المعارضة السورية تتفاجأ بـ«مقترح اتفاق سلام سوريا»

المجلس: إطار المبادرة يهدف لتجنب الخيار الشعبي.. الديمقراطي: لا جهات معارضة حقيقية شاركت بكتابة المقترح.. الائتلاف: لم يؤخذ برأينا فيه.. التنسيق: نحن مع أي مشروع تحت مظلة «جنيف»

شابة سورية تبكي أمام مستشفى كفرنبل لدى سماعها نبأ مقتل شقيقيها الطفلين في غارة على بلدة حاس أمس (أ.ف.ب)
TT

توالت ردود الأفعال حيال الحل المقترح الذي كشفت عنه «الشرق الأوسط» أمس تحت اسم «مقترح اتفاق السلام السوري». ففي حين قدم نظام الرئيس السوري بشار الأسد أمس إشارات إيجابية تتلاقى، بالمضمون، مع نص المشروع، رفضت أربعة أطياف من المعارضة السورية «السلام السورية» متهمة من يقف وراءه بمحاولة القفز فوق المعطيات وتجاوز القوى الثورية والعسكرية الفاعلة على الأرض.

وتنص خطة السلام على تشكيل «طاولة حوار» من مائة وأربعين عضوا يجري انتخاب مائة واثنين منهم برقابة صارمة من الأمم المتحدة، ويعين الباقي من قبل النظام والمعارضة والمرجعيات الدينية بالتزكية. ويشير المقترح إلى أن طاولة الإطار العام لهذه المبادرة تهدف لتجنب الخيار الشعبي وأن تأتي بشيء معين يكون مطمئنا للقوى الإقليمية والمجتمع الدولي وهذا ما يريده النظام.

وفي اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط» من لندن مع عضو «المنبر الديمقراطي» سمير عيطة، قال إن «اتفاق السلام السوري» جيد من ناحية المبادئ العامة لها وخصوصا اعتبار سوريا وطنا سيدا حرا مستقلا، موضحا أن مقترح تشكيل مجلس شيوخ يقود مرحلة انتقالية في سوريا ما بعد الأسد هو «أمر مقبول» يأتي ضمن سياق الجهود المبذولة لإيجاد حل سلمي للازمة في سوريا التي كان آخرها مبادرة رئيس الائتلاف السوري معاذ الخطيب.

من جانبه، قال عضو المجلس الوطني أنس العبدة إن «على المرء أن يكون إيجابيا اتجاه أي طرح لإنهاء الأزمة بأقل التكاليف على ألا يمس بمبادئ ومكتسبات الثورة بأي شكل من الأشكال».

أما المنسق العام لهيئة التنسيق حسن عبد العظيم فقد أشار في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط» من لندن إلى أن الهيئة مع أي مقترح «تحت مظلة مؤتمر جنيف والهادف لإيجاد توافق أميركي روسي وإصدار قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السادس يلزم النظام بوقف العنف وإطلاق سراح المعتقلين وتسهيل مرور المعونات إلى المناطق المتضررة، وإلزام المعارضة المسلحة ومن يمولها بإيقاف العنف بشكل متزامن مع وقف العنف من قبل النظام وإطلاق سراح الأسرى».

من جانبه نفى سفير الائتلاف الوطني السوري بفرنسا منذر ماخوس أن يكون الائتلاف على علم بمقترح «اتفاق السلام السوري»، كما كرر النفي كل من المجلس الوطني وهيئة التنسيق والمنبر الديمقراطي.

أما فيما يتعلق بسلبيات المقترح فقد نفت الجهات الأربع اللاتي اتصلت بها «الشرق الأوسط» من لندن المشاركة في كتابة هذه الورقة، مشيرة إلى أن المثلب الأكبر للمقترح هو ضبابية الجهة التي كتبته. وفي حين تجنب العبدة تسمية من يقف وراء هذه المبادرة مخمنا أن «نخبا في المعارضة السورية يتعارض طرحها مع طروحات ومبادئ الثورة قد تكون هي من كتبت المقترح».

واتهم الدكتور إبراهيم المرعي، عضو المجلس الوطني في اتصال أجرته معه «الشرق الأوسط» من لندن، الولايات المتحدة بالوقوف وراء هذا المقترح قائلا: «تسعى الولايات المتحدة لطرح مبادرات سياسية بهدف تأخير التقدم السياسي على مستوى الثورة السورية»، مضيفا أن الولايات المتحدة تسعى من خلال هذه المقترح إلى كسب مزيد من الوقت بغية بناء علاقات داخل سوريا مع عسكريين وسياسيين بهدف تهميش معارضة الخارج. ويعزو المرعي اتباع واشنطن لهذا المنهج إلى تخوفها من سيطرة الإسلاميين على سوريا كما حدث في بقية دول الربيع العربي، مشيرا إلى أن مجلس الشيوخ يشترط في عضويته أن يكون المرء موجودا في سوريا بتاريخ 15 مارس (آذار) 2011 وهو ما يدلل على رغبة كاتب هذا المقترح «إقصاء التيار الإسلامي الذي اضطر إلى مغادرة سوريا في ثمانينات القرن الماضي».

