إيران وحزب الله يشكلان ميليشيات في سوريا للحفاظ على مصالحهما بعد الأسد

طهران تخطط لإقامة قطاع ساحلي باللاذقية يساعدها في التواصل مع الحزب

TT

قال مسؤولون أميركيون وشرق أوسطيون إن إيران وحزب الله يشكلان حاليا شبكة من الميليشيات داخل الأراضي السورية للحفاظ على مصالحهما وحمايتها في حال سقوط حكومة الرئيس السوري بشار الأسد أو إرغامها على الانسحاب من دمشق. وتقاتل هذه الميليشيات إلى جانب قوات الحكومة السورية لإبقاء الأسد في السلطة، غير أن المسؤولين يعتقدون أن هدف إيران على المدى الطويل هو أن يكون لديها عناصر يمكن الاعتماد عليها في حال انقسام سوريا إلى جيوب عرقية وطائفية منفصلة.

وأشار مسؤول بارز بالإدارة الأميركية، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إلى مزاعم إيرانية تفيد بأن طهران تساند ميليشيات قوامها 50.000 شخص في سوريا، مضيفا: «إنها عملية كبيرة، ويبدو أن هناك نية فورية لدعم النظام السوري، ولكن من المهم بالنسبة لإيران أن تكون لديها قوة موثوق بها في سوريا ويمكن الاعتماد عليها».

واتفق مسؤول عربي بارز، رفض الكشف عن هويته أيضا، مع رأي المسؤول الأميركي، حيث أكد أن استراتيجية إيران في هذا الصدد تعتمد على مسارين؛ «الأول يكمن في دعم الأسد لأقصى درجة ممكنة، والثاني هو تمهيد الطريق لاضطرابات كبيرة في حال سقوط الأسد».

وباتت قضية تفتيت سوريا على أسس قبلية ودينية تؤرق حكومات الدول المجاورة، لا سيما مع اقتراب الحرب الأهلية الدائرة هناك من دخول عامها الثالث في ظل عدم وجود أية مؤشرات على التوصل لحل سياسي أو حتى نصر عسكري، سواء لنظام الأسد أو قوات المعارضة.

وقال بول سالم، وهو مدير «مركز الشرق الأوسط» بمؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي، الذي يتخذ من العاصمة اللبنانية بيروت مقرا له: «سوريا تشهد الآن تفككا أقرب إلى تفكك لبنان في سبعينات القرن الماضي، عندما تفكك إلى فئات على أساس عرقي، وعلى غرار العراق خلال الفترة الماضية. وسيكون من الصعب للغاية إعادة سوريا إلى الوحدة التي كانت عليها في الماضي».

وتمتلك طهران تاريخا طويلا من استغلال الفوضى، حتى من دون السيطرة على الحكومات التي بيدها مقاليد الأمور، فقد برز حزب الله نتيجة الحرب الأهلية التي شهدها لبنان في السبعينات من القرن الماضي، عندما تمكنت إيران من استغلال مظالم الشيعة، وهو الأمر نفسه الذي اعتمدت عليه في العراق خلال الفوضى التي أعقبت الغزو الأميركي.

إن إصرار إيران على الحفاظ على قاعدة لها في سوريا يفسر الغموض وراء استمرار الحكومة الإيرانية المتعثرة ماليا في تمويل وتسليح جماعات مثل جماعة «الجيش الشعبي»، التي تتكون من طوائف شيعية وعلوية، حسب المسؤولين الأميركيين والشرق أوسطيين. وتتلقى هذه الجماعات تدريبات عسكرية من جانب ضباط في حزب الله والحرس الثوري الإيراني. وفي حين يبدو من الناحية النظرية أن الهدف من إنشاء جماعة «الجيش الشعبي» هو تقديم الدعم للشعب السوري المنهك - وهي جماعة منفصلة عن الشبيحة سيئة السمعة والمعروف عن عناصرها ارتكاب جرائم بشعة ضد المتعاطفين مع الثوار - إلا أنها في الغالب قوة قتالية طائفية يتم الإشراف عليها من قبل قادة إيرانيين وقادة في حزب الله اللبناني.

وقال ديفيد كوهين، وهو وكيل شؤون الإرهاب والاستخبارات المالية في وزارة الخزانة الأميركية: «(جيش الشعب) في الأساس هو عبارة عن مشروع مشترك بين إيران وحزب الله. وفي ضوء القيود الأخرى على الموارد الإيرانية في الوقت الحالي، فمن الواضح أنها جماعة مهمة للغاية تقوم بالحرب بالوكالة لصالح إيران».

وعندما تم فرض عقوبات على تلك الجماعة في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قالت وزارة الخزانة إن إيران قد زودتها بـ«تمويل منتظم تصل قيمته إلى ملايين الدولارات».

وأصدرت وزارة الخزانة بيانا قالت فيه إن قائدا بالحرس الثوري الإيراني قال إن «جيش الشعب» هو «على غرار قوات الباسيج الإيرانية»، التي وصفها بأنها «قوة شبه عسكرية تابعة للحرس الثوري الإيراني والتي شاركت بكثافة في أعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة في إيران منذ الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في يونيو (حزيران) 2009».

وفي ظل الانشقاقات الموجودة في سوريا حاليا، فإن الحلفاء الطبيعيين لطهران يتمثلون في الشيعة والعلويين المتمركزين في مناطق قريبة من الحدود السورية مع لبنان وفي مدينة اللاذقية الساحلية. ويرى المحللون أن السيناريو الأسوأ يتمثل في قيام فلول حكومة الأسد - سواء في وجود الأسد أو بعد رحيله - بإقامة قطاع ساحلي على علاقة وثيقة بإيران، يعتمد على الإيرانيين من أجل البقاء، ويساعد طهران في الوقت نفسه على الاحتفاظ بعلاقتها بحزب الله، وبالتالي نفوذها ضد إسرائيل. وأشار خبراء إلى أن إيران أقل رغبة في الحفاظ على الأسد في السلطة منها في الاحتفاظ بمراكز القوة، التي تشمل محاور النقل داخل سوريا.. فما دام كان بمقدور طهران السيطرة على مطار أو ميناء بحري، فسوف تتمكن أيضا من الاحتفاظ بطريق إمدادات حزب الله خاضعا للسيطرة واستمرار التدخل في السياسة اللبنانية.

وأكد سالم على أن الحفاظ على منطقة مدعومة من إيران على الساحل كان دائما «الخطة ج» أو «الخطة د» لمؤيدي النظام الأساسيين، وقال: «لو سقط كل شيء وخسروا، فهم مستعدون دائما للمنطقة الأكثر تحصينا.. بكل ما يمكنهم جمعه، حتى وإن خسروا دمشق».

وأضاف: «هذا ليس بالضرورة ما يريدونه، فهم يريدون السيطرة على مقاليد كل الأمور، لكن أسوأ السيناريوهات هي إعادة نقل النظام بأكمله إلى الشمال الغربي، ولا يزالون يمتلكون أقوى وحدة (مسلحة) داخل سوريا، تمتلك الكثير من البنية الحالية».

* خدمة «واشنطن بوست»

* خاص بـ«الشرق الأوسط»