«الثوار السوريون» ينهبون آثار بلدهم لجمع المال «لمواصلة القتال» ضد الأسد

رابطة حماية الآثار السورية في فرنسا تتحدث عن نهب 12 من إجمالي 36 متحفا

جانب من الدمار الذي لحق بأحد الابنية الأثرية في مدينة حلب القديمة (أ ب)
TT

أضاف الثوار السوريون إلى كميات الأسلحة والذخائر والأدوية التي يرسلونها كل يوم من هذه المدينة الأردنية الحدودية إلى وطنهم، أدوات جديدة لدعم معركتهم ضد الرئيس بشار الأسد وهي: مجسات للبحث عن قطع معدنية ومعاول. وانضم الثوار، الذين يجاهدون من أجل تمويل جهودهم، إلى تجارة جديدة في الأعمال الفنية والقطع الأثرية، يبيعون فيها ماضي البلد، في ظل احتدام الحرب من أجل مستقبلها.

يقول جهاد أبو سعود، ثائر عمره 27 عاما من مدينة إدلب في مقابلة أجريت معه في هذه المدينة الواقعة شمال شرقي الأردن: «في بعض الأيام، نكون مقاتلين، وفي أيام أخرى، نكون منقبين عن آثار». وزعم أنه اكتشف مؤخرا ألواحا في مدينة إبلا، تعود للعصر البرونزي عليها نقوش باللغة السومرية.

منذ بدء النزاع في سوريا، دق المجتمع الدولي ناقوس الخطر بشأن مصير المعالم الأثرية والمواقع التراثية في سوريا، بعد أن أحال الثوار وقوات النظام كنوزا تاريخية مثل سوق حلب التي تعود إلى 1000 عام مضى وقلعة الفرسان الصليبية إلى ميادين حرب.

ومع اقتراب الحرب الدائرة في سوريا من عامها الثالث، تحذر الأمم المتحدة ومنادون بالحفاظ على الآثار القديمة، من أن تواجه المواقع التاريخية في سوريا تهديدا جديدا أكثر خطورة تتمثل بشبكة معقدة من المهربين وتجار الآثار يتزعمهم أعضاء في الثورة التي يعوزها المال، يتطلعون إلى استغلال الثروات الثقافية للدولة.

وتقول أنا باوليني، مديرة مكتب اليونيسكو في الأردن: «على ضوء التجارب السابقة في مواقف النزاعات والصراعات، وفيما يتعلق بالإرث الثقافي، يبدو خطر نهب الآثار الثقافية السورية والاتجار فيها مرتفعا».

وليس من المعروف حجم هذه التجارة نظرا لصعوبات الوصول إلى المواقع التاريخية في الدولة التي مزقت الحرب أوصالها، وفقا لمنظمة اليونيسكو، التي استضافت ورشة عمل إقليمية في عمان يوم الأحد الماضي حول حماية التراث الثقافي السوري من التجارة غير القانونية. وثمة تقارير متضاربة عن مصير القطع الفنية من سوريا، التي طالما كانت نقطة تلاقي ثقافات عدة.

وأفادت رابطة حماية الآثار التاريخية السورية التي تتخذ من فرنسا مقرا لها بأنه قد تم نهب اثني عشر من إجمالي ستة وثلاثين متحفا في الدولة. ومع ذلك، فإنه في تقرير صدر يوم 22 يناير (كانون الثاني)، ذكرت المديرية السورية العامة للآثار والمتاحف أنه قد تم إحصاء عدد معظم الآثار ونقلها إلى مواقع آمنة. وبحسب المديرية فقد تم نقل قطعتين فقط من واجهات العرض منذ بدء النزاع: تمثال برونزي من مدينة حماه الواقعة شمال غربي سوريا والذي يعود إلى الحقبة الآرامية ومجموعة من التماثيل الصغيرة والألواح الرخامية من متحف أخاميا.

إلا أن السلطات والمناشدين بالحفاظ على الآثار في سوريا يجمعون في الرأي بشأن زيادة الخطر الذي يحدق بالمواقع الأثرية في الدولة، والتي، بحسب تقرير الحكومة، كانت عرضة لـ«عدة» عمليات تخريب متعمد للممتلكات وتنقيب غير قانونية.