لكن عيطة يقلل من أهمية هذا المثلب بالقول إن المشروع الذي نشرته «الشرق الأوسط» هو «مشروع افتراضي ويجب عدم خلق اختلافات حول شيء غير موجود أصلا»، مشيرا إلى أنه يمكن الوصول إلى صياغات أخرى لتمثيل الإسلاميين. وبحسب عضو «المنبر الديمقراطي» فإن من سلبيات هذه الورقة إغفالها لمبدأ المساواة التامة في المواطنة، مشيرا إلى وجوب التأكيد على «المساواة بين كل الناس مع اختلاف مشاربهم الدينية والقومية ذاك أن المواطن هو أساس العقد الاجتماعي».

ويشير عيطة إلى سلبية ثانية في نص المقترح وتتمثل بعدم قدرة «السلام السوري» على علاج المشكلة الأساسية الموجودة الآن في سوريا وهي حالة الاحتراب بين الجيش النظامي والحر، مضيفا: «إذا لم يكن هناك اتفاق على الصعيد العسكري فالاتفاق السياسي مؤقت حتى يكون هناك اتفاق على الصعيد العسكري يؤدي إلى وقف إطلاق النار وإعادة الأمان وإعادة هيكلة القوات المسلحة».

ما يثير قلق الائتلاف الوطني بحسب ما أفاد به سفيره بباريس لـ«الشرق الأوسط» هو موقع «عصابة بشار الأسد ضمن سيناريو ما يسمى بمجلس الشيوخ»، بحسب وصف ماخوس الذي أضاف: «ما مصير بشار الأسد؟.. هل هذه المبادرة تعني عفا الله عما مضى؟».. مؤكدا أن السيناريو اليمني تجاوزه السوريون منذ زمن بعيد. وفيما يخص المحاسبة، أكد العبدة أن أحد مطالب الثورة هو محاكمة المدانين بسفك الدم السوري، مضيفا: «هناك خطورة كبيرة في حال تم تجاوز هذه القضية لأنها ستكون احتقانا وربما انفجارا بشكل ضخم في المستقبل»، مؤكدا أن المتضررين لن يسكتوا عن التدمير الحاصل للإنسان والبنيان في سوريا.

يشار إلى أنه، ووفقا للمقترح المسرب، سيتولى مجلس الشيوخ قيادة المرحلة الانتقالية وتعنى بـ«وقف نزيف الدم وإطعام الجياع وإيواء المشردين والمصالحة الوطنية السورية ووضع شروط العفو العام وإحقاق العدالة وبناء الدولة السورية المدنية».

وأقر عيطة بصعوبات لناحية التطبيق الفعلي لمجلس الشيوخ في المرحلة الانتقالية المفترضة مفضلا أن يتم تقليصه لأعضاء «أقل عددا ويتمتعون بصلاحيات مقبولة» على غرار لجنة مصالحة العرب والأكراد التي قادها المعارض السوري ميشيل كيلو في مدينة رأس العين في أقصى الشمال الشرقي السوري منذ أسابيع.

لكن العبدة أشار إلى أن النخب السياسية ليست بالضرورة أن تكون صاحبة القرار بل هي جزء من الثورة، مؤكدا أن «من يمتلك القرار النهائي هو القوى المدنية والعسكرية على الأرض».

بدوره، أكد رئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب، أن المعارضة السورية «ترفض أي مبادرة تصدر في الغرف المظلمة، دون أن يعرف مصدرها أو مقترحها»، مشددا، في حديث مع قناة «العربية» على رفضه أن «ينجر الشعب والمعارضة للحديث عن مبادرات لا تحترم ثوابت الثورة»، لافتا إلى «أن هناك غموضا وتناقضات تحيط بتلك المبادرة لحل الأزمة السورية».

وعن احتمال أن يكون رئيس الائتلاف السوري أحمد معاذ الخطيب هو مطلق تلك المبادرة، أشار حجاب إلى أنها «في هذه الحال ستناقش ضمن الهيئة السياسية المؤقتة للائتلاف التي تجتمع اليوم (أمس) في القاهرة».

لكن دمشق، بعثت برسائل إيجابية على صعيد مبدأ الحوار الذي احتل حيزا أساسيا من الوثيقة، إذ أكد رئيس الحكومة السورية وائل الحلقي أمس أن «سوريا منفتحة على كل المبادرات الرامية إلى حل الأزمة سياسيا وبما يضمن سيادتها واستقلالها ووحدتها أرضا وشعبا مع رفض كل أشكال التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية ونبذ العنف والإرهاب بكل أشكاله».

بدوره، قال نائب رئيس الوزراء السوري قدري جميل إن «كل مواطن من مكانه معني برسم خريطة سوريا المقبلة الأكثر منعة وقوة واستقرارا عبر الحوار، بغض النظر عن اختلاف الرأي والاتجاه»، مؤكدا أن «الحل السياسي عبر المصالحة والحوار ضرورة موضوعية ويجب الإسراع بها لأن التأخر في ذلك يكلف باهظا».