نازحون سوريون يشتكون من استغلالهم في لبنان برواتب زهيدة

يعملون في ميادين صناعية وتجارية.. ومفوضية اللاجئين تقدر عددهم بنحو 265 ألفا

TT

لا يكترث سليمان، 40 عاما، لساعات العمل الطويلة التي يقضيها يوميا في بقالة بمنطقة الحمراء في بيروت، فالراتب الذي يحصل عليه شهريا «كفيل بأن يؤمن أجرة المنزل الذي أقطن فيه، وبدل تنقلاتي اليومية».

منذ وصوله إلى بيروت قبل ثلاثة أشهر، هربا من القتال الذي دار على تخوم مخيم اليرموك في سوريا، بحث سليمان عن عمل يوفر له «ما يسد الرمق»، بعدما فشل في الحصول على مساعدات تؤهله للقيام بواجباته تجاه عائلته. ولم يجد أفضل من الفرصة التي حصل عليها «كون هذه المهنة هي مهنتي في الأساس، حيث كنت مديرا لميني ماركت في سوريا»، رغم أن الراتب الذي يتقاضاه (500 دولار أميركي) ينتهي فور قبضه. ويوضح سليمان أنه يدفع 350 دولار من راتبه بدل إيجار منزل، فيما يخصص الباقي لدفع بدل تنقلاته من منطقة الأوزاعي إلى الحمراء ذهابا وإيابا. وأبقى ولده الوحيد المصاب بمرض التوحد من غير دواء ولا عناية «لأنني عاجز عن توفير دوائه، وعن وضعه في مدرسة متخصصة نظرا لأن تكلفتها، كما أبلغتني إحداها، تصل إلى 10 آلاف دولار».

وينسحب واقع سليمان على عدد كبير من النازحين السوريين الذين اكتسحوا سوق العمل اللبناني منذ أربعة أشهر، حيث يعمل هؤلاء في ميادين صناعية وتجارية بسيطة، مقابل أجر زهيد يعادل نصف ما يتقاضاه اللبناني في المكان نفسه، رغم أن مهارات السوريين تتخطى بعضها مهارات اللبنانيين، ويجيد بعضهم التحدث بلغات أجنبية، فوجدوا وظائف في مواقع سياحية وتجارية كبيرة. وتوفر تلك العائدات البسيطة جزءا يسيرا مما يحتاجه هؤلاء للإقامة في منازل تستوفي شروط العيش الكريم، بعدما فشلت الحكومة اللبنانية والجمعيات المعنية بإغاثتهم.. إلا بالقليل.

ويبحث معظم أفراد الأسر النازحة من سوريا عن عمل في لبنان، حتى لو كان بسيطا ولا تكفي أجرته لتناول الطعام. يقول الطفل عبد الله 13 عاما، النازح من ريف حلب، إن الإيجار الذي يتقاضاه من عمله في مصنع للخياطة في ضاحية بيروت الجنوبية، لا يكفي ثمن الخبز: «لكنه كفيل بأن يساعد والدي لتلبية احتياجات العائلة». ويشير إلى أن العائلة: «تقيم في منزل منخفض، عبارة عن مستودع صغير ومفتوح، مقابل إيجار 200 دولار شهريا». ويعمل عبد الله، إلى جانب شقيقتيه ووالده، مقابل رواتب زهيدة بغية تلبية احتياجاتهم من مأوى وغذاء وطبابة.

وهذا يجعل الصناعيين اللبنانيين والتجار على الاعتماد على النازحين والنازحات السوريات، بسبب انخفاض أجورهم. ففي أحد المخابز في لبنان، تم توظيف ما يزيد على 15 فتاة سورية لبيع الخبز والحلويات في الصالة، مقابل راتب لا يتعدى الـ260 دولارا شهريا. وتتكرر الصورة في متاجر بيع الملابس، وفي المطاعم ومراكز التسوق في لبنان. أما سائقو حافلات الركاب الصغيرة، فباتوا يستعينون بسائقين سوريين، يتقاضون بدلا يوميا يصل إلى 25 ألف ليرة لبنانية (17 دولارا) مقابل العمل 12 ساعة على الخطوط التي تربط بيروت بالضواحي.

ويلقي النازحون السوريون مسؤولية تردي أوضاعهم الإنسانية، واضطرارهم للعمل بأجرة زهيدة، على الجهات الموكلة بإغاثتهم. وتقول سارة التي تعمل في متجر لبيع الحلويات: «في ظل التقصير الرسمي، والمحسوبيات في توزيع المعونات الإغاثية بين المناطق، نضطر للقبول بأي فرصة عمل مقابل الحصول على راتب مهما كان بسيطا». وتشير إلى أن «حاجتنا تحتم علينا عدم تضييع الفرص، لأن البديل موجود». وتتقاضى سارة مائة ألف ليرة أسبوعيا (65 دولارا)، تُضاف إلى ما يحصّله والدها وهو 100 دولار: «تكفي لشراء الطعام ودفع إيجار الغرفة التي نسكنها». وتشكو، مثل معظم النازحين، من سوء التقديمات.

وتخطى عدد النازحين السوريين في لبنان مطلع هذا الأسبوع الـ265 ألف نازح، بحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي أوضحت في تقريرها الأسبوعي أن أكثر من 265 ألفا و308 لاجئين سوريين يتلقون الحماية والمساعدة من الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الشريكة.

وذكرت المفوضية أن من بين هؤلاء نحو 174 ألف نازح مسجل لدى المفوضية، بالإضافة إلى ما يزيد عن 90 ألف شخص في انتظار حلول موعد تسجيلهم ولا تزال وتيرة اللاجئين الذين يدخلون لبنان ثابتة نسبيا مع استمرار الغالبية بالوصول من حمص وإدلب ودمشق وحلب.

ويتوزع النازحون المسجلون حاليا على شمال لبنان وعددهم 84 ألفا و482 والبقاع 66 ألفا و601 وبيروت وجنوب لبنان 23 ألفا و379 نازحا.

ولفت التقرير إلى أن المفوضية حاليا تسجل ما يقارب 2000 لاجئ يوميا من خلال مراكز التسجيل الأربعة التابعة لها في سائر أنحاء البلاد مقابل 1500 شخص كان يتم تسجيلهم يوميا في أوائل شهر يناير (كانون الثاني) الماضي.