د. الهاشم: «الخليج» مستعد لأي طارئ نووي إيراني.. ولا حل أفضل من التعاون الدولي

الأمين العام المساعد لمجلس التعاون يؤكد أن المركز الخليجي للرصد الإشعاعي سيبدأ قريبا ومقره الإمارات

الأمين العام المساعد لأمانة مجلس التعاون الخليجي (تصوير: خالد الخميس)
TT

طالب الدكتور عبد الله عقلة الهاشم، الأمين العام المساعد لشؤون الإنسان والبيئة في أمانة مجلس التعاون لدول الخليج العربية؛ إيران بانتهاج الشفافية فيما يخص برنامجها النووي عبر إطلاع المجتمع الدولي والخليجي على سلميَّة مساعيها، بحسب قولها، حتى يطمئن لها الجميع.

وأضاف الهاشم في حوار مع «الشرق الأوسط»: «لا نطلب من إيران سوى الجلوس إلى مائدة السلم والسلام والأمن والأمان؛ لأنه لا مجال أفضل من اتباع وسيلة التعاون والتفاوض».

وحول نظرة مجلس التعاون للنشاطات النووية الإيرانية وخطرها، أكد الأمين العام المساعد لشؤون الإنسان والبيئة في أمانة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أن «الخطورة قائمة بالتأكيد، لأن الأمر يتجاوز مسألة الحرب والحريق النووي إلى الإشعاع الذي ينتشر بسرعة فائقة وبإمكانه إيصال الأذية حتى للبعيد»، كاشفا عن أن لدول المجلس آلية للتعامل مع الموضوع خاصة في حدوث كارثة، وذلك «وفق خطة خليجية مشتركة محكمة تشتمل على خطة للطوارئ، ولدينا منظمة تسمى منظمة الحماية البحرية الموجودة في الكويت، وهي تضم مع دول الخليج العراق وإيران (الدول الـ6+2) حتى تأخذ طابعا عالميا وعلميا».

وفيما يخصّ مستقبل الشباب الخليجي، بيَّن الدكتور الهاشم وجود حزمة من المشاريع الكبيرة سيتم طرحها في القمة المقبلة بالكويت، و«هذه المشاريع لا بد لها من أن تتعامل مع الشباب كمنظومة واحدة مكتملة تستوعب كل التخصصات والقدرات ومتطلبات على كافة الأوجه، مع أهمية الاعتناء بالتعليم بمختلف مراحله بشكل مواكب، ومن ثم المتابعة المتلاحقة».

وبالحديث عن التحزبات الشبابية القائمة الآن في بعض البلاد العربية والخليجية كالتوجهات الإخوانية والليبرالية والاشتراكية، أوضح الهاشم، أنها ظواهر بدأت تبرز ولا يمكن إنكارها رغم محدوديتها، غير أنه لا بد من التعامل معها بمنتهى الجدية والمسؤولية، ما يستدعي منا ألا ندخل معهم في عملية تصادم قد تؤجج الفتنة التي تصبح بمثابة الماء العكر للمتربصين بأوطاننا ومجتمعاتنا وشبابنا.. وفيما يلي الحوار كاملا:

* تمخضت قمة مجلس دول التعاون الخليجي الأخيرة عن حزمة من القرارات المهمة.. ما مدى أهمية هذه القرارات، وكيف يمكن تفعيلها، وما آلية تنفيذها؟

- بالطبع، فإن قمة المجلس الـ33 التي عقدت مؤخرا في البحرين تعتبر ذات طابع خاص، حيث ركزت على مواضيع مهمة جدا، فلو أخذنا على سبيل المثال موضوع المشاريع التي تتمتع بسرعة تنفيذ مع أهميتها في الوقت الحالي، ومنها موضوع الشباب الخليجي والاهتمام به، والذي كان محورا أساسيا يجمع دول الخليج، ورغم أنه اختلف الأمر في الرؤية حول وضع خطط لكيفية الاستثمار في العنصر الشبابي، خاصة أنه يمثل النسبة الكبرى في تركيبة المجتمع الخليجي، ذلك لأنه في حاجة لأشياء كثيرة منها التعليم والصحة، والأهم من ذلك كيفية توظيف أوقات فراغه فيما يفيد البلاد ليكون إضافة ذات قيمة إيجابية حقيقية حتى لا ينجرف في تيار آخر سالب الانعكاس على المنتج الخليجي البشري والمادي، ما يعني أهمية خلق الوظائف المناسبة التي تستوعب قدراتهم والتي لا يمكن أن تقوم بها القطاعات الحكومية لوحدها، إذ لا بد من أن يكون للقطاع الخاص دور مهم ومنشود في استيعاب هذه القدرات الشبابية حتى تتم معالجة مخرجات التعليم واحتياج السوق الخليجي بشكل يرضي جميع الأطراف.

