على وقع إطلاق الرصاص في دمشق.. بطريرك الأرثوذكس الجديد يدعو إلى الحوار

حفل تنصيبه أقيم وسط إجراءات أمنية مشددة.. وانقسام لبناني حول زيارة الراعي لسوريا

جانب من حفل تنصيب البطريرك الجديد للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر اليازجي في كنيسة الصليب المقدس وسط دمشق أمس (أ.ف.ب)
TT

وسط إجراءات أمنية مشددة، جرت أمس مراسم حفل التنصيب الرسمي لبطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر اليازجي في كنيسة بوسط دمشق. وعلى وقع الرصاص الذي كان يسمع من بعيد، دعا البطريرك الجديد إلى الحوار لإنهاء العنف في سوريا. وقال خلال الحفل: «نحن على رجاء يقين أن سوريا حكومة وشعبا ستجد باب الخلاص بالحوار والحل السياسي السلمي لتتبدد غيمة العنف وتعود سوريا إلى الاستقرار والطمأنينة والسلام كما كانت دوما».

ووجه البطريرك الشكر إلى المسؤولين السوريين وفي مقدمتهم الرئيس بشار الأسد، الممثل في الاحتفال بالوزير منصور عزام. وأضاف: «لا يرضى الله عندما يرى العيش المشترك المحب مع الذين يشاركوننا الوطن الواحد من غير المسيحيين يتقهقر هنا وهناك لأسباب مختلفة، منها السياسي ومنها اللجوء عندنا وعندهم إلى نزعات أصولية لا تمت إلى الدين الأصيل بأي صلة».

وقال: «إننا نحن الأنطاكيين كنيسة مشرقية، جذورها ضاربة بعمق في منطقتنا ومشرقنا العربي، ونحن مع إخوتنا المسلمين أبناء هذه الأرض (..) وفيها علينا أن نبقى، مشجعين للعيش المشترك الكريم، ونابذين لكل ضغينة وكل خوف وكل تعال»، حسبما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية.

وأقيمت مراسم التنصيب في كنيسة الصليب المقدس في حي القصاع، وهي غير بعيدة عن الأطراف الشرقية للعاصمة حيث تدور اشتباكات وأعمال عنف في النزاع الدامي المستمر في سوريا منذ أكثر من 22 شهرا.

وحضر الاحتفال جمع من المسؤولين الكنسيين تقدمهم بطريك أنطاكيا وسائر المشرق للموارنة الكاردينال بشارة بطرس الراعي، وبطريرك الروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام، إضافة إلى ممثلين عن رؤساء الطوائف المسيحية الأخرى ورجال دين مسلمين. وأحيطت المراسم بإجراءات أمنية مشددة، فانتشر قناصة على الأسطح، ورفعت السيارات من الطريق إلى الكنيسة التي جرى تفتيش الداخلين إليها بشكل دقيق. وسمح فقط للمدعوين بالدخول، في حين أتيح للمؤمنين متابعة المراسم عبر شاشة عملاقة في الباحة الخارجية.

من جهته، قال البطريرك الراعي في احتفال التنصيب: «كل إنسان، بل كل دم بريء، يسقط على هذه الأرض الطيبة هو دمعة من عيون المسيح».

أضاف البطريرك الذي يتخذ من لبنان مقرا: «كلنا مدعوون لكي نعلي كرامة الإنسان، كل إنسان، ونحافظ على الحياة البشرية، فهي قيمة لا ثمن لها»، معتبرا أن «كل ما يقال (..) من أجل ما يسمى إصلاحات وحقوق إنسان وديمقراطيات.. هذه كلها لا تساوي دم إنسان واحد بريء يراق».

وحضر المراسم سياسيون لبنانيون مقربون من النظام السوري. وأثارت زيارة الراعي، وهو أول بطريرك ماروني يزور سوريا منذ أكثر من 70 عاما، جدلا في لبنان المنقسم بين موالين لنظام الرئيس الأسد ومعارضين له.

وحظيت سوريا بوجود عسكري ونفوذ سياسي في لبنان ما بين عامين 1976 و2005. ورفض البطريرك الماروني السابق نصر الله بطرس صفير زيارة دمشق طوال مدة ولايته التي استمرت أكثر من 25 عاما، قبل أن يخلفه الراعي في منصبه في مارس (آذار) 2011.

وأكد الراعي في مقابلة مع «المؤسسة اللبنانية للإرسال» من دمشق أن زيارته تحمل طابعا رعويا غير سياسي، وهي تأتي لتفقد المسيحيين في سوريا، ولا سيما منهم الموارنة الذين يقارب عددهم 60 ألف شخص، مشددا على أن الكنيسة «ترفض الحرب وتدعو إلى الحوار».

وكان مجمع الأساقفة الأنطاكي الأرثوذكسي انتخب في 17 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أسقف أبرشية أوروبا للروم الأرثوذكس يوحنا اليازجي بطريركا، خلفا لإغناطيوس الرابع هزيم الذي توفي في الخامس من الشهر نفسه. وأثارت زيارة الراعي مخاوف مسيحيي قوى 14 آذار في لبنان من أن تفهم بأنها سياسية داعمة للنظام السوري. وقال النائب ميشال فرعون إن الاعتراض على الزيارة يأتي «خشية من أن تستغل الزيارة لأهداف تأتي لصالح النظام السوري».

وأوضح فرعون في حديث مع «الشرق الأوسط» أنه «نظرا للوضع القائم في سوريا وحساسية المرحلة ومحاولة استغلال المواقف في الحكومة اللبنانية، كان الاعتراض». وقال: «تأتي الزيارة إلى دمشق في محاولة لطمأنة المسيحيين في سوريا، لكننا نخشى استغلالها لصالح النظام بوصفه حاميا للمسيحيين، وأن يأتي ذلك على حساب مسيحيي سوريا». وإذ أمل ألا تنعكس على أي طرف في البلدين، قال: «لسنا ضد هذه الخطوة، لكن الاعتراض جاء نتيجة هواجسنا».

وقال فرعون: «إننا على يقين بأن الزيارة رعوية وليست سياسية، مثلما أكد الراعي، إنما لا يمكن أن نفصل بين الوضع الحالي والآلام الكبيرة التي تسبب بها النظام لشعبه، والانهيار الجاري في سوريا».

في المقابل، وبعد تأييد رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان للخطوة، وصف وزير الخارجية اللبنانية عدنان منصور زيارة الراعي إلى سوريا بأنها «زيارة حكيمة لبطريرك شجاع»، واعتبر أن «من يعارضها يتكلم من وجهة نظر سياسية».

بدوره، أكد رئيس المجلس العام الماروني وديع الخازن أن «مشاركة البطريرك بطرس الراعي في احتفال تنصيب البطريرك يوحنا العاشر اليازجي في دمشق شكلت اختراقا روحيا نوعيا في لحظتها والتي تستبد فيها مشاعر المسيحيين المشرقيين القلقة على مصيرهم، لا سيما في العاصمة المركزية دمشق التي انطلقت منها شرارة النور على لسان يوحنا الدمشقي عندما كانت سوريا عامرة بالحضور المسيحي في القرن السابع عشر».