تشكيل مجلس للحكماء برئاسة الجبالي في تونس

طابور سياسي وسيناريوهات مختلفة لتركيبة الحكومة التونسية الجديدة

TT

قبل يوم من إعلان حمادي الجبالي عن التركيبة الجديدة للحكومة التونسية، لا تزال أبواب الاحتمالات مشرعة على مصراعيها بين من يدعم مبادرة الجبالي ويصطف وراء دعوته إلى تشكيل حكومة كفاءات وطنية (تكنوقراط)، وبين من يرفض المبادرة ويدعم فكرة الرجوع إلى المجلس التأسيسي في كل الخطوات لمنح الثقة لأعضاء الحكومة الجديدة، ويدعو هذا الشق إلى تشكيل حكومة في إطار التوافق السياسي المفقود منذ أشهر طويلة.

ولا تبدو أحزاب الائتلاف الثلاثي الحاكم الذي قاد البلاد بعد انتخابات المجلس التأسيسي التي جرت في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من سنة 2011 في وضع التوافق حول إدارة المأزق السياسي، فقد خسر كل من حزب المؤتمر والتكتل الجزء الأكبر من أعضائهما في المجلس وهو أحد أهم أدوات التفاوض لديهما خلال السنة الماضية، فحزب المؤتمر من أجل الجمهورية خسر نصف حجمه البرلماني بانقسامه وخروج عبد الرءوف العيادي عنه وتكوين حزب «حركة وفاء»، وغادر قسم كبير من أعضاء التكتل الحزب في اتجاهات سياسية شتى فرضتها «بورصة الانتقال السياسي».

وبدا المشهد السياسي التونسي في وضع اصطفاف بين فريق داعم لحمادي الجبالي يتكون بالأساس من حزب التكتل أحد شريكي حركة النهضة في الائتلاف الثلاثي الحاكم بالإضافة مجموعة من الأحزاب المعارضة التي اعتبرت المبادرة ردا غير مباشر من قبل الجبالي عن دعوتها السابقة إلى تحييد وزارات السيادة التي تحتفظ بها حركة النهضة.

أما الفريق المقابل فقد اصطف لتأكيد معارضته لدعوة الجبالي ويقوده حركة النهضة التي لم تدعم أمينها العام وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي جمد بداية الأسبوع قرار استقالة ممثليه في حكومة الجبالي لمدة أسبوع إضافي، وحزب المؤتمر هو الشريك الثاني لحركة النهضة في إدارة البلاد منذ أكثر من سنة.

وفي هذا الشأن صرحت مية الجريبي الأمينة العامة للحزب الجمهوري (أحد مكونات تحالف الاتحاد من أجل تونس) لـ«الشرق الأوسط» أن مقترح حمادي الجبالي «إيجابي للخروج من الأزمة السياسية التي تعيشها تونس». وأضافت أن المبادرة بإمكانها أن تؤمن الأمن والاستقرار للتونسيين وتحفظ البلاد من منزلقات العنف والإرهاب». ودعت الجريبي من ناحية أخرى إلى تضمين برنامج النقاش حول الحكومة الجديدة التشاور الجدي حول تركيبة حكومة التكنوقراط والمشمولات المنوطة لها والمدة الزمنية المحددة لإدارتها للشأن العام إلى حين تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة.

وتدعم أحزاب سياسية تونسية فكرة حكومة التكنوقراط وتعتبر الحل الأمثل لتمكين المجلس التأسيسي (البرلمان) من فرص صياغة الدستور الجديد وإحداث الهيئات الدستورية والقانون الانتخابي وضبط تاريخ محدد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية. وتوجه الحكومة الجديدة في المقابل اهتماماتها نحو تحقيق أمن التونسيين وإنجاز أكبر قدر من التنمية الاجتماعية والاقتصادية وتشغيل العاطلين عن العمل (قرابة المليون عاطل عن العمل) ومقاومة مظاهر الفساد والحفاظ على القدرة الشرائية لمختلف الفئات الاجتماعية.