* مقاطعا.. لكن هل تعتقدون أن القطاع الخاص أدى دوره المطلوب تجاه الشباب الخليجي؟

- أعتقد أن هناك مؤشرات تبين أن القطاع الخاص بدأ يسير في الطريق المأمول منه، لكن في المقابل لا بد من معرفة أن القطاع الخاص قطاع ربحي في المقام الأول، وبالتالي تبقى المسؤولية الاجتماعية له في هذا الإطار تحتاج إلى أسس مكملة لعمله من خلال قيام الدولة بوضع أطر ومعايير لضبط عملية توزيع الفرص وتوفير الوظائف هنا وهناك بشكل سلس دون شطط أو إرهاق للقطاع الخاص والقطاع العام على حد سواء، وأعتقد أنه بالفعل هناك ضوابط في دول المجلس تشجع القطاع الخاص على المشاركة في استيعاب الكادر الخليجي الشبابي بشكل معقول، حيث إن آخر قرار اتخذه السلطان قابوس أن حدد نسب الأجانب في التوظيف تتراوح بين 30 و33%.

* لكن ما هي المشاريع المشتركة بين دول المجلس التي تهتم باستيعاب الشباب؟

- هذا سؤال في غاية الأهمية ويذكرني بالقرار الأخير الذي اتخذته القمة والمتعلق بالاهتمام بمشاريع الشباب واستيعاب قدراتهم، حيث تم تقديم خطة متكاملة مزودة ببرامج لتنفيذ هذا الأمر، وأولها مسألة تدريب الشباب لتسويقه، ويمكن هذا إحدى الشكاوى التي يطلقها القطاع الخاص بأن ضعف قدرات الشباب وعدم تأهيلهم والتدريب النوعي والاهتمام بالتخصص لا يساعد على استيعابهم، وحقيقة هناك قصور في عدد معاهد التدريب في المنطقة الخليجية من ناحية نوعية التدريب والتخصص، غير أن الاتجاه العام الخليجي حاول معالجة هذا الأمر من خلال توقيع اتفاقيات مع معاهد أوروبية وأميركية وآسيوية بهدف تدريب وتأهيل الشباب الخليجي، وهذا ترتب عليه ضرورة العمل على تأسيس مشاريع عملاقة لاستيعاب أكبر قدر من خريجي هذه المعاهد، سواء داخلية أو خارجية، وهنا أقول إن استطعنا أن نحقق نجاحات كبيرة في مجال التدريب النوعي للشباب نكون بذلك قد نجحنا في جاهزية الشباب الخليجي للتسويق محليا وخارجيا، فمثلا القطاع النفطي في دول المجلس غير مستوعب للخريجين من شباب الخليج في هذا المجال، ومثال آخره ألحظه في قطاع صناعة وميكنة السيارات الذي يغيب عنه الكادر الخليجي، وقطاعات أخرى حيوية كثيرة تحتاج إلى شباب متدرب ومؤهل من شبابنا، ما يحتم علينا ضرورة توفير معاهد كبيرة متخصصة لتؤهل وتدرب هؤلاء الشباب.

