هيغ: جهاديو سوريا الأخطر على الغرب

بريطانيا ترسم استراتيجتها لمكافحة الإرهاب.. وتجدد الالتزام برفع الحظر عن تسليح المعارضة

جنازة أحد المقاتلين في مدينة حلب أمس (أ.ف.ب)
TT

بينما تزداد المؤشرات على احتمال اتخاذ الاتحاد الأوروبي قرارا برفع حظر السلاح عن المعارضة السورية في اجتماعه بعد غد في بروكسل، أكد وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ، الليلة قبل الماضية، أن سوريا باتت اليوم «الوجهة الأولى للجهاديين»، محذرا من أنه كلما طال أمد النزاع الدائر في هذا البلد زاد «خطرهم» على الغرب.

وقال هيغ، في كلمة ألقاها في لندن حول «مكافحة الإرهاب في الخارج»، إن بلاده «لم تفقد إيمانها» بانتفاضات الربيع العربي التي أطاحت منذ بداية 2011 إلى الآن بكل من الرئيس المصري حسني مبارك والتونسي زين العابدين بن علي واليمني علي عبد الله صالح والعقيد الليبي معمر القذافي. لكنه قال إن «سوريا هي اليوم الوجهة الأولى للجهاديين في العالم أجمع، ومن بين هؤلاء هناك أشخاص مرتبطون ببريطانيا وبدول أوروبية أخرى». وأضاف هيغ في كلمته أن الثورة السورية «ستكون الحالة الأكثر حدة لانتفاضة يختطفها الإسلاميون».

وكانت الخارجية البريطانية قد أكدت في غير مناسبة أنها تتعامل «بمنتهى الجدية» مع تقارير عن وجود بريطانيين ضمن المسلحين الإسلاميين الذين يقاتلون ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، خصوصا بعد حادثة خطف المصور الصحافي البريطاني جون كانتلي وزميله جيرون أورليمانيس، اللذين أكدا سماعهما للهجات بريطانية ضمن المجموعة الخاطفة. وأضاف هيغ الذي تحدث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (روسي)، وهو مركز للدراسات العسكرية، أن هؤلاء «الجهاديين قد لا يشكلون أي خطر علينا عندما يذهبون إلى سوريا، ولكن إذا ظلوا على قيد الحياة يمكن أن يعودوا مزودين بآيديولوجية أكثر تصلبا وبخبرة في الأسلحة والمتفجرات».

يشار إلى أن لندن تحاول الضغط على الاتحاد الأوروبي لتخفيف حظر الأسلحة المفروض على سوريا بهدف تسهيل وصول المزيد من المساعدات العسكرية إلى المعارضة السورية. وتنتهي صلاحية الحظر الحالي نهاية فبراير (شباط) الحالي، ومن المنتظر أن يعقد في بروكسل الأسبوع المقبل اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لتدارس المطلب البريطاني بتوريد أسلحة ومواد غير فتاكة مثل السترات الواقية من الرصاص ومعدات الاتصال للثوار.

كما وجه هيغ رسالة إلى المسؤولين الروس بالقول «كلما طال أمد الصراع تزايد خطر هذا الأمر، وهي نقطة يجب ألا يغفلها صناع القرار في روسيا وغيرها»، وحث روسيا والصين على دعم جهود مجلس الأمن الدولي من أجل التوصل إلى حل للصراع «وإلا واجهنا خطر استخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية السورية».

واستخدم هيغ خطابه لوضع خطط لتنفيذ برنامج طموح لحشد الدعم لحقوق الإنسان في دول حليفة للندن بهدف مقاومة الإرهاب الدولي. وأشار إلى أن الهدف من مبادرة «شراكات العدالة وحقوق الإنسان» هو تمكين المملكة المتحدة من تبادل المعلومات الاستخبارية المتعلقة بالأنشطة الإرهابية مع بلدان لا تتمتع برصيد عال في ما يتعلق بحقوق الإنسان، من دون أن يؤدي ذلك إلى تعذيب أو إساءة معاملة المشتبه بهم. وقال «عندما نكتشف خيوطا لمؤامرة إرهابية تحاك في بلد ثالث، فسنكون مستعدين لتبادل هذه المعلومات لمنع تنفيذ هذه المخططات». وأضاف أن المملكة تتوقع أن يؤدي ذلك إلى اعتقال، والتحقيق، ومحاكمة المتورطين وفقا «لالتزاماتنا القانونية، ومع احترام حقوقهم الإنسانية في كل مرحلة». وتأتي هذه المبادرة بعد مقتل ستة بريطانيين الشهر الماضي في محطة «تيقنتورين» في منطقة عين أميناس بالجزائر التي تشارك في إدارتها شركة «بريتش بتروليوم».

