انتحار عميل موساد أسترالي الأصل في زنزانة إسرائيلية يتحول إلى فضيحة عالمية

نتنياهو يطلب من وسائل الإعلام عدم نشر أي أخبار عن قضيته

TT

تحول انتحار العميل الأسترالي في جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي (الموساد) إلى فضيحة عالمية. وأعرب الكثير عن خشيته من أن تؤدي هذه القضية إلى مشكلة داخلية للحكومة الأسترالية أو إلى أزمة في العلاقات بين البلدين، بينما حذرت أوساط سياسية في إسرائيل عن قلقها من قدرة الموساد على إسكات وسائل الإعلام الإسرائيلية إزاء هذه الفضيحة طيلة أكثر من سنتين، خصوصا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حاول بنفسه أول من أمس التغطية على الموضوع ومنع النشر عنه.

وكان ثلاثة نواب في البرلمان الإسرائيلي، هم: أحمد الطيبي، رئيس الحركة العربية للتغيير، ودوف حنين، النائب عن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وزهافا غلأون، رئيسة حزب ميرتس اليساري، قد استغلوا حصانتهم البرلمانية وحقهم في استجواب وزير القضاء، يعقوب نئمان، وفجروا هذه الفضيحة. وشن وزير الخارجية السابق ورئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، هجوما عليهم بسبب ذلك، وخص النائب العربي بينهم، أحمد الطيبي، باتهامه بأنه «يتضامن مع منظمات إرهابية ويمثلها في الكنيست بشكل واضح، ويحاول المس بأمن إسرائيل ومخالفة قوانين حظر الرقابة». وأضاف ليبرمان: «خلال حرب لبنان وخلال الحرب على غزة تضامن الطيبي مع حزب الله ومع حماس، وكلما سنحت له فرصة لإلحاق الضرر بأمن إسرائيل فإنه لا يفوتها، ويحاول تجاوز ذلك بواسطة استجواب لوزير واستغلال حصانته البرلمانية، ولدى الكنيست آليات ووسائل للتعامل معه مثل لجنة الكنيست ولجنة سلوكيات المهنة».

وكان الطيبي قد سأل الوزير إذا كان يؤكد أو ينفي المعلومة بأن مواطنا أستراليا كان معتقلا في السجن وانتحر. وسألته غلأون وكذلك النائب حنين عن الطريقة التي تم بها منع النشر حول الموضوع، فتهرب الوزير بالقول إن موضوعا كهذا «يخص وزارة الأمن الداخلي وإن من المقرر أن يأتي وزير الأمن الداخلي، يتسحاق أهرنوفتش، إلى الكنيست غدا (أمس) للإدلاء ببيان لتلخيص عمل وزارته ويمكن استجوابه في الموضوع»، بيد أن الوزير أهرنوفتش ألغى ظهوره أمام الكنيست بشكل مفاجئ.

وتبين أن رئيس الحكومة، نتنياهو، حاول من جهته أن يسكت الموضوع ويمنع وسائل الإعلام من النشر. فاستدعى على عجل رؤساء التحرير في جميع وسائل الإعلام العبرية وحاول إفهامهم أن هناك قضية أمنية خطيرة متعلقة بالموضوع وطلب منهم عدم النشر. ولكن وسائل الإعلام لم تنصَع للطلب. وأكد رؤساء التحرير أن طلب نتنياهو غير منطقي لأن استجوابات النواب الثلاثة قدمت خلال البث المباشر لأعمال الكنيست. واحتل الموضوع عناوين الأخبار في إسرائيل منذ تلك اللحظة.

ورد النائب الطيبي على هجوم ليبرمان قائلا: «الاستجواب جزء أساسي من عملي كنائب يريد توجيه سؤال لوزير، وما زلت أنتظر جوابا على سؤالي في هذه القضية التي تشمل دور الصحافة، واعتقال المواطنين، وإخفاء هوياتهم، وانتحار سجين، وهي قضايا ذات قيمة عليا. فالاعتقال السري غير مقبول لدينا. نحن ندافع عن حق كل عائلة بأن تعرف أين ابنها معتقل، وهل قدم للمحاكمة أم لا، ومن الضروري أن يعرف الجمهور حول المعتقل بما في ذلك اسمه الحقيقي وليس الاسم المستعار، وهل تمت محاكمته بشكل نزيه. سؤالنا ما زال مطروحا والجواب يجب أن تقدمه الحكومة وجميع الأطراف الرسمية ذات الشأن».

