رئيس المجلس القومي للمرأة بمصر: تشريعات الربيع العربي رجعية

السفيرة ميرفت التلاوي لـ «الشرق الأوسط» : حكم التيار الإسلامي يجعلني أتوقع الأسوأ

مظاهرة نسائية في ميدان التحرير رفعت فيها السيدات أرغفة الخبز تعبيرا عن مستوى الفقر الذي وصلت إليه حالة المصريين (أ.ب)
TT

قالت السفيرة ميرفت التلاوي رئيس المجلس القومي للمرأة بمصر إن حكم التيار الإسلامي في دول الربيع العربي «يجعلني أتوقع الأسوأ»، وأضافت في حوار لـ«الشرق الأوسط» أن التشريعات التي جاءت بعد الثورات العربية تشريعات رجعية وضد حقوق النساء. وعبرت التلاوي عن قلق كبير لأن نواب التيار الإسلامي يتجهون لإلغاء قانون الخلع ومكتسبات أخرى للنساء، وأضافت أنه يوجد توجس لدى المانحين الأجانب من مغبة إقدام الإخوان على إلغاء المجلس القومي للمرأة الذي تأسس في مصر عام 2000.

وقابلت السفيرة التلاوي، التي عملت لسنوات في الأمم المتحدة وفي السلك الدبلوماسي، الرئيس المصري محمد مرسي مرتين، وقالت إن الرئيس، في الحقيقة، متجاوب «لكن أستطيع أن أقول إن العقبات موجودة في المحليات من جانب بعض المحافظين».

وأثنت السفيرة التلاوي على قيام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بتخصيص مقاعد للمرأة وقالت إنه «شيء عظيم جدا، ولهذا نحن سعداء بالنساء السعوديات وبالسعودية نفسها».

وتضغط التلاوي من أجل الدفع بالمرأة لخوض انتخابات البرلمان المقبلة، رغم خلو الدستور الجديد وقانون الانتخاب الأخير من أي مميزات يمكن أن تساعد المرأة على مشاركة الرجل في صناعة مستقبل البلاد، وكما تقول: «طالبنا بإجراءات تشريعية تنصف المرأة مرارا وتكرارا على مختلف المستويات، لكن لم يستجِب لنا أحد». وإلى أهم ما جاء في الحوار..

* إلى أي مدى تشعر المرأة بالقلق من الوضع الحالي بمصر؟

- المرأة المصرية لديها قلق كبير، لأنه حينما يتردى الأمن والاستقرار تتردى أوضاع المرأة.. وحينما ينخفض الوضع الاقتصادي ويتدهور كذلك تنخفض وتدهور أوضاع المرأة. حال المرأة له علاقة وطيدة بالأمن والاستقرار والاقتصاد.

* هل القلق يمتد إلى وجود مشرعين ينتمون إلى تيارات إسلامية؟

- نعم.. شعرنا بقلق كبير، لأن عمل نواب التيار الإسلامي في مجلس الشعب (المجلس الأول في البرلمان) كان انتزاع الحقوق التي حصلت عليها المرأة وأولها الاتجاه لإلغاء قانون الخلع باعتباره غير شرعي وأنه قانون قادم من الغرب. وكذلك بالنسبة لسن الحضانة وخفض سن الزواج، وإلغاء القانون الذي يعاقب الطبيب الذي يجري علمية الختان للبنات. وقام عدد من السلفيين برفع قضية على وزير الصحة من أجل إلغاء القانون الذي يجرم عملية الختان للبنات.

* ما موقفك من قانون الانتخاب الجديد؟

- المجلس القومي للمرأة طلب من مجلس الشورى أن تكون المرأة في الثلث الأول من القوائم الانتخابية وليس النصف الأول فقط. ولكن الجدال بين بعضهم وبعض وصل إلى أن تكون في النصف الأول من القائمة، ثم تراجعوا نهائيا عن وضع أي ميزة للمرأة في القوائم الانتخابية.