* هل لديكم مشروع جديد خاص بالشباب تنوون تقديمه في القمة المقبلة في الكويت؟

- نعم، لدينا حزمة من المشاريع الكبيرة يبلغ عددها 6. وكلها مخصصة للشباب، وهذا يعني أن هذه المشاريع لا بد لها من أن تتعامل مع الشباب كمنظومة واحدة مكتملة تستوعب كل التخصصات والقدرات ومتطلبات التغيرات التي انتظمت فيها الساحة على كافة الأوجه، مع أهمية الاعتناء بالتعليم بمختلف مراحله بشكل مواكب، ومن ثم المتابعة المتلاحقة، فمثلا اليابان تهتم بمرحلة التعليم الابتدائية التي تعتبر القاعدة، وبشكل خاص توفر لها ما يمكّن خريجيها من الاستفادة والإفادة، بما فيها علوم الاجتماع والأخلاق وكيفية التعامل مع الآخر؛ وفق رسم وتخطيط وتجارب معدة لذلك، وأعتقد أننا في الخليج أحوج إلى ذلك، خاصة أن لدينا وفرة مالية.

* أنت ذكرت 6 مشاريع منها الصحة والتعليم والتوظيف والبقية؟

- مقاطعا.. نعم، لكن لا بد من الاهتمام بصحة الشباب، خاصة أن هناك أمراضا مختلفة تنتشر بينهم، خاصة أمراض العصر، بما فيها السمنة والضغط والسكر والأمراض النفسية وغيرها، حتى نضمن سواعد شبابية قوية في البناء والتعمير الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي، وكذلك نهتم بتعليمهم من خلال تطوير المناهج بحيث تكون مواكبة ومستوعبة للمستجدات الحديثة والمنتجة، ومع علمنا بأن لكل دولة خليجية مشاريعها الناجحة في هذا المضمار، لكننا نسعى لتعزيز العمل الخليجي المشترك من خلال تأسيس مشروع مشترك يعنى بالشباب في كافة المجالات وعلى مختلف المستويات، والمشروع الثالث يهتم بعملية التوظيف وخلق الفرص المناسبة من خلال تأسيس مشاريع قادرة على تحويل التحديات إلى فرص، بحيث نوفر كادرا مؤهلا صاحب مهارات لهذه الوظائف في القطاعين العام والخاص حتى نسهم في الاستقرار المجتمعي، مع أهمية خلق الحس بالمسؤولية الاجتماعية، وأعتقد أن للقطاع الخاص باعا طويلا في ذلك كما هو الحال في الدور الذي يقوم به عبد اللطيف جميل كمثال للقطاع الخاص في السعودية، والذي استطاع أن يفتح فرص تشغيل للشباب السعودي من خلال برنامج باب رزق جميل، حيث كرم على مستوى دول مجلس التعاون، ويمكن أن تقيس على ذلك، ويمكننا أن نخلجن الوظائف (خلجنة الوظائف على وزن سعودة الوظائف) باتباع هذا المسلك للحصول على الوظيفة في كل زمان ومكان، وكانت لنا تجربة في برنامج تحت عنوان (مد الحماية التأمينية) الذي كان قد طبق منذ عام 2006، ونحن في دول المجلس نسعى لإشاعة ثقافة وتوعية المجتمع بهذا الأمر باستغلال مواردنا الثقافية البشرية والمادية، وخلق حاضنة لهم في القمة المقبلة.

* هل هناك مشروع يهتم بصياغة علاقة الشباب والإعلام حتى تعي الأطراف المعنية الدور المطلوب منها؟

- ما تتحدث عنه هو المشروع الرابع من ضمن المشاريع الستة، حيث أصبح الإعلام عالما مفتوحا له أدوات مختلفة ومتطورة ومتنافسة، شريطة الالتزام بالحرية المسؤولة؛ حتى لا يكون الإعلام مصدرا من مصادر الفوضى، والملاحظ وجود فضائيات بعدد كبير في الوطن العربي أكثر مما هو موجود من جامعات، حيث يوجد 560 فضائية في العالم العربي مقابل عدد قليل جدا من الجامعات، وفي ذلك خطورة كبيرة لأن تحصل عمليات تشويش كبيرة على ذهنية المتلقي العربي بما فيه الخليجي، وهذا يستعدي ضرورة العمل على الحد من الخطورة الناجمة عن ذلك في ذهنية شبابنا.