ويقول مأمون عبد الكريم، رئيس مديرية الآثار: «ليس تاريخ سوريا وحده هو المعرض للخطر، وإنما تاريخ البشرية جمعاء». وأشار إلى أنه قبيل اندلاع النزاع، كان الناهبون «ينقبون ليلا. أما الآن، فقد أصبحوا ينقبون في وضح النهار».

عمان سوق نشطة يقول منادون بالحفاظ على البيئة ومسؤولون في دمشق إن التجارة الناشئة مدفوعة بحالة اليأس المتنامية بين الثوار، ممن يسيطرون على المواقع الثرية. ورغم أن الجيش السوري الحر قد شدد مرارا وتكرارا على التزامه بحماية المواقع الأثرية، يدافع قادة الثوار عن مشاركتهم في هذه التجارة غير المشروعة، متذرعين بأنها مصدر أساسي للتمويل لمواصلة ثورتهم. قد يقدر متوسط حجم المنهوبات بقيمة 50 ألف دولار في السوق السوداء، حسبما أشار ثوار في مقابلات أجريت معهم.

يقول أبو محمد حمد، وهو منسق للجيش السوري الحر يقيم في منزل آمن بمدينة الرمثا الأردنية الذي وصف إشرافه على تنقيب في أضرحة رومانية خارج العاصمة السورية دمشق: «لقد تركنا لنواجه جيشا كاملا من دون أسلحة. إن من صميم حقنا استغلال أي موارد يمكننا الحصول عليها».

وأشار الثوار السوريون الذين أجريت لقاءات معهم، إلى أنهم قد بدأوا في نشر «فرق تنقيب» فضفاضة – وهي عبارة عن مجموعات من الشباب تقوم بالتنقيب في مواقع أثرية بحثا عن ذهب وفسيفساء وتماثيل، إلى غير ذلك من القطع الأثرية الأخرى التي يسهل نقلها ويمكن بيعها بسهولة.

وفي غضون ثلاثة أشهر، يقول الثوار إن معدل عمليات النهب قد تسارع فيها – يزعم المنقبون أنهم كشفوا عن مخزون من القطع المنهوبة: أواني من العصر البرونزي من بلدة تل شهاب جنوب سوريا، وفسيفساء من كنيسة القديس سمعان قرب حلب وتماثيل صغيرة تعود لما يربو على ألفي عام من مدينة بصرى القديمة التي كانت مقرا لمسرح روماني ما زال في حالة جيدة.

وقال الثوار إن الأردن صار المقصد الأول لهذه السلع، ثم يأتي بعد ذلك تركيا ولبنان. ويقول الثوار وقوات الأمن الأردنية إن معظم الآثار المنهوبة تهرب عبر الأردن وسط تدفق نحو ألفي لاجئ سوري يوميا، وينتهي بها المطاف في السوق في عمان التي اعترف التجار المعنيون بتدفق كميات كبيرة للغاية من الآثار خلال الأسابيع الأخيرة.

وقال محمد خليل، أحد تجار الآثار: «نتلقى كل يوم مكالمات هاتفية ممن يريدون بيع ذهب وفسيفساء سوري وتماثيل سوريا. دمشق تباع هنا في عمان قطعة تلو الأخرى».

وفي أحد المحلات بعمان، كان تاجر قال: إن اسمه أحمد يقوم بتنظيف مكان عرض سلاسل مفاتيح وقوارير صينية الصنع مملوءة بـ«الماء المقدس» يقول إنه يبيعها للسائحين الأجانب، كما كان يعرض مجموعة من الآثار قال: إنها تمثل عدة حضارات في سوريا القديمة – أوعية فخارية حمراء من العصر البرونزي، وأوعية زجاجية زرقاء من العصر الحديدي، ورأس تمثال روماني مصنوع من الرخام، وخنجر مرصع بالذهب يعود لبدايات العصر الإسلامي. وقال أحمد: «هذه مجرد عينة، ولكني احتفظ بالقطع النادرة في المنزل»، مشيرا إلى أنه قد حصل على تلك القطع الأثرية من تاجر سوري في عمان، الذي أخبره بأنه اشتراها من العائلات اللاجئة.

