مجلس الحكماء بتونس.. كيان غير دستوري اعتمد مبدأ «الترضية»

قيادي في «النهضة»: قراراته لن تجد صداها إلا من خلال الأحزاب السياسية

TT

لم يسلم اقتراح حمادي الجبالي رئيس الحكومة التونسية المتعلق بتشكيل مجلس للحكماء من الانتقادات، وذلك على أثر الإعلان عن تركيبة المجلس وتحديد القائمة النهائية بنحو 16 شخصية وطنية. ويتولى هذا المجلس «تقدير الوضع الحالي للبلاد والعمل على تشخيص الدّاء وتقديم المقترحات التي تكفل الخروج من الأزمة القائمة» وذلك على أثر فشل الائتلاف الثلاثي الحاكم وأحزاب المعارضة في الاتفاق حول إجراء تعديل وزاري على الحكومة.

ولئن أعلن الجبالي رئيس المجلس عن احتلال مواقف تلك الشخصيات الوطنية موقعا فوق المواقف الحزبية، فإن ذلك لم يمنع بعض الأطياف السياسية من توجيه انتقادات إلى تركيبة المجلس ودوره التاريخي في الخروج بتونس من أزمتها السياسية الحالية. وانتقد الحزب الجمهوري الذي تتزعمه مي الجريبي تشكيل الجبالي لمجلس الحكماء بمفرده وانضمام نائب رئيس حركة النهضة إلى التركيبة وهو ما يتنافى ومبدأ الحياد تجاه الانتماءات السياسية.

ويضم مجلس الحكماء حسب التركيبة التي تم الإعلان عنها، أهم الشخصيات التي لم تتخذ مواقف متشددة تجاه ما جرى في تونس بعد سنتين من الثورة، فالبعض منها انتمى خلال فترة ما بعد الاستقلال إلى حكومة الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، والبعض الآخر من ذوي الميولات الإسلامية وخاصة ما كان يعرف بـ«اليسار الإسلامي» إلى جانب خبراء في مجال القانون الدستوري وبعض الخبراء في المجال المالي والعسكري.

ويعتبر مجلس الحكماء هيكلا غير دستوري إذ لم يقر أي نص قانوني الالتجاء إلى هذا المجلس في صورة التأزم السياسي، كما أنه لم يخضع لمبدأ الانتخابات. ويضم مجلس الحكماء تركيبة فسيفسائية من الشخصيات التي يغلب عليها الاعتدال السياسي والتجربة السياسية الطويلة بالنسبة للكثير منهم. فأحمد المستيري قاد أول انشقاق سياسي في الحزب الاشتراكي الدستوري الحزب الحاكم في عهد بورقيبة وأسس أول حزب سياسي قانوني تحت اسم «حركة الاشتراكيين الديمقراطيين» وهو من أبناء «المدرسة البورقيبية»، كما لعب مصطفى الفيلالي دورا هاما في معارضة النظام الحاكم في عهد بورقيبة.

أما بالنسبة لخبراء القانون الدستوري فإن القائمة تضم عياض بن عاشور الذي يبدو أنه أول من أشار إلى حمادي الجبالي بإمكانية إجراء تعديل وزاري دون الرجوع إلى المجلس التأسيسي (البرلمان) إلى جانب قيس سعيد. وارتكز حمادي الجبالي في اختياره للشخصيات الوطنية المكونة لمجلس الحكماء على الجناح المعتدل في التيار الإسلامي وتضم القائمة صلاح الدين الجورشي واحميدة النيفر وبن عيسى الدمني وأبو يعرب المرزوقي (شغل خطة المستشار الثقافي للرئيس المنصف المرزوقي) بالإضافة إلى عبد الفتاح مورو نائب رئيس حركة النهضة.

ويعتبر منصور معلى من الخبراء الاقتصاديين المهمين في عهد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة وهو يحتفظ بخبرة هامة في إدارة الملفات المالية والاقتصادية. وقد شغل في السابق خطة محافظ البنك المركزي التونسي. وأدرج الجبالي ضمن قائمة مجلس الحكماء فتحي التوزري الذي انتمى في السابق إلى الحزب الديمقراطي التقدمي الذي تزعمه لسنوات أحمد نجيب الشابي وكان التوزري من بين المرشحين للدخول في تركيبة حكومة الجبالي (كاتب دولة لدى وزير الشباب والرياضة) عند الحديث عن التعديل الوزاري.

ولم تتخلف المؤسسة العسكرية عن تركيبة مجلس الحكماء، وذلك بحضور رشيد عمار رئيس أركان الجيوش التونسية، وضمت القائمة كذلك عبد الجليل التميمي وهو أستاذ جامعي مختص في البحوث الموريسكية (الأندلسية) وهشام جعيط رئيس مجمع «بيت الحكمة». وأثار تعيين حمودة بن سلامة الذي انتمى إلى حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل وشغل خطة وزير الشباب والرياضة في عهد بن علي، تساؤلات عديدة وانتقادات لاختيارات حمادي الجبالي، إلا أن محللين سياسيين رأوا في تعيين حمودة بن سلامة إرضاء لشق المنتسبين للتجمع المنحل.

يذكر أن اللّقاء الأولي الذي عقده مجلس الحكماء أول من أمس قد دعا إلى تحديد تاريخ إنهاء كتابة الدّستور الجديد وإجراء الانتخابات البرلمانية وهما من بين أهم المطالب التي ركز عليها حمادي الجبالي خلال خطاباته السياسية الأخيرة.

