السلطات التونسية تواصل التحقيق في قضية بلعيد وسط التراشق بالاتهامات

الغنوشي يتهم قوى «الثورة المضادة» باغتيال القيادي اليساري

شكري بلعيد
TT

يتواصل في تونس التحقيق في قضية اغتيال المعارض السياسي اليساري شكري بلعيد دون التوصل إلى نتائج قادرة على فك طلاسم أول جريمة سياسية مرتكبة. وتعمل السلطات القضائية على متابعة تصريحات كل الأطراف السياسية والحقوقية والإعلامية. وقد حققت منذ تنفيذ عملية الاغتيال مع سائق الفقيد بلعيد وأبقته على ذمة التحقيق، ومع الصحافية التونسية نادية داود التي قالت إنها شاهدت أحد الأشخاص يتحدث مع السائق قبل فترة وجيزة من تنفيذ الجريمة. ووجهت أحزاب المعارضة الاتهامات إلى أتباع حركة النهضة والتيارات الإسلامية المتشددة وتحميلها المسؤولية عن انتشار العنف بعد الثورة، مما أدى إلى حصول أول عملية اغتيال سياسي في تاريخ تونس على الأراضي التونسية.

وفي هذا الشأن، أجل القضاء التونسي التحقيق مع الإعلامي التونسي زياد الهاني، عضو نقابة الصحافيين التونسيين، إلى يوم غد الاثنين، على خلفية تصريحات أدلى بها واتهم من خلالها وزارة الداخلية التونسية، وبالتحديد محرز الزواري المدير العام للمصالح المختصة، بالوقوف وراء جريمة اغتيال شكري بلعيد.

وقال إن المدير العام للمصالح المختصة معين بشكل مباشر من قبل الحبيب اللوز القيادي في حركة النهضة، وذلك بحسب مصدر أمني قدم له المعلومات أثناء تشييع جنازة المعارض السياسي اليساري شكري بلعيد. ونقل الهاني أن «الزواري انتدب 20 شابا بوزارة الداخلية دون أن تكون لهم علاقة مباشرة بالوزارة، وهي تتدرب على الفنون القتالية وعلى القنص».

وفي هذا الصدد، صرح الهاني لـ«الشرق الأوسط» بأن «فتح تحقيق فوري ضد وزارة الداخلية التونسية مسألة ضرورية وحساسة»، وأضاف أن «عملية الاغتيال تخفي وراءها مجموعة معقدة من الحقائق السياسية والأمنية التي لا يمكن السكوت عنها»، واعتبر أن «مستقبل تونس لا يطمئن إذا حرم الإعلاميون من حرية التعبير والإدلاء بالمعلومات التي تنير العدالة» على حد قوله. وكانت مجموعة من الإعلاميين والمحامين قد حضروا يوم السبت أمام قصر العدالة بالعاصمة للتعبير عن مساندتهم لعضو نقابة الصحافيين التونسيين.

وكان خالد طروش، الناطق باسم وزارة الداخلية، قد تدخل ليلة الجمعة مباشرة في البرنامج التلفزي وقال: «إن الوزارة سترفع قضية ضد الهاني» لتعمده ما اعتبره «بث البلبلة».

وتم استدعاء الهاني على سبيل الاسترشاد، كما ذكر فريق الدفاع الذي دعا إلى الاستماع إلى أقوال مجموعة أخرى من القياديين، من بينهم الحبيب اللوز والشيخ راشد الغنوشي القياديان في حركة النهضة، ومحرز الزواري المدير العام للمصالح المختصة.

وفي ظل إشاعات أعقبت اغتيال المناضل اليساري شكري بلعيد، تقول إن الشيخ راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة الإسلامية، قد غادر تونس إلى الخارج، تدخل الغنوشي في افتتاح ملتقى «ظاهرة العنف السياسي وكيفية التصدي لها» الذي نظمه يوم أمس «مركز دراسة الإسلام والديمقراطية» بتونس، بالضاحية الشمالية للعاصمة التونسية، ليؤكد أن عملية «الاغتيال الآثم» التي ذهب ضحيتها شكري بلعيد، رئيس حزب «حركة الوطنيين الديمقراطيين» المعارض (حزب يساري حصل على الترخيص القانوني بعد الثورة)، «لا تخرج عن معتاد الثورات قديما وحديثا». وأضاف أن عملية الاغتيال جزء من ضريبة التحول السياسي الذي تشهده تونس وحدثت في ثورات سابقة.

وقال الغنوشي الذي وجهت له عائلة شكري بلعيد الاتهام مباشرة باغتياله: «لا أحد يمكن أن يصدق أن الحاكمين من مصلحتهم» اغتيال شكري بلعيد. واتهم الغنوشي ما سماه قوى «الثورة المضادة» بالوقوف وراء اغتيال بلعيد، الذي تعتبره القوى اليسارية «أشرس» معارض لحركة النهضة.

