خطط صينية لبناء سدود قرب الحدود تنذر بتوتر مع الهند

نيودلهي تنتقد بقوة المشاريع.. وجدل حول حصص دول المنبع والمصب من الأنهار

ناشطون يحملون لافتات تندد بالخطط الصينية لبناء سدود، خلال تظاهرهم على متن قارب في نهر براهمابوترا في غوهاتي بالهند (أ.ب)
TT

دقت خطط الصين لإنشاء ثلاثة سدود في إقليم التيبت ناقوس الخطر في الهند، حيث تزداد المخاوف من أن يؤثر تعطش البلاد الواقعة في الشمال للسلطة والماء يوما ما على تدفق نهر براهمابوترا العظيم، الذي يعد شريان حياة لعشرات الملايين من الناس.

تجري بعض أهم أنهار الصين في التيبت، وتشتهر الصين في المنطقة بوضع احتياجاتها المتزايدة من الطاقة قبل مصالح دول جوارها الواقعة عند مصب النهر. ولا تربطها أي اتفاقات مشاركة مياه مع أي دول لها حدود معها.

وبات اللوم يلقى على السدود الصينية الضخمة المقامة على نهر ميكونغ في عرقلة تدفق المياه إلى دول مثل تايلاند وفيتنام، بينما تم توجيه انتقادات لمشروعات إنشاء السدود الصينية في دول مثل ميانمار وكمبوديا لتسببها في تشريد المواطنين وإلحاق أضرار بيئية.

ومع زيادة حجم الطلب على الطاقة فيها، أصبحت الصين أكبر دولة منشئة للسدود في العالم، ومن خلال آخر خططها الخمسية في مجال الطاقة، التي أعلنت عنها الشهر الماضي، طرحت مقترحات لإنشاء مزيد من محطات الطاقة الكهرومائية، بينها ثلاثة سدود متوسطة الحجم على يارلونغ تسانغبو، أو نهر براهمابوترا مثلما يعرف هناك.

ويرى خبراء أن مقترحات إنشاء السدود لا تشكل أي تهديد مباشر للهند، لأنها لن تمثل احتياطيات ضخمة. لكنها توظف أنهارا جارية، وتسخر طاقة المياه خلال تدفقها عبر قنوات تحت الأرض. كما ستكون السدود عند المنبع من منطقة تجمع مياه النهر الرئيسية.

لكن حقيقة أن الحكومة الهندية علمت بالخطط عبر تقارير إعلامية صينية أثارت انتقادات هنا. وواضعة الرأي العام نصب عينيها، أصدرت نيودلهي بيانا غاضبا على نحو غير معتاد الأسبوع الماضي، مذكرة بكين بـ«حقوق المستخدمين المحددين الجديرة بالاعتبار في مياه النهر» في الهند. وقال سيد أكبر الدين، المتحدث باسم الخارجية الهندية: «لقد أعربت الهند عن آرائها ومخاوفها على أعلى المستويات» في ما يتعلق بالحكومة الصينية. وقال نظيره في بكين إن الصين دائما ما انتهجت أسلوبا مسؤولا في ما يتعلق بتطوير الأنهار عبر الحدود بين البلدين. وتابع هونغ لي المتحدث باسم الخارجية الصينية قائلا: «يجب أن يخضع أي مشروع جديد لعملية تخطيط علمي ودراسة مع وضع مصالح دول المنبع المنخفضة ودول المصب في الحسبان».

ورغم ذلك، يقول المنتقدون هنا إن التطويرات تعتبر نموذجا لبرنامج السد الذي تكتنفه السرية، خاصة في التيبت، وعدم مراعاتها لدول المصب المجاورة. وقد ألقت وسائل الإعلام الهندية اللوم بشكل متكرر في الطوفان المفاجئ على التصريف غير المعلن للمياه من السدود الصينية في المناطق الأخرى في منطقة الهيمالايا.

ويقول ياشوانت سينها الذي شغل منصب وزير خارجية الهند في الفترة من 2002 إلى 2004 والقيادي البارز في حزب المعارضة «بهاراتيا جاناتا»: «يجب أن يزودونا بالمعلومات كافة، ارتفاع السد، وكم المياه التي سيخزنها وكيف سيتحول عن مساره، ثم تحديد كيفية المضي قدما، غير أننا نسمع ذلك عبر الإعلام. إنهم يقومون بالأشياء خلسة».

