المحاولة المائة للانتحار حرقا في التيبت

الصينيون منزعجون من تنامي الظاهرة ويلقون باللوم فيها على «محرضين سياسيين خارجيين»

عناصر شرطة تهرع باتجاه تيبتي أضرم النار في نفسه بالعاصمة كاتماندو أول من أمس (أ.ب)
TT

احتج راهب تيبتي سابق على الحكم الصيني بإقدامه على الانتحار حرقا الشهر الحالي، ليكون بذلك الحالة المائة للانتحار حرقا داخل إقليم التيبت الخاضع للحكم الصيني، حسب ما أفادت تقارير نشرت الأربعاء من قبل جماعات دعم في التيبت.

قام الرجل التيبتي، لوبسانغ نامجيال، (37 عاما)، الراهب بدير كيرتي سابقا، بإضرام النيران في نفسه يوم 3 فبراير (شباط) أمام أحد مقرات مكتب الأمن العام في منطقة داخل إقليم سيشوان وتوفي لتوه، حسب ما أفادت منظمة «فري تيبت»، الواقعة في لندن. وأشارت «فري تيبت»، في بيان صحافي، إلى أن عملية التحقق من واقعة الانتحار حرقا قد استغرقت منها عشرة أيام كاملة «نظرا لخوف التيبتيين الشديد من انتقام الحكومة الصينية في حالة حديثهم عن مثل تلك الأشكال من الاحتجاج».

وأشارت منظمة أخرى، هي «الحملة الدولية للتيبت» إلى أن الرهبان الذين يعيشون في المنفى في الهند ممن سمعوا بحادثة الانتحار حرقا الأخيرة، قد ذكروا أنه أثناء تنفيذه عملية الانتحار، استحضر لوبسانغ نامجيال الحياة الطويلة التي عاشها الدالاي لاما، الزعيم الروحي للتيبتيين.

ينحدر الرهبان، الذين يعيشون في دارامسالا بالهند، مقر الحكومة التيبتية في المنفى، من الدير نفسه الذي أتى منه لوبسانغ، وذكروا أنه كان طالبا استثنائيا وقع عليه الاختيار للدراسة للحصول على درجة (Geshe)، وهي أعلى مؤهل علمي في البوذية التيبتية.

«كان يتم التعامل معه بوصفه نموذجا لجيل جديد من الطلاب في كيرتي»، هذا ما قاله الرهبان في بيان ترجمته منظمة الحملة الدولية للتيبت. وأشار الرهبان إلى أن لوبسانغ نامجيال قد اختفى في سبتمبر (أيلول)، ويعتقد أنه تم احتجازه بشكل مؤقت في إقليم سيشوان من قبل قوات الأمن المحلية. وذكروا أن المسؤولين قد سعوا لعزله وتشويه سمعته، وظل خاضعا لرقابة مشددة حتى بعد سفره إلى منطقة قبلية ريفية. كذلك، وقعت أسرته تحت ضغط شديد.

إن موجة حالات الانتحار حرقا في التيبت، التي بدأت في عام 2009، قد خففت بدرجة هائلة من حدة مشاعر الإحباط والتحدي التي تخالج التيبتيين، الذين بات وطنهم الممتد لمساحة شاسعة واقعا تحت قبضة الحكم الشيوعي بعد احتلال القوات وسط التيبت في عام 1951. وقد لقي 82 على الأقل، من 100 تيبتي حاولوا الانتحار حرقا، حتفهم.

في وقت مبكر من يوم الأربعاء، اتجه رجل تيبتي إلى شارع في كاتماندو، عاصمة نيبال، التي تقع على حدود التيبت، وأضرم النيران في نفسه. يذكر أنه كان الأخير من بين ستة تيبتيين يضرمون النيران في أنفسهم على حدود التيبت احتجاجا على الإدارة الصينية. وتعتبر نيبال وطنا لآلاف من المنفيين التيبتيين. وذكرت السلطات أن الرجل، الذي أبلغ شهود عيان وكالة «أسوشييتد برس» أنه كان يرتدي عباءة راهب، قد نقل إلى المستشفى في حالة حرجة. وأوضح شهود العيان أن الرجل كان يصيح مرددا شعارات مناهضة للصين قبل أن يهوي على الأرض.

يذكر أن المحتج، الذي لم يتم الكشف عن هويته، قد أضرم النيران في نفسه بجوار ضريح بوذي في منطقة بودهاناث بكاتماندو، حيث يقطن الكثير من التيبتيين، وتزامن ذلم مع مهرجان «لوسار» التيبتي، أو رأس السنة التيبتية. إن هؤلاء الذين لا يزالون في التيبت لم يحتفلوا بهذا المهرجان منذ اندلاع ثورة عارمة ضد الصين في عام 2008. وتضامنا مع هذا، طالبت حكومة التيبتيين في المنفى، الآخرين بعدم الاحتفال به.

تقع نيبال بين الصين والهند، وظلت على مدى عقود بمثابة محطة على الطريق بالنسبة للتيبتيين الفارين من الحكم الصيني. وفي السنوات الأخيرة، ضغط القادة الصينيون على حكومة نيبال من أجل تقييد هذا السيل من اللاجئين وقصر الاحتجاجات السياسية على التيبتيين المقيمين بنيبال، مما أسفر عن تنامي مشاعر الإحباط بين هؤلاء التيبتيين.

