إدانات دولية واسعة للتجربة النووية.. وبيونغ يانغ: لن نذعن لأي قرارات

بكين تستدعي السفير.. وواشنطن تهدد «بتعزيز الضغوط» ضد كوريا الشمالية

كوريون شماليون يشاهدون خبر الإعلان عن إجراء تجربة نووية، على شاشة عملاقة أمام محطة القطار في العاصمة بيونغ يانغ أمس (أ.ب)
TT

دان المجتمع الدولي برمته وفي مقدمته الولايات المتحدة والأمم المتحدة وحتى الصين التي استدعت السفير الكوري الشمالي، التجربة النووية الثالثة التي قامت بها بيونغ يانغ باعتبارها «استفزازا» يشكل خطرا على الأمن الإقليمي وينتهك قرارات مجلس الأمن ويستحق بالنسبة لكثيرين «عقوبات».

فقد دان مجلس الأمن الدولي «بشدة» التجربة النووية، مؤكدا أنه سيبدأ العمل «فورا» على وضع إجراءات جديدة ضد بيونغ يانغ. وجاء في بيان المجلس الذي قرأه وزير خارجية كوريا الجنوبية كيم سونغ هوان عقب اجتماع مغلق، أن التفجير الذي أجرته بيونغ يانع يشكل «تهديدا واضحا للسلام والأمن الدوليين».

ودعا الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي ندد بسرعة بتجربة نووية «استفزازية» إلى تحرك «سريع» و«ذي صدقية» من المجتمع الدولي وقال: إن «الولايات المتحدة ستواصل اتخاذ الخطوات الضرورية لحماية أنفسنا وحماية حلفائنا. وسوف نعزز التنسيق الوثيق مع حلفائنا وشركائنا». وبدورها، قالت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة سوزان رايس إن كوريا الشمالية ستواجه «عزلة وضغوطا متزايدة» بسبب إجرائها تجربة نووية ثالثة، وأكدت أنه «لن يتم التساهل» مع أعمال كوريا الشمالية. كما اعتبر وزير الدفاع الأميركي المنتهية ولايته ليون بانيتا أن كوريا الشمالية تشكل «تهديدا خطيرا للولايات المتحدة وعلينا الاستعداد لذلك». وشاطره الرأي الأمين للأمم المتحدة بان كي مون الذي اعتبر التجربة النووية «مزعزعة للاستقرار بشكل كبير» و«أنها انتهاك واضح وخطير لقرارات مجلس الأمن».

ومن جهتها، استدعت الصين سفير بيونغ يانغ لديها للاحتجاج على التجربة النووية، بعدما عبرت عن «معارضتها الحازمة» لها. وقالت وزارة الخارجية الصينية في بيان على موقعها على الإنترنت إنها استدعت سفير كوريا الشمالية في الصين حيث أعرب له وزير الخارجية يانغ جيشي عن «استياء بكين الشديد ومعارضتها الحازمة» للتجربة. وأضاف البيان «نحن ندعو كوريا الشمالية وبشدة إلى التمسك بالتزامها بنزع الأسلحة النووية وعدم القيام بأي عمل من شأنه أن يؤدي إلى تدهور الوضع». ولم يتضمن البيان أي تهديد بفرض عقوبات أو القيام بأعمال انتقامية ضد بيونغ يانغ، وجاء فيه أن «الحكومة الصينية تدعو جميع الأطراف إلى الرد بهدوء وحل مشكلة نزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية عبر الحوار والتشاور في إطار المحادثات السداسية». وتعد الصين أهم حليف لكوريا الشمالية وتقيم علاقات تجارية معها وتمدها بالمساعدات ومكنتها من الصمود عقودا بعد انتهاء الحرب الكورية. وكان الإعلام الصيني دعا إلى التعامل بحزم مع بيونغ يانغ قبل التجربة.

وحتى إيران التي يتهمها الغربيون بصنع السلاح الذري رغم نفيها لذلك، فإنها انتقدت التجربة الكورية الشمالية معتبرة أنه يجب «ألا تملك أي دولة» السلاح الذري، وأن يكون «في الوقت نفسه لكل البلدان الحق في استعمال الطاقة النووية سلميا» على ما أفاد الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمان باراست. ونددت كل من موسكو وطوكيو بـ«انتهاك» قرارات الأمم المتحدة. ودعت روسيا، كوريا الشمالية إلى وقف «أنشطتها غير المشروعة». كما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن التجربة النووية التي قامت بها كوريا الشمالية يجب أن تحظى بـ«رد مناسب» من قبل مجلس الأمن الدولي.

من جهته أعلن رئيس وزراء اليابان شينزو آبي أن التجربة النووية تشكل «خطرا كبيرا على سلامة بلادنا وتحديا كبيرا» لتدابير نزع الأسلحة النووية ومنع انتشارها مؤكدا أنه «لا يمكن السماح بها» وأنها «مؤسفة جدا».