* هذه المشاريع ما آليات عملها؟

- بالطبع تم اعتماد هذه المشاريع التي ذكرتها لك، وبدأنا بالفعل تنفيذها وصياغة أدوات عمل لها، وكل دولة من دول المجلس تتكفل بعمل أحد محاور هذه الأدوات، مثلا محور استغلال أوقات الفراغ والسياحة يوكل لدولة الإمارات العربية المتحدة، ومحور الرياضة والشباب والثقافة يوكل لكل من السعودية وقطر، لكن جميعها تعمل في إطار واحد ونسبي، لأن رعاية الشباب الخليجي هي الأهم والأبرز في جدول اهتماماتنا، فلا بد للدول الست أن تعمل عليها في هذا الإطار وتناقش في شكل أوراق عمل من قبل خبراء مختصين في مجالاتهم، لكن لا بد من متابعة ورصد ما يتم بشأنها حتى تبلغ القرارات أهدافها.

* برزت إلى السطح بعض التحزبات الشبابية في بعض البلاد العربية والخليجية كمثل التوجهات الإخوانية.. هل لديكم هذا التوجس وكيف تنظرون إليه؟

- مع أنها ظواهر بدأت تبرز في الساحة وقد تكون محدودة، غير أنه لا بد من التعامل معها بمنتهى الجدية والمسؤولية، لكن من الصعوبة بمكان تعميم مثل التيار الإخواني على مختلف الدول الخليجية، والحال كذلك عند الحديث عن الليبراليين والاشتراكيين وغيرها من التجمعات والتيارات، غير أنه أصبحت واقعا موجودا لا يمكن إنكارها، هذا يستدعي منا ألا ندخل معهم في عملية تصادم، إذ لا بد من الإصغاء إلى الآخر وتفهم وجهة نظره ودراسة التغير بتأن حتى أعرف إن كان تغيرا ذاتيا أو مستوردا من الخارج أو نتيجة ضغوط خارجية، وإن كان يشير إلى نوع من أنواع التدخل في الشؤون الداخلية، لنعرف كيف يمكن التصدي له ولفكره، لكن عموما فإن أبناءنا وبناتنا من حاملي الفكر والتنوير يمكن مناقشتهم ومعرفة توجهاتهم طالما يصب ذلك في المصلحة العليا للبلد والمجتمع، دون الدخول معهم في صدام قد يؤجج الفتنة التي تصبح بمثابة الماء العكر للمتربصين بأوطاننا ومجتمعاتنا وشبابنا، وكان لدول المجلس حكمة معروفة وتجربة في التعاطي مع مثل هذه المواضيع، بما فيها «الخريف العربي» أو سمه ما شئت، لكن أن تلاحظ إن كنا قد تأثرنا به أم لم نتأثر ويمكنك ملاحظة الحكمة التي تحلى بها قادتنا تجاه التعاطي مع هذا الاتجاه، وتحضرني في هذا المقام مقولة الأمير نايف بن عبد العزيز- يرحمه الله- والتي قال فيها «أهنئ خادم الحرمين الشريفين بالشعب السعودي الوفي، بل نهنئ الخليج كله بقادته وشعوبه طالما التزمت بخط الوطنية والمسؤولية».

وأنا هنا أهنئ قادة مجلس دول التعاون الخليجي بشعوبهم الواعية، وأهنئ الشعوب الخليجية بقادتهم، وكل الذي يحدث الآن في المنطقة العربية ما هي إلا ردود فعل في عالم متغير في كل أنحاء الدنيا، وخلاصة القول إننا في الخليج لم يحدث على مدى التاريخ أن صارت شعوبنا جزءا من مشكلة، إذ لدينا الحلول وإطفاء نيران الفتنة، بل نحن جزء من حل المشاكل دائما وعلى مر التاريخ.