وأعرب لوبسانغ سانغاي، رئيس وزراء حكومة التيبت في المنفى، عن أسفه لحوادث الانتحار حرقا في نيبال، وذكر أن إدارته قد طلبت من التيبتيين عدم اتخاذ إجراءات عنيفة. غير أنه ألقى باللوم أيضا في مثل تلك الإجراءات على الحكومة الصينية.

وقال سانغاي عبر البريد الإلكتروني أثناء زيارته للولايات المتحدة: «احتلال التيبت وقمع التيبتيين، هما الدافع الرئيسي للانتحار حرقا داخل التيبت. يكمن حل المأساة في التيبت في بكين، وإدارتي ملتزمة تماما الحوار ومخاطبة القضية بشكل سلمي».

هذا وقد تعذر الوصول إلى مسؤولين صينيين في بكين وفي زورج بإقليم سيشوان، المعروفة باسم زويدج بالصينية، حيث توفي لوبسانغ نامجيال، لمعرفة تعليقه. كذلك، فإن المكاتب الحكومية في الصين مغلقة بسبب احتفالات السنة القمرية الجديدة.

وأشار مسؤولون صينيون في الماضي إلى أن مرتكبي حوادث الانتحار بإضرام النيران كانوا في حالة من عدم الاستقرار النفسي أو ألقوا باللائمة على المحرضين السياسيين الخارجيين. ورغم الاتهامات، فإن المسؤولين الصينيين لم يقدموا مطلقا أدلة تفيد بوجود ارتباط بين مثل هذه الأعمال والدالاي لاما أو قادة تيبتيين آخرين في المنفى. ومؤخرا، حاول مسؤولون صينيون دعم حملة للمحاكمة الجنائية لمن هم ذووا صلة بهؤلاء الذين يضرمون النيران في أنفسهم؛ ونتيجة لذلك، صدرت أحكام صارمة ضد عدة رهبان.

وتدفقت قوات أمن على المدن في أجزاء من التيبت، حيث تشيع حالات الانتحار حرقا. غير أنه لم يفلح أي إجراء اتخذته السلطات في وقف هذه الحالات، التي ارتكبت من قبل نطاق واسع من التيبتيين، من الشباب إلى الآباء متوسطي العمر. وقد وقعت معظم تلك الحالات في شرق التيبت، المعروفة لدى التيبتيين باسم «خام» و«أمدو»، والتي تعتبر الآن جزءا من مقاطعتي سيشوان وشنغهاي الصينيتين.

وقال إيليوت سبيرلينغ، الباحث في شؤون التيبت بجامعة إنديانا: «كانت هناك أدلة واضحة من قبل بعض المنتحرين أنفسهم تفيد بأنهم قد تصرفوا على هذا النحو بهدف إبداء اعتراضهم على الحكم الصيني». وأضاف: «الواقع هو أن حالات الانتحار حرقا هذه ما زالت مستمرة حتى الآن، بعد أن آثرت الصين القمع الوحشي في مناطق شهدت مثل هذه الحالات». وقال باحث آخر، يدعى توم غرونفيلد بكلية إمباير ستيت في جامعة ولاية نيويورك، إن من هم بالخارج كانوا بشكل عام «في حالة من الحيرة بشأن الدافع المحرك لمثل هذه الحالات»، لكن كان الأمر المدهش هو «عجز الحكومة الصينية عن مكافحة هذه الظاهرة».

وتحدو المسؤولين الصينيين مشاعر خوف شديد من حالات الانتحار حرقا والرسالة التي تبعث بها إلى حد أن المسؤولين قد وضعوا طفايات حرائق في ساحة تيانانمن في بكين، على بعد آلاف الأميال من موقع حدوث حالات الانتحار. إن القادة الصينيين حساسون إزاء حقيقة أن المحتجين عبر أنحاء الصين عادة ما يحاولون شق طريقهم إلى الميدان. وفضلا عن ذلك، زود المسؤولون في المناطق التيبتية قوات الأمن بطفايات حريق ووضعوها في الأديرة.

لقد حاول المسؤولون منع الأجانب من السفر إلى مواقع حالات الانتحار حرقا. وأشار التيبتيون الذين أجريت مقابلات معهم في العام الماضي في دارامسالا إلى أن قمع الأمن بعد انتفاضة 2008 قد ساهم في تنامي روح التحدي بين التيبتيين. كانت أولى حالات الانتحار حرقا في مناطق تيبتية على يد تابي، وهو راهب من دير كيرتي، في فبراير 2009، وقد نجا فيها من الموت. وجاءت حالة الانتحار التالية خارج كيرتي في مارس (آذار) 2011. وأشار رهبان تابعون لدير كيرتي في المنفى إلى أن لوبسانغ نامجيال قد عاد إلى كيرتي قبل أيام من وفاته وأبلغ البعض أنه يرغب في العودة إلى حياة الرهبنة.

* خدمة «نيويورك تايمز»