واتهم الغنوشي تركيبة الثورة المضادة، وقال إنها «تستعين بالدول والأوضاع الخارجية التي ترى في نجاح النموذج التونسي خطرا عليها وعلى مصالحها ونماذجها الداخلية».

وتابع: «تلتقي مصلحة الثورة المضادة مع مصالح (دول) عربية وغير عربية في الزج ببلادنا في بوتقة الفتنة». وحذر من أن «العنف يريد أن يفرض على التونسيين لغة جديدة للتخاطب». وكان بلعيد قد اغتيل صباح الأربعاء الماضي رميا بالرصاص أمام منزله في إحدى ضواحي العاصمة التونسية من قبل مجهولين، لا تزال السلطات الأمنية تتعقب آثارهم دون التوصل إلى نتائج ملموسة.

في غضون ذلك، واجه وزير الخارجية البلجيكي ديديه رايندرز استجوابا من «لوران لويس» عضو البرلمان البلجيكي، وتضمن الاستجواب توجيه اتهام للوزير بأنه يعرف قتلة الشهيد شكري بلعيد، وقال البرلماني: «إن الوزير يعرف حقيقة ذلك من خلال الاستخبارات البلجيكية، وأطالب بنشرها». كما قال النائب: «إن بلعيد كان يدعو إلى تونس لائكية، في حين أن (النهضة) أدارت مسار الثورة ووضعت استراتيجية العنف السياسي». وأضاف أنه عندما يغتال قيادي سياسي معارض تغتال الديمقراطية، داعيا إلى دقيقة صمت رفضها الوزير المتهم. ومن جهة أخرى، بين أن ثورة الياسمين عوضت فيها الديكتاتورية الدينية ديكتاتورية بن علي، معبرا عن استغرابه من تحول حزب النهضة خلال أسابيع إلى حزب أول في البلاد.

وفي إجابته عن اتهام النائب، تقدم الوزير البلجيكي في بداية مداخلته بالتعازي إلى عائلة الفقيد وأسرته السياسية، ثم بين أنه لا يمكن أن يحدد المسؤوليات، مبرزا تكرر أعمال العنف ضد السياسيين المعارضين من قبل مجموعات متطرفة، قال إنها تسمي نفسها رابطات حماية الثورة، التي تعتبر شاهدا على حدة العنف السياسي. وأضاف أن هذا يقلق مسار التحول الديمقراطي، محييا في نفس الوقت دعوة راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، لضم الصفوف واليقظة لتجنب الانسياق وراء أعمال العنف. ودعا الوزير البلجيكي السلطات التونسية لفتح تحقيق جدي وسريع في عملية الاغتيال غير المقبولة، مبينا قلقه من تعدد الانتهاكات ضد حقوق الإنسان وتنامي ظاهرة العنف السياسي في تونس. كما طالب بأن تعمل جميع مكونات المجتمع المدني بكل حرية حتى تتمكن الحكومة من تحقيق الديمقراطية وتلبية استحقاقات الشعب التونسي بعد عامين من الانقلاب على بن علي. ومن جهة أخرى، أكد الوزير أنه سيقدم المعطيات التي يملكها حول عملية الاغتيال عندما تتقدم السلطات التونسية في التحقيق. وبعد رد الوزير، طالب العضو البرلماني بالتعقيب على رد وزير الخارجية، وخلال إلقاء العضو البرلماني للاستجواب، والتعقيب، تعددت ردود الفعل على وجه الوزير رايندرز ما بين الابتسامة أو إظهار الاستغراب، في حين تعرض العضو البرلماني لتعليق من جانب عضو آخر فور هبوطه من على المنصة، وجرى تراشق بالكلمات بينهما دون أن تتضح جيدا الكلمات المتبادلة بصوت مرتفع، في الجلسة التي أذيعت تفاصيلها على مواقع التواصل الاجتماعي. وأمام السفارة التونسية في بروكسل، تجمع أمس أعداد من التونسيين ينتمون إلى منظمات وجمعيات تونسية ومعهم عائلات بلجيكية، للتعبير عن الاحتجاج على حادث اغتيال زعيم المعارضة التونسي شكري بلعيد، وحمل المشاركون في الوقفة لافتات تعبر عن غضبهم لغياب العدالة والأمن ومخاوفهم من أن يزداد أعداد ضحايا العنف في تونس، وما يمكن أن يشكله هذا الأمر على الأمن والاستقرار ووقوع حالة انقسام بين أفراد الشعب التونسي، وحملوا الحكومة مسؤولية ما يقع، وخاصة وزير الداخلية، الذي من المفترض أن يضمن أمن المواطنين، وطالبوا باستقالته.