«النهضة» لـ «الشرق الأوسط»: تمسك الجبالي بقراره «انقلاب أبيض».. ورئيس الحكومة يلوح بالاستقالة

عشرات الآلاف من المتظاهرين الإسلاميين في تونس يخرجون دفاعا عن «شرعية الحكم» وإدانة لـ «التدخل الفرنسي»

مؤيدون لحركة النهضة خلال الاحتجاجات التي خرجت أمس في مسيرات لدعم «شرعية» الحكومة والبرلمان بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة التونسية (رويترز)
TT

في الوقت الذي لوح فيه حمادي الجبالي، رئيس الحكومة وأمين عام حركة النهضة الإسلامية الحاكمة، أمس، بالاستقالة إن فشلت جهوده في تشكيل حكومة تكنوقراط تضم «كفاءات وطنية» غير حزبية، قال قيادي رفيع في حركة النهضة طلب عدم ذكر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، إن الحل الذي تقدم به رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي هو عبارة عن حكومة ما سماه بـ«السبسي2»، و«بالتالي هذا أمر لا يطمئن، ولا ضمانات في أنها ستحافظ على الثورة ولن تنقلب عليها وتعمل على إعادة رموز النظام السابق».

وأكد عبر اتصال هاتفي معه من لندن أن هناك شقا كبيرا من النهضة يرى في قرار الجبالي «انقلابا أبيض» على شرعية الحكومة وعلى حزبه، و«حلا مأساويا لأزمة عميقة»، وأن الحركة ستنظر في اقتراح رئيس الحكومة وتحيله لمجلس الشورى الذي سينظر فيه ومن حقه أن يرفضه إذا كان فيه مس بالشرعية.

وعند سؤاله عن سبب موقف الجبالي، وهل هو من باب التحدي لحزبه وبقية أطراف الحكومة، أجاب القيادي بأن «رئيس الوزراء بلغه توصيف لحالة البلاد والأزمة التي تمر بها، وهو ارتأى أن الحل الأمثل هو ما قدمه، ولهذا هو متمسك به».

وقال الجبالي في تصريح نقلته وكالة الأنباء الحكومية التونسية «في حال عدم القبول أو حيازة الثقة، فإنني سأتوجه إلى رئيس الجمهورية لأطلب البحث عن مرشح آخر لتشكيل حكومة جديدة تفوز بثقة المجلس الوطني التأسيسي». وأفاد الجبالي بأنه سيعلن «أواسط الأسبوع المقبل على أقصى تقدير» تشكيلة حكومة التكنوقراط.

وقال رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي في مقابلة أمس مع قناة «فرانس 24»، إن الوزراء الإسلاميين الذين يتولون حاليا الوزارات السيادية سيتم تغييرهم في سياق مبادرته بتشكيل حكومة محايدة مكونة من كفاءات. وأكد الجبالي في المقابلة «لن يظل في الحكومة لا وزير العدل ولا الداخلية ولا الخارجية»، التي يتولاها حاليا قياديون في حزب النهضة هم نور الدين البحيري وعلي العريض ورفيق عبد السلام، مشددا على أن «مقترحي غير قابل للتعديل».

وأضافت الوكالة أن الجبالي «وجه رسائل إلى كل الأطراف (السياسية) ليطلب منها النصح من خلال تقديم مقترحات بخصوص تركيبة (تشكيلة)» حكومة التكنوقراط، واشترط ألا يتجاوز أجل تقديم هذه المقترحات «الاثنين المقبل». وشدد الجبالي على أنه «لن يقبل بشروط من أي حزب كان» حول تشكيل الحكومة. وأوضح أن المقترحات المتعلقة بتشكيلة الحكومة «تخضع لأربعة مقاييس، وهي ألا يكون المرشح شارك في الجريمة ضد الشعب التونسي، أو أن يكون منتميا سياسيا انتماء واضحا، وألا يترشح للانتخابات القادمة، وبطبيعة الحال أن يكون كفاءة في مجاله».

ويطرح تمسك الجبالي بمبادرته السياسية مشاكل عديدة على مستوى التنفيذ، من بينها معارضة شريكيه في الحكم لتلك المبادرة، واختلافه مع قيادات حركة النهضة التي ترى أن المحافظة على مبدأ التوافق السياسي ضرورة لمواصلة مرحلة الانتقال الديمقراطي.

وفي هذا الشأن أيضا، صرح فتحي العيادي، رئيس مجلس الشورى بحركة النهضة، لـ«الشرق الأوسط»، بأن الحركة لا تقف ضد الحل الذي دعا له الجبالي، لكنها تعتبر أن هناك حلولا أخرى قابلة للنقاش وبالإمكان النظر إليها قبل المرور إلى حكومة الكفاءات الوطنية المزمع تكوينها.