* في ظل المتغيرات التي تحيط بالمنطقة.. برأيك ما هي الأخطار التي تحدق بأمن دول الخليج؟

- الخليج العربي عبارة عن شبه بحيرة وليس كبيرا، لا من ناحية الطول أو العمق، والمشكلة أن معظم دول العالم تمر عبره سنويا من 30 إلى 40 ألف سفينة، سواء حاملة نقل أو نفط أو تجارة أو مخلفات وغير ذلك، في حين أن هناك أكثر من 90 مدينة وقرية على ضفتي الخليج، والأكثر خطورة في الأمر مرور السفن متعددة الأغراض، ما يستدعي ضرورة تعزيز التعاون بيننا وبين جيراننا، وبطبيعة الحال فإن حدث مكروه أو حرب حتى لو في إيران ليس في مصلحتنا ولا نحن نسعى لذلك، إذ لا بد من إرساء دائم للسلام، وهذا لا يعني أننا ضد استخدام الطاقة النووية، لكن شرطنا أن تستخدم للسلم والسلام لا الحرب، وهذا الوضع يحتم تعزيز مبدأ الشفافية، ما يعني أن إيران لا بد من أن تكون شفافة وتطلع المجتمع الدولي والخليجي على سلمية مساعيها حتى يطمئن لها الجميع، ونحن نعلم أن مفاعل بوشهر الإيراني بناه الألمان منذ 1975 وتم إيقافه في 1979. وندرك الكثير من المعلومات بشأن المفاعلات النووية وما يدخل في تصنيفها، سواء في إيران أو غيرها، وبالتالي فإن عدم شفافية إيران في نشاطاتها النووية يعني المخاطرة على الجميع، والتي لا تبعد عنا أكثر من 200 إلى 250 كيلومترا، وأقرب لنا من قربها لطهران، ومع ذلك ليس لدينا من مانع أن نتعاون مع إيران لمناقشة المخاطر والوصول إلى صيغة سلمية لتنزل أمنا وسلاما على العالم وعلينا جميعا.

* دعني أطرح عليك سؤالا حول النشاطات النووية الإيرانية كيف تنظرون لهذا الخطر المحدق بالخليج وكيف يمكن التعامل معه؟

- مقاطعا.. الخطورة قائمة بالتأكيد لأن الأمر يتجاوز مسألة الحرب والحريق النووي إلى الإشعاع الذي ينتشر بسرعة فائقة وبإمكانه إيصال الأذية حتى للبعيد، فضلا عن التلوث الكيميائي والبيئي وغيره من الملوثات التي يمكن أن تدركها حاسة الشم، غير أن الإشعاع خطورته أنه ليس له لون ولا طعم ولا رائحة، وبالتالي لن يدرك المواطن العادي إلى أي حد يمكن أن يكون هو في منطقة خطرة ملوثة إشعاعيا، زد على ذلك أن الأثر المتبقي له يعيش أمدا طويلا، سواء في الغذاء أو الكساء أو الهواء أو الأرض وفي الزرع والضرع، ما يعني أن التلوث الإشعاعي ليس كغيره من أنواع التلوث الأخرى والذي يحدد جغرافيا وزمنيا ولا يمكن مكافحته ومعالجته بطريقة آمنة، وللأسف فإنه من الملاحظ أن المفاعلات الإيرانية النووية زرعت في شكل جسر وخط واحد يفصل بين إيران وجيرانها من دول منطقة الخليج، الأمر الذي زرع الخوف في التجار من بحارة اللؤلؤ والمرجان، ناهيك عن انتهاك الأمن المائي الذي هو من أهم الأولويات لدى إنسان المنطقة وهو من أهم السلع العالمية.

* مركز الخليج للرصد البيئي لقياس نسبة الإشعاعات.. إلى أين وصل، وأين سيكون مقره، وكيف سيعمل؟

- أسند المركز إلى بيوت خبرة ليعمل بصورة عملية حديثة، وسيكون مقره في دولة الإمارات العربية المتحدة، وسيبدأ قريبا قبل القمة القريبة في الكويت، وهو مركز علمي فيه مختبرات، وهناك لجنة تسمى لجنة الأرصاد تعمل مع الستالايت لمعرفة أحوال الماء والهواء والغذاء المستورد والمصدر في المناطق الجمركية، وغيرها، ومدى تلوثها بالمواد المشعة. وكان هذا قرارا جاء على خلفية قرار خصص للرصد الإشعاعي الموجود في آيرلندا، لأن آيرلندا مشابهة لوضعنا، حيث توجد في منطقة يفصل بينها وبين بريطانيا التي بها مفاعلات نووية ممر مائي، واستطاع الآيرلنديون أن يجندوا خبراءهم وعلماءهم لدراسة الحالة الإشعاعية وآثارها وامتدادها على مدار الـ24 ساعة، كدراسة علاقة الإشعاع والحياة الفطرية والإشعاع والماء والأمراض وغيرها من الثنائيات ذات العلاقة.