من جانبها اعتبرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي رفضت السلطات الكورية الشمالية استقبال مفتشيها وطردتهم من موقع يونغبيون سنة 2009، أن التجربة «مؤسفة جدا» وأنها «انتهاك فاضح لقرارات مجلس الأمن». ودان حلف شمال الأطلسي «عملا غير مسؤول» ويشكل «تحديا لمجلس الأمن الدولي والمجموعة الدولية». وتوعد الاتحاد الأوروبي «برد حازم» على «التحدي الواضح» الكوري الشمالي. وفي لندن دان وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ «استفزازات متكررة» معربا عن أمله في «رد قوي» من الأمم المتحدة. كما دان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند «بأشد الإدانة» التجربة النووية الجديدة مؤكدا أن «فرنسا ستدعم تحركا صارما في مجلس الأمن الدولي» بينما دعا وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي إلى عقوبات جديدة. وأعرب عن الأمل في بحث هذه المسألة الاثنين المقبل خلال لقاء وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وفي منطقة آسيا المحيط الهادي تحدثت الهند عن «موضوع يثير قلقا كبيرا» بينما نددت كل من أستراليا والفلبين وتايوان بالتجربة. واقترحت سويسرا التي تقيم علاقة خاصة مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون الذي درس في برن: «المساهمة في مساعي السلام في شبه الجزيرة الكورية». ونددت الحكومة الإيطالية بـ«الانتهاك المتكرر» لالتزامات بيونغ يانغ.

وأمام هذه الإدانات، أكدت كوريا الشمالية أمس أنها لن تذعن لأي قرارات دولية «غير منطقية» ضد برنامجها للأسلحة النووية، مشددة على أن احتمالات نزع الأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية تتدهور في وجه العداء الأميركي. وصرح جون يونغ ريونغ السكرتير الأول لبعثة كوريا الشمالية في جنيف أمام منتدى الأمم المتحدة في جنيف أن «الولايات المتحدة وأتباعها مخطئون بشكل محزن إذا ظنوا أن كوريا الشمالية ستقبل بالقرارات غير المنطقية تماما ضدها». وأضاف أن «كوريا الشمالية لن تقيدها أبدا أي قرارات».

وأشاد جون بالتجربة النووية التي أجرتها بلاده أمس قائلا: إنها جرت بطريقة «آمنة وممتازة» مؤكدا أنها «جزء من إجراءات عملية للدفاع عن أمن وسيادة البلاد في مواجهة العمل العدائي الضاري الذي تشنه الولايات المتحدة». وقال: إن التجربة «ستشجع جيش وشعب كوريا الشمالية بشكل كبير في جهودهم لبناء دولة قوية.. ويقدم فرصة مهمة لضمان السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية والمنطقة».

وفيما يتعلق بالجهود الدبلوماسية لوقف سباق التسلح، أكد جون أن «احتمال نزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية أصبح أكثر قتامة بسبب السياسات الأميركية العدائية تجاه كوريا الشمالية والتي باتت أكثر وضوحا».

وقالت كوريا الشمالية إن تجربتها النووية الثالثة أمس كانت لها «قوة تفجيرية أكبر» من تجربتي 2006 و2009، وقالت: إنها استخدمت شحنة نووية «متناهية الصغر» وخفيفة، مشيرة إلى أنها استخدمت البلوتونيوم مجددا وهو أكثر ملاءمة للاستخدام كرأس حربية توضع على الصواريخ. وأعلنت وكالة الأنباء الكورية الشمالية الرسمية أمس أنه «تم إجراء تجربة نووية ثالثة بنجاح» موضحة أن «هذه التجربة النووية العالية المستوى اتسمت خلافا للتجربتين الماضيتين بقوة تفجير أكبر واستخدمت قنبلة مصغرة أقل وزنا». وقدرت سيول ما بين 6 و7 كيلو/طن قوة الانفجار الذي نتج عن التجربة النووية في شمال شرقي كوريا الشمالية، مقابل كيلو/طن واحد لتجربة عام 2006 وما بين 2 و5 كيلو/طن لتجربة عام 2009، أما القنبلة الذرية التي ألقاها الأميركيون على هيروشيما، فبلغت قوتها 15 كيلو/طن.

وأوضحت كوريا الشمالية أن «التجربة النووية جرت في إطار تدابير تهدف إلى حماية أمننا القومي وسيادتنا من العداء المتواصل من جانب الولايات المتحدة التي انتهكت حق جمهوريتنا في القيام بعمليات سلمية لإطلاق أقمار صناعية».

وأشار محللون إلى أن التجربة جرت قبل ساعات من خطاب أوباما حول حال الاتحاد. وقال ماساو اوكونوغي الأستاذ في جامعة كيو في اليابان إن «تكتيك (كوريا الشمالية) يقضي بإثارة وضع أزمة وحض الأسرة الدولية على التفاوض معها». وتابع أن الشمال «لن يتوقف عند هذا الحد بالتأكيد وسيجعل هذه الأزمة النووية تستمر حتى يوليو (تموز)» عند احتفال واشنطن بالذكرى الستين لوقف إطلاق النار في الحرب الكورية (1950 - 1953). ورأى أن بيونغ يانغ تسعى لتحويل اتفاق وقف إطلاق النار إلى معاهدة سلام لم يتم التوصل إليها منذ ستين عاما.

وأسفرت التجربة النووية أمس عن هزة قدرت قوتها بين 4.9 و5.1 درجات في الساعة. وكان مركزها في منطقة كيلجو (شمال شرق) حيث موقع بونغيي - ري الذي يستخدمه الشمال في تجاربه النووية.