خبراء ودبلوماسيون: إيران سعت لشراء تقنيات حديثة من الصين لتوسيع قدراتها النووية

تكفي لتجهيز 50 ألف جهاز طرد مركزي جديد أي ما يقرب من 5 أضعاف ما تستخدمه إيران حاليا

TT

قال خبراء ودبلوماسيون إن إيران سعت مؤخرا لشراء عشرات الآلاف من المغناطيسات عالية التخصص المستخدمة في أجهزة الطرد المركزي، في إشارة إلى أن البلاد ربما تخطط لعملية توسعة كبرى في برنامجها النووي قد تختصر الطريق لإنتاج أسلحة نووية.

وتظهر أوامر الشراء، التي حصل عليها باحثون نوويون، محاولة عملاء إيرانيين شراء 100,000 مغناطيس حلقي الشكل - يحظر تصديرها إلى إيران بموجب قرارات الأمم المتحدة - من الصين قبل عام تقريبا، ولم يتضح بعد ما إذا كانت المحاولة قد نجحت. وعلى الرغم من مساعي إيران المتكررة لشراء أغراض محظورة من بائعين أجانب، تعد هذه القضية غير معتادة بسبب مواصفات وحجم الطلب الكبير - إذ تكفي هذه المغناطيسات، نظريا، لتجهيز 50 ألف جهاز طرد مركزي جديد، أو ما يقرب من خمسة أضعاف العدد الذي تستخدمه إيران حاليا. وأوضح محللون أن الكشف عن أوامر الشراء الجديدة لأجزاء نووية حساسة يتزامن مع إعلان إيران عن خططها لإضافة الآلاف من الجيل الثاني والأكثر تقدما من أجهزة الطرد المركزي التي ستسمح لها بزيادة إنتاجها من اليورانيوم المخصب.

من جانبها تصر إيران على سلمية برنامجها النووي وأن جهودها لتخصيب اليورانيوم موجهة نحو توليد الطاقة والأبحاث الطبية. ويأتي الكشف في وقت تسعى فيه طهران إلى الحصول على مكاسب دبلوماسية قبيل المفاوضات الخاصة بالقيود المقترحة على برنامجها النووي. لكن المحاولة أججت المخاوف الغربية من أن إيران تسعى إلى توسيع قدراتها النووية بما يسمح لها بصنع أسلحة نووية متى أرادت ذلك. ويقول دبلوماسي أوروبي مطلع على معلومات استخبارية حساسة حول المنشآت الإيرانية، طالبا عدم ذكر اسمه بسبب حساسية القضية: «إنهم يضعون نصب أعينهم تحقيق قدر كبير من التقدم النووي في أسرع وقت ممكن. وكل تقدم يتحقق يجعل الموقف أكثر خطورة».

من ناحية أخرى قد يزيد تقلص الفترة الزمنية، التي يمكن لإيران خلالها إنتاج قنبلة نووية، من الضغوط على إسرائيل، التي خففت، خلال الأشهر الأخيرة، من حدة تصريحاتها بشأن توجيه ضربة استباقية للمنشآت النووية الإيرانية. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في كلمته يوم الاثنين أمام زعماء اليهود الأميركيين «إن إيران لم تتجاوز الخط الأحمر الذي يجيز لنا توجيه ضربة عسكرية، لكنه أكد على التقدم النووي الذي حققته إيران مؤخرا سيقلص الفترة اللازمة لعبور هذا الخط».

ما يزيد من تعقيدات الحسابات الإسرائيلية، محاولة إيران تهدئة القلق الغربي تجاه برنامجها النووي عبر تحويل جزء من مخزونها من اليورانيوم إلى صورة معدنية لا يمكن استخدامها بسهولة في صنع أسلحة نووية. وقد أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية يوم الثلاثاء أن تحويل بعض من مخزون إيران من اليورانيوم تجري حاليا، فقال رامين مهمانباراست، للصحافيين في طهران: «العمل يجري الآن». ويتوقع أن يوثق تقرير لمنظمة الرقابة النووية التابعة للأمم المتحدة، والذي يتوقع صدروه خلال الأسبوع الجاري، الخطوات المتناقضة التي تتبعها إيران، ويصورها بالدولة التي تسعى جاهدة إلى تجنب التصرف بصور استفزازية، في الوقت الذي تستعد فيه بهدوء لزيادة إنتاجها من اليورانيوم في منشأتين للتخصيب.

وأكد مسؤول في وكالة الطاقة الذرية أن مهندسين إيرانيين قد قاموا بتثبيت أكثر من 1,000 جهاز طرد مركزي جديد من نوع IR - 1 في أضخم منشأة لتخصيب اليورانيوم بالقرب من مدينة ناتانز، لتدخل الخدمة إلى جانب ما يقرب من 9,000 جهاز طردي مركزي من الطراز ذاته تعمل حاليا. كما تم تركيب 2,800 جهاز طرد مركزي بالقرب من قم في منشأة تخصيب اليورانيوم التي بنيت أسفل جبل لحمايتها من الغارات الجوية. لكن أغلب أجهزته متوقفة عن العمل.

