إسرائيل توسع بنك أهدافها في سوريا «العاجزة عن الرد»

خبراء: دمشق مستنزفة داخليا.. وإيران لن تهرب إلى حرب لإنقاذ حليفتها

TT

لا تلقى التهديدات الإسرائيلية لضرب سوريا إلا التهديد المقابل من سوريا وحليفيها إيران وحزب الله.. ولا يأتي الرد على الضربات الإسرائيلية لسوريا ومواقع يوجد حزب الله في محيطها في جنوب لبنان، إلا برفع وتيرة التهديد والوعيد الذي يأتي حينا من إيران التي «تهدد من بعيد»، بحسب وصف أستاذ العلاقات الدولية في جامعة «باريس الجنوب» خطار أبو دياب، وحينا آخر من القيادة السورية ومسؤولي حزب الله «العاجزين عن الرد».

ورفعت إسرائيل أمس وتيرة تهديداتها، بتسريب معلومات عن عزمها على ضرب مواقع استراتيجية في سوريا، بعد الضربة الجوية التي نفذتها الطائرات الإسرائيلية على مركز بحثي في ريف دمشق. بنك أهدافها، بحسب ما يقول خبراء: «اتسع في سوريا، ليضاف بعد تهديداتها بالتدخل إلى معلومات أخرى عن عزم تل أبيب تأسيس منطقة أمنية عازلة داخل الأراضي السورية بعمق 10 أميال (16 كيلومتر تقريبا) على الأقل». وستكون تلك المنطقة أشبه بمنطقة الشريط الحدودي التي أسستها في جنوب لبنان بعد تراجعها من مدن الجنوب الرئيسية، وذلك في إطار استعداداتها لمرحلة ما بعد انهيار النظام السوري. وتتخوف إسرائيل من شن هجمات عليها بعد أن تقع مخازن الأسلحة السورية في أيدي الثوار، وهو ما يضع دمشق أمام تحد أمني جديد، يعني، بالعلوم العسكرية، توسع الاحتلال باتجاه المدن السورية المحاذية على مساحة 47 كيلومترا.

غير أن «الاحتفاظ بحق الرد في المكان والزمان المناسبين» الذي أعلنته دمشق عقب الضربة، لا يردع إسرائيل عن تكرارها، على غرار عملياتها العسكرية التي نفذتها ضد أهداف سورية خلال 12 عاما. فقد نفذت إسرائيل سبع عمليات عسكرية وأمنية في سوريا، بدءا من عام 2001 حتى عام 2013، تضاف إليها ردود الجيش الإسرائيلية على سقوط قذائف على هضبة الجولان، بقصف مناطق في العمق السوري.

أما في لبنان، وبعد توقف الأعمال الحربية بين حزب الله وإسرائيل عقب حرب يوليو (تموز) عام 2006، شهد جنوب لبنان حدثين بالغي الخطورة، الأول في شهر يونيو (حزيران) من عام 2010، حين اشتبكت وحدة من الجيش اللبناني مع وحدة إسرائيلية أسفرت عن سقوط قتلى من الطرفين، كما دخلت وحدة من الجيش الإسرائيلي إلى الوزاني في الأول من شهر أغسطس (آب) عام 2011، في انتهاك واضح لقرار مجلس الأمن 1701. فضلا عن الخروقات الأخرى، وتفجير أجهزة تنصت زرعتها إسرائيل داخل لبنان، آخرها قيام الطائرات الإسرائيلية فجر أمس بقصف جهاز بث إلكتروني تابع لحزب الله في منطقة النبطية.

تلك العمليات، لم تزعزع استقرار المنطقة، كما حذر مسؤولون غربيون وروسيون.. ولم يرد حزب الله ولا الحكومة السورية على الانتهاكات، مما يضع تحذيراتهما وتهديداتهما، في الإطار «غير العملي»، بحسب متابعين، أشار أحدهم مقرب من قوى «14 آذار» لـ«الشرق الأوسط» أن «تردي الوضع الأمني في جبهة سوريا الداخلية يجعلها عاجزة عن الرد، فيما يعجز حزب الله عن مواجهة الأفرقاء السياسيين اللبنانيين المطالبين بنزع سلاحه وحصر قرار السلم والحرب بيد الدولة، إذا اتخذ قرارا منفردا بالحرب ضد إسرائيل، فضلا عن انشغال حليفه الاستراتيجي بالقتال ضد المعارضة السورية».