* ما سبب غياب المرأة عن برلمان مصر وبرلمانات الربيع العربي؟

- الرد على هذا السؤال يتماشى مع وجود هجمة يمينية رجعية في العالم كله، ومساندة من الرجعية الدولية للرجعية في المنطقة العربية. والذي يمثل الرجعية في المنطقة العربية هو الأحزاب أو جماعات الإسلام السياسي التي لا تهتم بالمرأة فقط، ولكنها لا تهتم بجميع القضايا الاجتماعية ولا تهتم بالاقتصاد الذي يعتني بالشباب والعاطلين والبسطاء والطبقة الدنيا والطبقة المتوسطة. هذا ليس في تخطيط جماعات الإسلام السياسي التي تسير وراء الرجعية الرأسمالية المتوحشة التي تعم العالم في الوقت الحالي، بداية من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا والأحزاب الدينية المسيطرة على الحكم. صفات هذه الرجعية في الوطن العربي هي المرأة.. المرأة (بالنسبة لهم) هي العبد الذي يشترونه.

* هل تتحدثين عن انتكاسة لمكاسب المرأة؟

- الشارع المصري لم ينتخب عبر سنوات أكثر من ثلاث أو أربع سيدات في كل دورة برلمانية، إلا أنه تم عمل كوتة للمرأة في عام 2010، تلزم بوجود 64 سيدة في البرلمان. ثم ألغيت الكوتة بعد عزل الرئيس مبارك. وكما ترى.. النتيجة الآن أن التيارات الرجعية المتشددة، التي تكن كل كراهية للمرأة هي التي تغلبت على البرلمان وعلى اللجنة التأسيسية (لصياغة الدستور)، وبالتالي لم نجد أي ذكر للمرأة وصيانتها وحقوقها كما كنا نأمل ونتمنى بعد ثورة عظيمة مثل ثورة 25 يناير.

* لكن المرأة السعودية حصلت على مقاعد أكثر في مجلس الشورى؟

- في الحقيقة نحن سعداء بالسعودية، وبنساء السعودية. ونشكر خادم الحرمين الشريفين. وأنا كنت قد تشرفت باستقباله لي في عام 2005. ولاحظت في حديثه إلى أي حد هو متفتح ومتفهم ومع الحق ومع العدل ومع الاستنارة، وهذا أمر مهم جدا. نحن كأمة مسلمة لو كنا نريد أن نحب إسلامنا ونحميه وننشره فلا بد أن نؤكد على الاستنارة والحداثة. وأقول للناس عندنا: انظروا إلى خادم الحرمين الشريفين، ولا تستخدموا الدين وسيلة لتأخر المرأة لأنها إهانة للدين العظيم الذي كرم المرأة.

* ما العراقيل التي يواجهها عمل المجلس القومي للمرأة بعد ثورة يناير؟

- أنا قابلت الرئيس محمد مرسي مرتين، وهو في الحقيقة متجاوب.. لكن أستطيع أن أقول إن العقبات موجودة في المحليات، من جانب بعض المحافظين ممن يهيأ لهم أنهم حين يقفون ضد المرأة أو المجلس القومي للمرأة سيلقى الرضا من قبل مكتب الإرشاد (في جماعة الإخوان)، أو شيء من هذا القبيل. أحيانا تجد بعض المحافظين متشددين، وأعتقد أن مثل هؤلاء واقعون تحت وطأة مساعديهم.

* هل تشعرين بالرضا عن الميزانية المالية المخصصة لكم من الدولة؟

- الميزانية لا تكفي، وهي لم تزِد منذ إنشاء المجلس القومي للمرأة، بما في ذلك أيام سوزان مبارك. الفرق بعد ثورة يناير هو تراجع المعونات الأجنبية التي كانت تأتي للمجلس في السابق، ربما لوجود سوزان مبارك، باعتبارها رئيسة المجلس في ذلك الوقت، وربما لقضية المرأة نفسها لأن الأجانب يحبون الاهتمام بقضية المرأة، وربما سعيا للإسهام في استقرار البلد. هذا الأمر نفتقده حاليا بسبب عدم وجود استقرار، ويوجد توجس لدى الدول المانحة من مغبة إقدام الإخوان المسلمين على إلغاء المجلس القومي للمرأة. قبل الثورة أيضا كان هناك كثير من رجال الأعمال يتبرعون للمجلس، وهؤلاء الآن إما في السجن وإما خارج البلاد.