* من الملاحظ أن القرار الإيراني مستمر بتنشيط المفاعلات النووية رغم أنف العالم.. لكن ما هي آلية دول المجلس للتعامل مع المشكلة، خاصة في حدوث كارثة لا قدر الله؟

- هذا سؤال مهم جدا.. لكن دعني أؤكد لك استعدادنا التام في دول المجلس للتصدي لذلك وفق خطة خليجية مشتركة محكمة، وتشتمل على خطة الطوارئ، ولدينا منظمة تسمى منظمة الحماية البحرية الموجودة في الكويت، وهي تضم مع دول الخليج والعراق وإيران (الدول الـ6+2) حتى تأخذ طابعا عالميا وعلميا، كما لدينا مركز الطوارئ البحرية في البحرين تحت مسمى «ميماك»، وكانت قد اعتمدت قمة أبوظبي خطة طوارئ وعرضناها بعد ذلك لشركة أميركية، غير أنها طلبت زيادة 20% مما تم الاتفاق عليه، ومن بعد ذلك تم طرحها لعدة شركات عالمية، ورست المناقصة على شركة كندية تعمل في دول مجلس التعاون في مجال المخاطر والتدريب والتوعية، وهذه الخطة مرسومة على ثلاث مراحل وأثناء وبعد، وسوف تهتم بأولوية المخاطر الموجودة في دولنا سواء صحية أو بشرية وغيرها.

* صدر تقرير يتحدث عن أنه في حالة قيام حرب أو كارثة نووية في إيران فإن تأثيرها على الأراضي الإيرانية لا يتجاوز 10% فيما سيكون الضرر الأكبر على دول الخليج.. إلى أي مدى دقة هذا الكلام؟

- هذا تقرير على الأرجح صادر عن جهات إيرانية، ومع احترامنا للجارة إيران إلا أنني أعتقد أن هذا التقرير لا يشتمل على مصداقية، فهناك تعتيم في كل خطاباتهم السياسية والعلمية، مع العالم ومعنا، في الوقت الذي يربطنا معهم الكثير من المشتركات بما فيها الدين والجغرافيا والتاريخ والاقتصاد، ونحن كل طلباتنا معهم التزام الشفافية والمصداقية في تعاملاتهم وخطاباتهم، ليس فقط معنا في دول الخليج، بل حتى مع كل العالم الذي يدرك حجم المخاطر ويسعى معنا لتداركها، ولذلك أعود فأقول إن المخاطر التي ستنجم عن مفاعلهم يتجاوز مقدراتهم ومقدرات غيرهم، وهذا يذكرني بالمفاعل الروسي وما آل إليه وما صار في اليابان مع أنها تمتلك الجيل الرابع الذي يتمتع بأمن وسلامة عاليين، فما بالك بمفاعل بوشهر الذي يوجد على أكبر منطقة زلزال في العالم، ناهيك عن فقدانه عنصر الأمن والسلامة في الأساس.

* كذلك هناك تقرير حمل معلومة مفادها أن مفاعل بوشهر تسرّب منه إشعاع، الأمر الذي جعله في موضع أكثر خطورة وشهرة عن غيره من المفاعلات النووية الإيرانية التي تلامس الـ23 مفاعلا؟