وخلافا لموقف الحزب الجمهوري الداعم لمبادرة الجبالي، فقد عبر جلول عزونة الأمين العام للحزب الشعبي للحرية والتقدم أحد الأحزاب المنضمة للجبهة الشعبية التي يتزعمها حمه الهمامي عن معارضته لتشكيل حكومة تكنوقراط وصرح لـ«الشرق الأوسط» بأن المراسلة التي وجهها حمادي الجبالي رئيس الحكومة إلى حزبه للتشاور قد تضمنت عبارة مفادها «أنه قرر كل شيء وسيقرر كل شيء» بشأن التركيبة الحكومية. وأضاف أن تلك العبارة قد أكدت أن الحوار قد اعتمد بصفة مسبقة على الإملاءات وأن الحكومة المقبلة «مفروضة من فوق» وهذا مناف على حد قوله لشروط التحاور.

ولم تجد مبادرة الجبالي دعما مطلقا من قبل الكثير من الأطراف السياسية بسبب طغيان الحسابات السياسية والانتخابية على مواقف تلك الأحزاب، ويفتح الوضع السياسي الحالي بعد الفشل في إجراء تعديل وزاري ظل معلقا لمدة فاقت السبعة أشهر، على عدة احتمالات هي بمثابة السيناريوهات الممكنة أمام الجبالي وبقية مكونات المجتمع المدني.

ففي صورة تمسك حمادي الجبالي رئيس الحكومة الحالية (الأمين العام لحركة النهضة حزب الأغلبية في المجلس التأسيسي - البرلمان - 89عضوا من بين 217، فإن عودته إلى المجلس التأسيسي قد تغير الكثير من المعادلات من بينها ذهاب الجبالي نحو تشكيل أغلبية جديدة داخل المجلس التأسيسي (البرلمان) وانضمام أطراف سياسية جديدة إلى مبادرته السياسية وهو ما من شان الجبالي أن يربح الرهان ويحظى بمصادقة المجلس التأسيسي (البرلمان) على مبادرته تلك، وهذا سيناريو أول وارد وقد يجد الجبالي نفسه مجبرا على تحمله لتمرير حكومة الكفاءات أو «التكنوقراط» التي دعا لها وعارض من خلالها قيادات حركة النهضة.

أما السيناريو الثاني فهو يتضمن إسقاط مبادرة الجبالي وفشلها في الحصول على أغلبية الأصوات داخل المجلس التأسيسي وهو ما يعني المحافظة على نفس التوازنات داخل المجلس التأسيسي وهذا يقود الجبالي إلى تقديم استقالته إلى رئيس الجمهورية المنصف المروزوقي.

ويطرح للغرض سيناريو ثالث وهو أن تتشكل أغلبية جديدة داخل المجلس التأسيسي بعيدا عن أعضاء الائتلاف الثلاثي الحاكم، وأن تعمل على سحب الثقة من حمادي الجبالي رئيس الحكومة التونسية الحالية على أن تنهار تلك الأغلبية بانسحاب طرف سياسي منها وهو ما يقود إلى إفشال مبادرة الجبالي.

وفي هذا الشأن صرح قيس سعيد الخبير التونسي في القانون الدستوري لـ«الشرق الأوسط» بأن رفض حركة النهضة لمبادرة الجبالي ستكون ذات انعكاسات وتداعيات على الحركة نفسها وقد تجرها إلى انقسامات وانشقاقات داخلية خلال الفترة المقبلة، وقال أيضا إن علاقاتها مع بقية الأحزاب السياسية قد تبقى بدورها مفتوحة على كل الاحتمالات، ودعا إلى مراجعة فورية للقانون المؤقت المنظم للسلطة العمومية وذلك بنية إدخال مرونة أكبر على تشكيل الحكومة بالإضافة لتحديد المدة القصوى لعمل المجلس التأسيسي (البرلمان).

وفي كل هذه الحالات يبقى حمادي الجبالي مخيرا بين تقديم الاستقالة وهذا أمر وارد، ومهددا في المقابل بسحب الثقة منه وكل ذلك مرتبط بمواقف أعضاء المجلس التأسيسي (البرلمان). وفي صورة سحب الثقة منه أو عدم تزكية التشكيلة الحكومية التي سيقترحها، فإن لرئيس الجمهورية الصلاحيات الدستورية التي تدعو حزب الأغلبية وهو حركة النهضة في هذه الحالة إلى ترشيح شخصية أخرى لتشكيل حكومة جديدة وفي هذه الحال بإمكان حركة النهضة أن تجدد ثقتها في الجبالي ولكن عبر مجموعة من الشروط التي قد تفرضها على أمينها العام.