في غضون ذلك، قال فيصل نصر القيادي في حركة النهضة إنه يمكن القبول بحكومة مختلطة كحل للأزمة السياسية التي تمر بها تونس بعد انقسام الساحة السياسية بين مؤيد لدعوة حمادي الجبالي لتشكيل حكومة تكنوقراط، ورافض للدعوة ومتشبث بشرعية الانتخابات. وقلل نصر من أهمية القرارات التي سيتخذها مجلس الحكماء، وقال إنها لن تجد صداها إلا من خلال مواقف الأحزاب السياسية وهو ما يعني عمليا عدم القدرة على تشكيل حكومة بعيدا عن تلك الأحزاب.

وصرح لـ«الشرق الأوسط» أن الحل أمام حمادي الجبالي هو التوجه نحو تشكيل حكومة ائتلافية تختلط فيها الكفاءات الفنية والتقنية مع الكفاءات السياسية. واقترح نصر أن تلجأ حكومة حمادي الجبالي المقبلة إلى حل مشاكل اختيار الكفاءات من «التكنوقراط» عبر الرجوع إلى الأحزاب السياسية المكونة للمشهد السياسي فهي التي بإمكانها أن ترشح كفاءات من داخل إطاراتها. وقال إن الحكومة المختلطة تعني كذلك تشكيلة حكومية ينضم لها وزراء لا انتماءات سياسية لهم في وزارات فنية وتقنية، ولكنهم مجبرون على العمل جنبا إلى جنب مع وزراء لهم خلفيات سياسية ولهم القدرة على إدارة المرحلة السياسية بما فيها من عدالة انتقالية ومحاسبة لرموز النظام السابق.

وأشار نصر إلى المأزق السياسي الذي تردت إليه التجربة الديمقراطية في تونس بابتعاد معظم الأحزاب السياسية وخاصة تلك التي اختارت صف المعارضة، عن الحوار السياسي والاستفادة من كل الخبرات. وقال إن قيادات حركة النهضة غير مرتاحة ومطمئنة لما آل إليه الوضع السياسي الحالي بعد مرور أكثر من سنتين عن الإطاحة بنظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي.

وقال أيضا إن حركة النهضة لا تنظر بعين الراحة إلى دعوة ابنها حمادي الجبالي بتشكيل حكومة «تكنوقراط» وقد أبدت استغرابها في البداية ولكنها عادت لدراسة الوضع السياسي خاصة بعد حدوث أول عملية اغتيال سياسي. واعتبر أن توافق دعوة الجبالي إلى حكومة التكنوقراط والإعلان ضمنيا عن فشل التعديل الوزاري، مع اغتيال المناضل الحقوقي شكري بلعيد، أكد لجميع التونسيين أن الجبالي تصرف كمسؤول وكرجل دولة في ظل التأزم الأمني والمأزق السياسي الذي تردى فيه المشهد السياسي ككل على حد قوله.

وقال إن ذهاب الجبالي إلى حكومة «التكنوقراط» بعيدا عن منطق المحاصصة الحزبية وتمسك كل طرف سياسي بمركزه السياسي، كان من بين الحلول القصوى التي غالبا ما يلجأ لها السياسيون عندما ييأسون من الحوار. وأشار إلى أن مبادرة الجبالي كانت ضمن باب التفاعل الطبيعي مع الأحداث. واستدرك ليشير إلى أن قاعدة الوفاق الوطني هي التي ستسود في النهاية لأن الحكومة القادمة التي سيكون عمرها قصيرا لا بد أن تبنى على التوافق بين كل الأطراف على حد تعبيره.

وحول مجلس الحكماء الذي أسسه الجبالي وحدود تدخله في تشكيل المشهد السياسي، قال فيصل نصر في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن الأمر يصب في إطار تدعيم الحوار السياسي. واعتبر أن الخطوة النهائية ستكون بالعودة إلى التشاور مع الأحزاب السياسية وأن حزب الأغلبية في آخر انتخابات سياسية (حركة النهضة في واقع الحال)، ستعود إليه الكلمة النهائية في تركيبة الحكومة الجديدة وذلك وفقا للقانون المنظم للسلطات العمومية.

ويتوقع المراقبون أن تنظم «النهضة» مليونية السبت المقبل بعد دعوات من عدة أطراف منهم محمد العكروت نائب رئيس حزب حركة النهضة وعضو مكتبها التنفيذي، والذي دعا إلى تجمع كبير بعد غد السبت دفاعا عن «شرعية» حكم الإسلاميين في وقت يستعد فيه رئيس الحكومة حمادي الجبالي وهو أيضا أمين عام حزب النهضة، للإعلان عن حكومة كفاءات غير متحزبة، رغم معارضة حزبه، لإخراج البلاد من أزمة سياسية أججها اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد. وقال في شريط فيدو بثته الحركة على صفحتها الرسمية على «فيس بوك»: «ندعوكم بكل إلحاح إلى حضور هذا التجمع الشعبي». يحدد العكروت، المحسوب على الجناح المتشدد في النهضة، مكان التظاهر، فيما قالت صفحات «فيس بوك» موالية للنهضة إنه سيكون في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي وسط العاصمة تونس. وأضاف العكروت: «هذا التجمع نريد أن نوجه من خلاله رسالة إلى كل أبناء الشعب التونسي بمختلف أعمارهم وبمختلف أطيافهم من جمعيات وأحزاب سياسية وكل الأطراف التي يعنيها أن تنتصر هذه الثورة المباركة»، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.