وأوضح مسؤول أميركي أن إيران سعت خلال الأشهر الأخيرة إلى الحصول على قائمة طويلة من المواد الحساسة، ففي أكتوبر (تشرين الأول) حصل المدعون العامون على إقرار بالذنب من مواطنين تايوانيين يقيمان في تكساس وجه إليهما اتهام بمساعدة إيران في الحصول على أكثر من 100,000 قطعة من شركات أميركية على مدار خمس سنوات، شملت أجهزة إلكترونية تستخدم في المنشآت النووية وأنظمة توجيه الصواريخ. يشير أمر شراء المغناطيسات - التي حصل معهد العلوم والأمن الدولي على نسخ منها واطلعت عليها «واشنطن بوست» - إلى توسع هائل قد يفوق التصورات. المواصفات المحددة التي جاءت ضمن أمر الشراء تطابق بدقة مع المغناطيسات المستخدمة في أجهزة IR - 1، التي تدور بسرعة أعلى من سرعة الصوت لتنقية غاز اليورانيوم إلى صورة مخصبة يمكن استخدامها في منشآت الطاقة النووية. وعبر مزيد من المعالجة يمكن لذات الأجهزة أن تنتج يورانيوم عالي التخصيب يمكن استخدامه لإنتاج أسلحة نووية.

ويوضح ديفيد ألبرايت، رئيس معهد العلوم والأمن الدولي والمفتش السابق في وكالة الطاقة الذرية أن حاجة جهاز الطرد المركزي إلى مغناطيسين تعني أن الطلب قادر تقنيا على تزويد إيران بمواد كافية لتجهيز 50,000 جهاز، لكن بعض هذه المغناطيسات سيتم الاحتفاظ بها لتستخدم كقطع غيار وللإصلاحات. وقال: «يؤكد ذلك على أنهم يريدون بناء قدر أكبر من أجهزة الطرد المركزي».

يصنع هذا النوع من المغناطيسات من معدن معروف بفريت الباريوم والسترونيوم وتم إصدار أمر شراء بها للشركة الصينية أواخر عام 2011، عبر الإنترنت من قبل رجل أعمال إيراني قال إنه بحاجة للمغناطيسات لـ«مصنع كبير» يشارك في «مشروع جديد» داخل إيران. وقد رفض مسؤولو الاستخبارات الأميركيون التعليق على قضية مواصفات المغناطيسات، لكن أحد المسؤولين الذي يتابع جهود عمليات الشراء الإيرانية عن كثب أشار إلى أن إيران لا تزال تسعى بقوة للحصول على تكنولوجيا محظورة من بعض الشركات الأجنبية، باستغلال شركات واجهة وذرائع وهمية للتعتيم على الهدف الحقيقي لشراء هذه المواد. وبحسب تحقيق المعهد، فإن الشركة التي تقدمت بأمر الشراء ارتبطت في وقت سابق بالجهود الإيرانية لشراء تكنولوجيا حساسة. وقد فرضت عليها الحكومة الكندية عقوبات قاسية أواخر العام الماضي بسبب مخاوف تتعلق بالانتشار النووي.

على الصعيد ذاته، يدعم خبراء مستقلون في مجال الطاقة النووية، قاموا بمراجعة قضية المغناطيسات، بشكل عام النتائج التي توصل إليها المعهد الدولي. ويرى أولي هينونين، الذي قاد فرق التفتيش التابعة لوكالة الطاقة الذرية داخل إيران قبل تقاعده في عام 2010 أن نوع المغناطيس الذي أرادت إيران الحصول عليه يلائم بشكل كبير أجهزة الطرد المركزي IR - 1 ولا يمكن استخدامه، على سبيل المثال، في أجهزة الطرد المركزي IR - 2M التي اختبرتها إيران مؤخرا.

وقال هينونين: «العدد الوارد في أمر الشراء منطقي، لأن إيران أخبرتنا في البداية أنها ترغب في تركيب أكثر من 50,000 جهاز طرد من نوع IR - 1». وأضاف هينونين أن مسؤولي وكالة الطاقة الذرية قاموا بتوثيق الجهود الإيرانية للحصول على الأجزاء الحيوية لأجهزة الطرد المركزي من الجيل الثاني IR - 2M، التي تمثل تقدما تقنيا عن أجهزة IR - 1 غير الموثوقة وغير الملائمة.

لكن إيران تجنبت ما يعتبره الكثير من الخبراء «الخط الأحمر» الجديد بالنسبة لإسرائيل، والمتمثل في مخزون من اليورانيوم متوسط التخصيب يتجاوز 530 رطلا، تقريبا الكمية اللازمة لإنتاج قنبلة نووية إذا ما خضع لمزيد من التخصيب. وأكد دبلوماسي غربي مطلع على تقارير وكالة الطاقة الذرية الخاصة بالتقدم الإيراني أنه وفق السرعة الحالية قد تستطيع إيران الوصول تلك المرحلة نظريا منتصف العام المقبل. وقال: «إضافة أجهزة جديدة لا تعني سوى أنك ستصل إلى غايتك بشكل أسرع».

* خدمة «واشنطن بوست»