* هل فعلا تتخوفين من قيام الإخوان بإلغاء المجلس القومي للمرأة؟

- هذا الهاجس ما زال موجودا في الأذهان باستمرار. لكن بالنسبة لي شخصيا أجد أنه من الصعب إقدام الإخوان على هذه الخطوة، لأن الأمر يتعلق بالمسؤولية الدولية.. إذا ألغى الرئيس مرسي المجلس سينتقص من شعبيته ومن تقدير العالم له ومن احترام مصر.

* لوحظ أن المشاركة النسائية في فعاليات جبهة الإنقاذ المعارضة محدودة؟

- نحن الذين دعونا جبهة الإنقاذ مع مختلف الأحزاب الأخرى، وكان من يمثل الجبهة عمرو موسى، وكان حزب الوفد موجودا أيضا، وتحدثنا كيف سيضعون النساء في قوائمهم الانتخابية.. واقترحنا عليهم قوائم بأسماء أكثر من 250 سيدة يصلحن كمرشحات للانتخابات القادمة من جميع محافظات الجمهورية، وكل سيدة منهن تم اختيارها على أساس ما تتمتع به من شعبية ومكانة اجتماعية في الدائرة الانتخابية الموجودة فيها. وبعضهن ينتمي إلى أحزاب وبعضهن لا ينتمي إلى أحزاب. نحن نسعى لمساعدة الأحزاب في تسكين هؤلاء المرشحات في القوائم الانتخابية.

* هل هناك تنسيق مماثل مع الأحزاب الإسلامية؟

- نحن دعوناهم.. دعونا حزبي «النور (السلفي)» و«الحرية والعدالة (التابع للإخوان)»، ولم يستجيب أي من هذه الأحزاب الإسلامية.

* وما السبب في رأيك؟

- هم لديهم موقف منذ البداية من المجلس القومي للمرأة، ولا يريدون تغيير هذا الموقف، بينما حين نظمنا أكثر من 200 برنامج للتدريب السياسي في المحليات حضرها رجال وسيدات من حزب النور وحزب الحرية والعدالة، من أجل التدريب لدينا.

* البعض يقول إن السبب يرجع لارتباط المجلس بالسيدة سوزان مبارك؟- هذه حجة أنا أعتبرها مجرد حجة لا أكثر.. لأن سوزان مبارك ارتبطت بأكثر من مشروع مثل مشروع «الأمومة والطفولة» ومشروع «القراءة للجميع» ومشروع «المكتبات» و«حملة التطعيم ضد الشلل»، فلماذا يتخذون موقفا من المجلس القومي للمرأة فقط؟ المشكلة بالنسبة للأحزاب الإسلامية المشكلة لديهم في المرأة وليست في سوزان مبارك.

* بمناسبة السيدة سوزان مبارك، ومن قبلها السيدة جيهان السادات (زوجة الرئيس الراحل أنور السادات)، هل تعتقدين أن مصر في حاجة إلى وجود حرم الرئيس كـ«سيدة أولى» للدفاع عن المرأة والأطفال والتشجيع على العمل الخيري والتطوعي؟

- الإجابة هي لا.. مصر لا تحتاج إلى «سيدة أولى» لأن المفترض هو أننا نتطور بمصر إلى إيجاد حالة من الدستورية والقانونية والمؤسسية. أنت تلجأ إلى حرم الرئيس حين لا يكون القانون قادرا على حمايتك، أو الثقافة العامة غير قادرة على حمايتك، أو لوجود نواقص تحتاج إلى تعويضها بالإرادة السياسية للسيدة الأولى. نحن كنا نريد معالجة هذه النواقص في الدستور من أجل تدعيم المرأة. وإذا وجد دستور وقانون يحمي المرأة والطفل فلن تكون هناك حاجة لتدخل رئيس أو حرم رئيس أو «سيدة أولى». ولهذا المرأة المصرية حزينة من الدستور الحالي.