- طبعا أول شركة تعاونت مع إيران في بناء مفاعل بوشهر شركة (سيمينس) الألمانية وليس الروس، غير أنه في عام 1979 بعد الثورة الإيرانية أوقفت الشركة الألمانية نشاطها، وفي 1985 جاءت شركة روسية ووقعت عقدا مع إيران لبناء مفاعل نووي يكلف 2.5 مليار دولار، إلا أن الحكومة الإيرانية رأت أن تكمل بناء المفاعل النووي السابق مع الشركة الروسية بتكاليف أقل تصل إلى 800 مليون دولار، وهنا مكمن الخطورة أيضا، لأنها بنت مفاعلا على مفاعل لشركتين مختلفتين، مع العلم أنهم سينفقون أكثر على ذلك، وللأسف الشعب الإيراني مغيب تماما عن أي معلومات عن ذلك، علما بأن إيران لم توقع على كل الاتفاقيات المعنية بالأمن والأمان النووي منذ 1994 مع بقية دول العالم الأخرى، وبالطبع الالتزام بهذه الاتفاقيات يعني التزاما بالأمن العالمي وليس الأمن الإيراني، ولذلك هناك مسؤولية أخلاقية تتحملها إيران في هذا الصدد.

* في ظل هذا الوضع الخطير.. هل تتمتع دول المجلس بمجسات إشعاعية، وهل هناك خطة خليجية للحماية منها، وفي ظل هذا الخطر المحدق أليس من وسيلة للتعاون من قبل إيران لدرئه؟

- نعم، في كل دول المجلس توجد مجسات إشعاعية لمقايسة نسبة الإشعاع المتسرب من أي جهة كان، وهناك نظام يحكم هذه العملية في وجود ستالايت للقياس يوضح المعلومات الخاصة بهذا الشأن، كما أن هناك خطة الطوارئ تعرّف الجهات المعنية إذا حدث لا سمح الله انفجار في مكان معين، تتمتع طواقمها بالتدريب والتأهيل للتصدي لتأثيراته، ولها دليل يبين كافة التعليمات وشكل التوعية للمواطن، وأما مسألة التعاون مع إيران في درء مخاطر ما يمكن أن يسفر عنه أي انفجار نووي، فإنه لدينا ما يمكن أن يجمعنا معهم في تفاوضات من خلال المنظمة البحرية ووكالة الطاقة الذرية والمجتمع العالمي، غير أننا لا نطلب منهم سوى الجلوس إلى مائدة السلم والسلام والأمن والأمان، لأنه لا مجال أفضل من اتباع وسيلة للتعاون والتفاوض، وخير مثال على أن دول الخليج دعاة سلام وجزء من حل المشاكل العالمية ما صدر مؤخرا عندما تمت دعوة بانكي مون للمجتمع الدولي بإيعاز من قادة دول الخليج لمساعدة الشعب السوري، حيث أثمر تعاوننا عن جمع 1.5 مليار دولار لصالح إخوتنا في سوريا، فنحن مصداقيتنا عالية في كل القضايا العالمية والعربية، ومثال ذلك في غزة واليمن، حيث كانت مبادرة دول الخليج محل إشادة دولية لأنها حقنت الدماء ورصدت أموالا للبناء والتعمير، وهذا يؤكد المسار الذي اختارته هذه الدول للمشاركة والتعاون لإحلال الأمن والسلام إقليميا ودوليا.

* هناك ما يتراوح بين 30 و40 ألف سفينة تعبر مياه الخليج العربي.. إلى أي حد تسببت في تلويث المنطقة، وهل لديكم ما يمنع التلوث الذي تسببه بمخلفاتها؟

الخليج متلوث كيماويا وبيولوجيا إلى جانب ملوثات الصرف الصحي ومخلفات السفن وغيرها من صيد جائر للأسماك، غير أننا مساهمون في تأسيس منظمة حماية البحار، وهناك اتفاقية تسمى ماربل، والأخيرة تلزمنا بمحاسبة هذه السفن بسبب تحديد أماكن مخلفاتها، ولا بد من تحديد الأماكن التي تلقى فيها هذه المخلفات، وهناك بعض الدول أنشأت مؤخرا مرافق لاستقبال الملوثات والمخلفات، وهناك دراسة خليجية مسحية مع البنك الدولي عن الأحياء البحرية، سواء كانت بحرية أو نباتية، لدراسة هذه المناطق، ولذلك هناك مساع خليجية للحد من التلوث وضبطه من خلال إدارة النفايات التي أصبحت مجال أعمال كبيرة، سواء كانت نفايات صلبة أو كيماوية أو بيولوجية، غير أنه من الصعوبة بمكان منع حدوثه.