المراقبون يستبعدون اشتعال حرب في المنطقة «لأن النظام السوري لن يرد». ويشير أستاذ العلاقات الدولية في جامعة «باريس الجنوب» الدكتور خطار أبو دياب لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الرئيس السوري بشار الأسد لم ينفذ أيا من تهديداته في الرد بالوقت المناسب، كذلك الأمر بالنسبة لحزب الله».

لكن الجديد بحسب أبو دياب «أن الرد الإيراني جاء مباشرا، إذ قال مساعد رئيس هيئة الأركان العامة للقوات الإيرانية المسلحة مسعود الجزائري كلاما لو دققنا فيه، نفهم أن إيران بدأت تدرك أن هناك نوعا من الخلل الاستراتيجي بعد الضربة الإسرائيلية على سوريا». ويشير إلى أن سوريا «كانت ضمن تقاطع خفي بالمصالح بين طهران وإسرائيل، لكن اليوم إيران مصرة على حماية النظام السوري كونها حليفا استراتيجيا، وجسرا يربطها بالبحر الأبيض المتوسط وحليفها حزب الله».

ويضيف: «من جهتها، اعتادت إسرائيل على العمل مع النظام القائم في دمشق بوصفه عنصرا في المنظومة الإقليمية، ولم تكن مستعجلة لتغييره، لكنها اليوم، خرقت هذا التقاطع في المصالح مع إيران بعملية ضرب المركز البحثي والتي لم تفاجئ المراقب من بعيد، لأن الهدف الإسرائيلي هو حماية المصالح الإسرائيلية بعد ما بات النظام السوري آيلا للسقوط».

ويرى أبو دياب أن إنشاء المنطقة العازلة «يمكن أن تقوم به إسرائيل، كونها تأتي نتيجة لتفاهمات روسية – إسرائيلية، بحكم العلاقة الوطيدة بينهما»، مستبعدا أن يكون إنشاء هذه المنطقة «سببا للحرب مع إسرائيل، لأن سوريا تعلم أن تلك الحرب ستكون الضربة القاضية عليها»، مشيرا إلى أن إسرائيل لن تبادر للحرب «إلا إذا حصل (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو على ضوء أخضر أميركي لتحجيم الملف النووي الإيراني».

ويلتقي الخبير في الملف الإيراني والباحث د. طلال عتريسي مع أبو دياب في استبعاد الحرب في المنطقة. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «أستبعد أن نكون في مناخ الحرب»، مشيرا إلى أن «الاستفزازات الإسرائيلية والضربة على سوريا لها مجموعة أهداف متعلقة بالملف النووي الإيراني والملف السوري»، مشددا على أن إسرائيل «تدفع المنطقة إلى حرب لعرقلة بيئة الحوار»، مشيرا إلى أن إيران «لن تستجيب لتلك الاستفزازات».

إزاء هذا الواقع، ما الذي يدفع إيران لتوجيه تهديدات على أعلى المستويات إلى إسرائيل؟ يقول عتريسي: «التهديدات الإيرانية تهدف إلى ردع إسرائيل عن القيام بضربة أخرى»، مشيرا إلى أن رمزية جليلي في توجيه التهديدات «تعني أن الأمن القومي الإيراني معني بالضربة، ولن نرد الآن، ونحن جديون في توجيه تهديداتنا ردعا لتجاوز الحدود السياسية وقواعد اللعبة».

ويرى عتريسي أن إسرائيل «غير جاهزة الآن للقيام بحرب، كما أن إيران لا يمكنها الهروب إلى حرب لإنقاذ سوريا بعد تبدل المعطيات الميدانية على الأرض، بالإضافة إلى أن سوريا مستنزفة داخليا، مما يمنعها أن تبادر إلى حرب، فضلا عن أن الولايات المتحدة لا تريد أن يتعرض استقرار المنطقة ككل للاهتزاز، لأن الحرب ستمتد إلى كافة دول المنطقة».