفعت في سماء الشارع أعمدة دخان قنابل الغاز المسيل للدموع. ودعت منظمات مجتمع مدني وائتلاف «الجبهة الشعبية» (يسار) الذي كان بلعيد عضوا فيه إلى جنازة رمزية أمس، وتوقف المشاركون فيها أمام مقر الولاية قبل أن يلقي أحدهم زجاجة حارقة على الشرطة التي كانت تحرس المقر. واستخدمت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع بشكل مكثف لتفريق المتظاهرين الذين رشقوها بالحجارة، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. كما شهدت مدينة قفصة اشتباكات عنيفة، التي لم تهدأ منذ الثورة، بين المتظاهرين الذين واصلوا احتجاجاتهم على حادثة الاغتيال وقوات الأمن.

إلى ذلك أدان الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي اغتيال المعارض التونسي شكري بلعيد واعتبر أنه «تحدٍّ خطير لمسار التغيير الديمقراطي في تونس وعدد من الدول العربية». وقال العربي في بيان إنه «يتضامن مع الشعب التونسي في هذا المصاب الأليم الذي يشكل تحديا لمسار عملية التغيير الديمقراطي الذي تشهده تونس وعدد من الدول العربية».