* إلى أين وصل مشروع الربط المائي الذي أقرّته القمة الخليجية الـ32؟

- الربط المائي أو ربط سكك الحديد أو أي ربط من أي نوع، فهو يعني إقامة مدن بحالها وكم كبير من الوظائف تتوافر وصناعات تتأسس وربط مع العالم يتوسع، وبالتالي التنقل بين دول المجلس، فضلا عن أهمية الربط الكهربائي الذي أصبح جسرا تجاريا وسوقا رائجة كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي، ولذلك نحن في دول الخليج يعود علينا هذا الربط بفوائد اقتصادية وسياسية واجتماعية جمة، بل حتى الصراعات والنزاعات تقل بسبب العمل على الحفاظ على المصالح المشتركة، كما أن لدينا مصدرا نفطيا نستطيع أن نشتري به المصادر المائية ومن أي مكان ونجعل منها سوقا ومجالا للعمل والاقتصاد، وهذا سيمكننا من الاستعداد لعام 2032 الذي يحمل اتجاها آخر لنا كمصدر للنفط ويفقدنا استفادة أكثر من 90% منه في المياه والكهرباء وفق دراسات، وذلك نسبة للزيادة السكانية التي سيشهدها الخليج في ذلك الوقت.

* المنطقة الخليجية تعاني مشكلات بيئية.. هل بدأت رصد بعضها كالنفايات والتصحر وما شابه ذلك؟

هناك لجنة وزراء بدأت من 1985 برصد عملية المخاطر البيئية الموجودة ومصادر الملوثات أيا كان نوعها، ووضع حلول للتعامل معها، ودخلنا في اتفاقيات مع الدول مثل كيوتو ونحن طرف فيها لحماية طبقة الأوزون، حيث نتميز بأننا أكثر دول العالم لوجود قوانين لحماية طبقة الأوزون، حيث إننا في عام 2006 حصدنا جائزة وزارة البيئة الأميركية على مستوى الأمانة العامة وقطاع النساء والبيئة، كما حصدنا جائزة السلطان قابوس لقطاع النساء والبيئة في مجال القضايا البيئية، إذ لدينا أنظمة تستفيد منها الدول العربية وغيرها من دول العالم، وخلاصة القول لا يوجد مشروع وإلا وجد اهتماما خاصا وأفردت لها دراسات جدوى اقتصادية.

* متى يجني المواطن الخليجي ثمرات هذه القرارات والمبادرات، خاصة تلك التي تتعلق بالربط المائي والكهربائي وقضايا التوظيف؟

- بالنسبة للمجال التوظيفي فهو مبادرة خليجية موجودة، وهناك تفصيلات أكثر عنها موجودة في الموقع الإلكتروني، حيث تسجيلات وأرقام تبين حجم الإنجاز في ذلك، وهناك إعلام يعمل لتنبيه الشاب الخليجي الباحث عن وظيفة إلى كيف يمكنه الحصول على وظيفة مناسبة، وأما شبكتا المواصلات والكهرباء فقد انطلقتا، وهناك عمل تنفيذي يتم بشأنهما، كما أن هناك مكتبا تنفيذيا يوجد في الدمام، وأما شبكة الربط المائي على وشك الانطلاقة، والحال ينطبق على العملة الخليجية الموحدة فهي أيضا على وشك العمل بها، التي خصص لها موقع في مدينة الملك عبد الله المالية في الرياض ولا ينقصها سوى أشياء فنية بسيطة، وهناك الكثير الكثير من المنجزات التي نبشر بها المواطن الخليجي في حينها، ولولا أن هناك تحديات واجهت مجلس التعاون في مرحلة من مراحل عمله كالحرب الخليجية وغيرها، لكان كل ما تم اعتماده تم تنفيذه بأسرع ما يكون، لكن الآن لم يعد هناك ما يعرقل تنفيذ ما تبقى من مبشرات ومبادرات ومشاريع وبسرعة تجاوزت الظنون.