* بداية القصة

* كان لافتا للنظر أن الحكومة الإسرائيلية التزمت الصمت إزاء القضية ورفض الناطقون بلسانها التطرق إليها بأي رد فعل. ولذلك فإن المعلومات الأساسية فيها اعتمدت على تقرير أعده الصحافي الأسترالي، تربور بورمان، مراسل الشؤون الخارجية في شبكة «إي بي سي» الأسترالية للأنباء. واتضح مما نشر أن السجين الأمني الذي أقدم على الانتحار في سجن «أيالون» الإسرائيلي عام 2010 هو «بن زايغر»، أو «بن ألون»، وهو الاسم الذي تبناه بعد وصوله إلى إسرائيل قبل عشر سنوات، أو باسمه الوارد في جواز سفره الأسترالي «بن ألن»، وهو من عناصر الموساد الإسرائيلي للاستخبارات والمهمات الخاصة.

وبن زايغر من مواليد أستراليا، سنة 1976. هاجر إلى إسرائيل عندما بلغ العشرين من العمر. وتجند للجيش الإسرائيلي. ثم تم تجنيده للعمل في الموساد. وتزوج سنة 2001 بمواطنة إسرائيلية وأصبح لهما ثلاثة أطفال. واختفى أثره في مطلع عام 2010، لكن ذويه في أستراليا لم يقلقوا وحسبوا أنه يقوم بمهمة عادية من مهامه في الموساد. ولكن في 15 ديسمبر (كانون الأول) من تلك السنة عثر عليه مشنوقا في الزنزانة الانفرادية التي أقام فيها في القسم الـ15 المعروف بأنه الأكثر تحصينا في سجن أيلون في إسرائيل. وبعد أسبوع نقلت جثته بعد الانتحار للدفن في مالبورن.

وهنا جرى طرح عدة تساؤلات، أبرزها: كيف تحول عميل الموساد إلى سجين أمني؟ ما الذي فعله؟ فالسجين الأمني هو عادة من يمس بأمن إسرائيل، فأي مساس بالأمن فعله هذا العميل ولمصلحة أية جهة معادية؟ خلال النشر توجد تلميحات بأن هذا العميل كان قد زار إيران ولبنان وسوريا، فهل هناك تم تجنيده لجهة معادية؟ وما الأمور الحساسة التي يقال إنه بسبب تسريبها تم حبسه؟ واعتقل داخل سجن للمحكومين، فهل هذا يعني أنه حوكم ويمضي محكومية بالسجن؟ وقد وضع في زنزانة حديثة صممت خصيصا للسجين يغئال عمير، قاتل إسحق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق. ودأب بناتها في سلطة السجون على أن تكون تحت المراقبة الدقيقة طيلة 24 ساعة في اليوم بلا توقف، وذلك لكي لا يتاح فراره أو انتحاره، فكيف استطاع الانتحار؟ ولماذا تم التعتيم على الموضوع؟ كيف وافقت المحكمة على أن تصدر أمرا يمنع حتى النشر عن أمرها كمحكمة بمنع النشر؟ ولماذا رضخت وسائل الإعلام الإسرائيلية لهذا الأم، وهي المعروفة بأنها تتمرد عادة على نشر أوامر من هذا النوع؟ فهل كان هناك نوع من الرقابة الذاتية للصحافة الإسرائيلية وللصحافيين الإسرائيليين العاملين في الصحافة الأجنبية؟ وكيف وصلت المعلومات إلى النواب الثلاثة؟

وهناك أسئلة تطرح اليوم في أستراليا أيضا. فقد أشار الصحافي بورمان إلى أن وزير الخارجية الأسترالية، بوب كار، صرح بأنه لم يتم اطلاع السفارة الأسترالية في تل أبيب على القضية، ولكن الناطق بلسان الخارجية قال أمس إن دبلوماسيا في السفارة الأسترالية في تل أبيب تم اطلاعه من قبل السلطات الإسرائيلية على قضية اعتقال المواطن الأسترالي، بيد أنه لم يقُم بنقل المعلومات إلى كانبرا في القنوات المتبعة. وفي أعقاب ذلك طلب كار فتح تحقيق مجددا بشأن أداء السلطات الأسترالية في هذه القضية. فما هي الحقيقة؟ وماذا فعلت أستراليا في هذه القضية؟ وهل صحيح أن عميل الموساد المذكور كان واحدا من ثلاثة أستراليين دخلوا دبي بجوازات مزيفة وشاركوا في اغتيال أو في الإعداد لاغتيال القائد الحماسي محمود مبحوح؟

وقال الصحافي بورمان، في تقريره، إن عميل الموساد المذكور كان يعرف بلقب «الأسير إكس» ولم يتم تأكيد هويته الشخصية من قبل سلطات السجون أو من قبل جهة حكومية أخرى، وإن «ذلك هو أحد الأسرار الحساسة للاستخبارات الإسرائيلية». وقال بورمان إن أجهزة الأمن الأسترالية تشتبه في أن يهود أستراليا مجندون بالقوة للموساد، وبعد انضمامهم إلى الموساد يجري تغيير أسمائهم لإخفاء اللهجة الأوروبية أو اليهودية. وبعد تغيير الأسماء لتبدو إنجليزية يجري استصدار جوازات سفر أسترالية جديدة، ويتم إرسالهم إلى الدول العربية وإلى إيران.