وأضاف العيادي أن إمكانية تشكيل حكومة توافق وطني ما زالت مطروحة ولا يمكن استبعادها، واعتبر إصرار حمادي الجبالي على تشكيل حكومة تكنوقراط يبقى من قبيل الاجتهاد الشخصي، وقال إن قيادات حركة النهضة تلقت المبادرة بالتقدير لكنها تختلف معها في القول بأن حكومة التكنوقراط هي الحل الأنسب في هذه الفترة بالذات، وترى أن هناك حلولا أخرى قادرة بدورها على تجاوز فترة التجاذب االسياسي بين الحكومة وأحزاب المعارضة.

وتواجه الحكومة التي تقودها حركة النهضة في ائتلاف ثلاثي خلافات مع شريكيها في الحكم بشأن إدارة المرحلة السياسية القادمة، ويضغط حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي يقوده محمد عبو للإسراع في تنفيذ التعديل الوزاري، ويهدد بسحب وزرائه من التشكيلة الحكومية منذ يوم 2 فبراير (شباط) الحالي في حالة عدم استجابة حكومة الجبالي لحزمة من المطالب السياسية والاجتماعية.

وفي هذا السياق، صرح سليم بن حميدان، القيادي في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، لـ«الشرق الأوسط»، بأن الحزب متمسك بمجموعة المطالب التي قدمها لحكومة الجبالي، وذلك في أجل أقصاه أسبوع (انتهى ليلة البارحة في حدود منتصف الليل). وترى قيادات الحزب أن قرار الجبالي بتشكيل حكومة تكنوقراط من دون الرجوع إلى البرلمان ومن دون اعتماد مبدأ التشاور مع شركائه في الحكم وبقية الأطراف السياسية، يمثل في نهاية الأمر تراجعا واضحا عن استحقاقات الثورة التونسية، وهو ما يهدد مبدأ التوافق الذي بنيت عليه إدارة الشأن السياسي منذ تشكيل الحكومة.

وأضاف بن حميدان الذي يشغل خطة وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية في حكومة الجبالي أن حزب المؤتمر متمسك بتشكيل حكومة توافق وطني، وهو سيرفض الموافقة على أي حكومة لا تحظى بمصادقة المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان). وقال إن حزبه لا يمانع حول إمكانية تعزيز حكومة الجبالي ببعض الكفاءات الوطنية، لكن الأمر موجه بالخصوص إلى الوزارات التي تطغى على نشاطها الجوانب الفنية والتقنية.

وكان حزب المؤتمر قد طالب خلال اجتماع مكتبه السياسي يوم 2 فبراير الحالي بتشكيل لجنة داخل رئاسة الحكومة يعهد لها بالتشاور حول القرارات السياسية والاقتصادية وتعيين كبار المسؤولين في الدولة، وتطوير آليات مكافحة الفساد، إلى جانب حماية المقدرة الشرائية للتونسيين والضرب على أيادي المحتكرين والمهربين.

وفي إطار التصدي لدعوة أحزاب المعارضة إلى حل المجلس التأسيسي (الهيئة الوحيدة المنتخبة بعد الثورة)، والرد ضد تهمة التيارات اليسارية باغتيال شكري بلعيد القيادي اليساري، نظم أمس أنصار حركة النهضة الإسلامية الحاكمة وبقية التيارات الإسلامية مسيرة احتجاجية في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة التونسية تحت شعار «نبذ العنف وتثبيت الشرعية». وتظاهر عشرات الآلاف بداية من الساعة الثالثة مساء بدعوة من حركة النهضة دفاعا عن شرعية الحكم، وللتأكيد على ضرورة الالتزام بنتائج صناديق الاقتراع، ولإدانة ما سمته «التدخل الفرنسي» في الشؤون التونسية بعد تصريحات وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس الذي قال إن «فاشية إسلامية تبرز في كل مكان تقريبا» بعد اغتيال المعارض العلماني شكري بلعيد في تونس، وهي تصريحات تركت غضبا عارما في صفوف الإسلاميين. وكان فالس قد صرح أيضا بأنه «ما زال يعلق آمالا على الاستحقاق الانتخابي (القادم) حتى تفوز به القوى الديمقراطية والعلمانية وتلك التي تحمل قيم ثورة الياسمين»، وهو ما اعتبر تدخلا في الشأن السياسي الداخلي ودعما لطرف سياسي على حساب طرف آخر.

ورفع المتظاهرون أعلام تونس وحركة النهضة وحزب التحرير الإسلامي، ورددوا شعارات من قبيل «الشعب يريد حماية الشرعية» و«الشعب يريد النهضة من جديد» و«ارحلي فرنسا» و«وحدة وطنية ضد الهجمة الخارجية»، كما رفعوا شعارات مناوئة لحزب حركة نداء تونس ولرئيسه الباجي قائد السبسي الوزير الأول السابق ذي التوجهات الليبرالية، وطالبوا بالتصدي لرموز النظام السابق. وكان السبسي قد دعا مباشرة على أثر اغتيال القيادي اليساري بلعيد يوم الأربعاء إلى رحيل الحكومة وحل المجلس التأسيسي (البرلمان).