وقد استهدفت آخر الخطط شخصيات مثل براهما تشيلاني، الذي يعمل مع مركز الأبحاث السياسية الكائن في نيودلهي والذي ظل يحذر لعدة أعوام من احتمال أن تشكل السدود الصينية المقامة على نهر براهمابوترا تهديدا خطيرا طويل الأمد لأرزاق المزارعين، ليس فقط في الهند، بل حتى دولة المصب بنغلاديش.

تحتاج الصين إلى طاقة لمركزها الصيني ولتطوير هضبة التيبت. ويرى تشيلاني أن الدولة لديها سياسة راسخة لمحاولة احتكار المصادر الطبيعية التي يحتاجها اقتصادها المتنامي، سواء من أراضيها أو من خارج الوطن في أفريقيا أو حتى أميركا اللاتينية.

من يانغتسي إلى ميكونغ والآن نهر براهمابوترا، يتبع بناء السدود في الصين نمطا راسخا يبدأ ببناء سدود صغيرة على روافد النهر ويمضي في نهاية المطاف إلى سدود ضخمة عند المصب، بحسب تشيلاني. هناك 12 سدا صغيرا على روافد نهر براهمابوترا وسد متوسط الحجم تحت الإنشاء على النهر. ويتوقع تشيلاني أن تكون الخطوة المقبلة هي بناء سدود أكبر في مواقع يلتقط فيها النهر كميات ضخمة من المياه والزخم بالقرب من الحدود الهندية.

لن تؤثر تلك السدود على تدفق المياه فحسب، وإنما ستزيل أيضا الطمي الغني بالمغذيات الذي يسهم في نمو الزراعة عند المصب، على حد قوله. ويتمثل السيناريو الأسوأ للهند في أن تمتلك الصين يوما ما الخبرة الهندسية التي تمكنها من تحويل النهر عند منطقة «جريت بند»، حيث تقوم بعمل منعطف حاد من خلال ممر ضيق أعمق بمرات عديدة من وادي جراند كانيون قبل أن يندفع النهر باتجاه الهند.

وقال موهان غوروسوامي، الذي يعمل في مركز بدائل السياسة بنيودلهي، إنه يتم طرح هذه الفكرة في الصين منذ فترة، ولكنها تعد مستحيلة من الناحية العملية، حتى بالنسبة للصينيين أنفسهم، مشيرا إلى أن هذا المشروع يتطلب تفجيرات نووية لنسف الجبال وبناء سلسلة من محطات الطاقة النووية لسحب الماء على الروافد العليا لهضبة التيبت. وأضاف غوروسوامي أن الكثير من المخاوف الهندية تنبع من الجهل والشوفينية، مشيرا إلى أن نهر براهمابوترا يحصل على الغالبية العظمى من المياه بعيدا عن السدود المقترحة، علاوة على أن الهند لا تستخدم سوى 5 في المائة من المياه، حيث يجري النهر، الذي يتسع عرضه ليصل إلى ستة أميال في بعض الأماكن، بسلاسة في طريقه إلى بنغلاديش.

وقال مسؤول حكومي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه يتحدث في موضوع حساس، إن نيودلهي تراقب تدفق النهر وهو يدخل الأراضي الهندية، لكنها لا تبالغ في الانزعاج. وقال المسؤول إن الصين، كقوة عالمية صاعدة، تقلص الحوافز الممنوحة لإقامة سدود من جانب واحد على الأنهار، بالشكل الذي لا يصب في مصلحة جيرانها، مضيفا أن «هذا النوع من الأشياء لن يكون لزاما على بلد يطمح لأن يكون لاعبا رئيسيا في الساحة العالمية».

وقال أرفيند سوبرامانيان، الذي يعمل في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في واشنطن، إن التوترات قد تتصاعد في تلك المنطقة، لأن تغير المناخ يؤدي إلى إذابة أنهار الجليد في جبال الهيمالايا وتغيير توزيع المياه في آسيا. ويكمن الخطر في استحواذ الصين على حصة أكبر من الأنهار، مما يؤدي إلى تفاقم آثار تغير المناخ على دول المصب مثل الهند.

ونظرا لأن دول المنبع تتمتع أيضا بمزايا عسكرية واستراتيجية واقتصادية، فإن العديد من المراقبين يرون أن الهند لا تمتلك إلا الحد الأدنى من القدرة على المساومة. وقال هارش بانت، الذي يعمل في قسم الدراسات الدفاعية بجامعة «كينجز كوليدج» بلندن: «الهند لديها نفوذ قليل جدا على الصين، وهذا أحد العوامل التي تصب في مصلحة الصين أيضا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»