وفي عمان، قال مهربون ووسطاء إن أسعار الآثار تتراوح بين 50 دولارا للوعاء الحجري و3.000 دولار للتمثال والألواح الحجرية، ثم يبيع التجار الأردنيون هذه القطع الأثرية بأكثر من ثمنها بثلاثة أضعاف. وقال التاجر أحمد إن أغلى القطع الأثرية هي تلك التي تعود إلى فترة مملكة الأنباط والألواح الحجرية التي تحمل نقوشا بالآرامية، التي قال: إن الزبائن الأثرياء يستخدمونها في تزيين ردهات مداخل فيللاتهم في عمان.

وبات تهريب القطع الأثرية شيئا مألوفا للسلطات في الأردن، التي كانت بمثابة نقطة عبور للكنوز الأثرية المنهوبة من العراق عقب الغزو الأميركي لبغداد عام 2003. ورغم خبرة مسؤولي الجمارك الأردنيين في هذا المجال، فإنهم لم ينجحوا حتى الآن في كشف شبكة تهريب الآثار السورية التي تتنامى بمرور الوقت. لكن الشرطة الأردنية نجحت يوم السبت الماضي، في مصادرة 40 قطعة أثرية بعد اجتياح إحدى الشقق في مدينة الرمثا المتاخمة لدرعا وتعد أكبر مستقبل للآثار المهربة منذ بداية النزاع. ومع ذلك، قال المتحدث الرسمي باسم إدارة الجمارك الأردنية إن السلطات – التي تقتحم الأسواق وتفتش محلات بيع التحف والمركبات القادمة من سوريا، اعتقلت مهربين صغار.

من جهته، قال وزير السياحة والآثار الأردني نايف الفايز، الذي كلف وزارته بتعقب الآثار المهربة وإعادتها مرة أخرى: «ما زال الوقت مبكرا جدا لمقارنة الوضع في سوريا بما كان يحدث في العراق، ولكن دائما ما تكون المواقع الأثرية أولى الأماكن المستهدفة في أي مكان يعاني من غياب الأمن، وهذا هو ما بدأنا نراه في سوريا وما نتوقع أن يحدث على نطاق أوسع خلال الفترة المقبلة».

وبدأ التجار الأردنيون يخشون من تجارة الآثار، في ظل النشاط الملحوظ للسلطات الأردنية لمكافحة هذه التجارة غير المشروعة، ولكن التجار غالبا ما يقومون بدور الوساطة وترتيب الاجتماعات بين المهربين وجامعي القطع الأثرية أو التجار الذين يقومون بتهريب تلك الآثار إلى أوروبا وأميركا وآسيا.

وقال مارتن ويلسون، وهو المستشار العام لدار كريستيز العالمية للمزادات ورئيس قسم قوانين الفنون، إن القطع الأثرية السورية لم تصل إلى دور المزادات الدولية حتى الآن، مشيرا إلى أن دار كريستيز ستظل «يقظة» لأنه «من الممكن أن تصل هذه القطع إلينا خلال السنوات المقبلة بعدما تمر على الكثير من الأيدي».

وتتمثل العقبة الكبرى في الحد من تهريب الآثار في موقف المهربين الذين يدافعون عن تجارتهم كجزء طبيعي من تلك الحرب. وقال أبو ماجد، 30 عاما، وهو منشق عن الجيش السوري ويدير طرق التهريب في جنوب سوريا ويتنقل كل ليلة بين الوديان التي تفصل بين المناطق التي تشهد الحرب السورية والأردن: «ربما يرى الناس أننا لصوص، ولكن في بعض الأحيان تكون مضطرا للتضحية بالماضي من أجل إنقاذ المستقبل».

وفي إحدى الليالي في الآونة الأخيرة، كان أبو ماجد يشعر بالإرهاق وهو يضع حقيبة معدات التخييم التي حملها على ظهره لأكثر من تسعة أميال عبر الحدود إلى منزل آمن في محافظة مدينة المفرق. وقال أبو ماجد وهو يرفع تمثالا منحوتا باليد يقول إنه يعود لمملكة الأنباط، أي قبل ألفي عام من الآن: «كدت أموت 10 مرات لكي أقوم بذلك، ولكن ما أقوم به يستحق العناء في كل مرة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»