وعلى صعيد متصل، من المفترض أن تبدأ في 5 يونيو (حزيران) المقبل محاكمة كل من جبير شودري وشاجول إسلام، بتهمة الضلوع في خطف المصورين اللذين كانا يغطيان النزاع السوري في يوليو (تموز) العام الفائت. وفي اتصال هاتفي أجرته معها «الشرق الأوسط» من لندن أمس، رفضت الخارجية البريطانية الكشف عن عدد «الجهاديين» البريطانيين في سوريا، لكن الناطق باسم الخارجية شدد على أن «الحكومة البريطانية تأخذ على محمل الجد وجود عدد منهم ضمن صفوف المقاتلين الأجانب في سوريا»، مضيفا أن الخارجية تنصح بعدم السفر إلى سوريا، وأن «أي شخص، بمن فيهم الرعايا السوريون، يعرضون أنفسهم للخطر، لا سيما أن السوريين (الثوار) أعلنوا بشكل صريح أنهم بحاجة إلى معونات ومساعدات وليس مقاتلين».

وفي سؤال حيال ما إذا كانت الاستراتيجية الجديدة ستشكل تقهقرا لمساعي بريطانيا من ناحية رفع الحظر الأوروبي على توريد السلاح للمعارضة السورية، أكدت الخارجية في بيان أرسلته لـ«الشرق الأوسط» أن المملكة المتحدة ستحضر اجتماع مجلس وزراء الخارجية الأوروبي المقرر عقده الاثنين 18 فبراير المقبل في بروكسل بهدف رفع الحظر. وأشار البيان إلى قناعة المملكة بوجوب رفع الحظر بداية مارس (آذار) المقبل، وذلك للتأكد «من أن جميع الوسائل التي تطلبها المعارضة لحماية المدنية متاحة». وأضاف البيان «وجوب تعديل الحظر الحالي المفروض على الأسلحة بحيث يستهدف نظام الأسد والميليشيات التابعة له».

وفي ما يتعلق بالربط بين الاستراتيجية التي تحدث عنها هيغ والدعم العسكري للمعارضة السورية، أشار البيان إلى أن «المملكة المتحدة لم تتخذ قرارات من شأنها أن تغير دعمها المقدم للائتلاف الوطني أو السوريين عامة»، مؤكدا أن الهدف الأساسي لرفع الحظر المزمع هو «إرسال رسالة قوية للأسد مفادها أننا لن نستبعد أي خيار لإنهاء العنف وحل الأزمة».

ويعد اجتماع الاثنين المقبل الثاني من نوعه بعد الاجتماع الوزاري نهاية الشهر الماضي الذي باشر بدراسة الملف المذكور منكبا على تفحص وثيقة أعدها مكتب كاثرين أشتون، ممثلة السياسية الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، التي اقترحت خمسة خيارات يتعين على الوزراء الـ27 اختيار واحد منها بالإجماع.

وتتأرجح الخيارات المقترحة «حتى الآن» ما بين الإبقاء على الحظر كما هو ولمدة مماثلة للفترة السابقة (أي ثلاثة أشهر) أو تقصيرها لشهرين مثلا لتكون بمثابة «إشارة سياسية» للنظام السوري ومن يدعمه، أو إقرار رفع «جزئي» للحظر أو الرفع التام. وقالت مصادر دبلوماسية أوروبية لـ«الشرق الأوسط» إنه في حال بقي الانقسام القائم الآن بين العواصم الأوروبية على حاله، فإن أحد المقترحات التي قد تطرح على الطاولة هو إعطاء الدول الأوروبية الأعضاء حق تقرير ما تريد أن تفعله بنفسها، أي كسر القرار الجماعي والتعاطي انفراديا مع الواقع السوري.

وتبدو أوروبا منقسمة إزاء ملف تصفه مصادر فرنسية بأنه «معقد وبالغ الحساسية». وأكثر الدول تحفظا على رفع الحظر هي الدول الإسكندينافية، وتاليا فرنسا التي كانت أول من دعا إلى رفع الحظر. وتتذرع باريس، بحسب ما فهم من تصريحات رئيس الجمهورية فرنسوا هولاند قبل أيام بمناسبة القمة الأوروبية، بوجود «مبادرات سياسية» لتأجيل رفع الحظر، في إشارة إلى ما طرحه رئيس الائتلاف الوطني للمعارضة والثورة أحمد معاذ الخطيب الذي اقترح «حوارا مشروطا» مع النظام السوري وللوساطة التي ما زال يؤديها المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي ومساعيه للتقريب بين المواقف الروسية والأميركية.

غير أن الناطق باسم الخارجية الفرنسية فيليب لاليو قال في مؤتمره الأسبوعي أمس إن أحد العوامل التي يأخذها الأوروبيون بعين الاعتبار هو التساؤل عمن يمكن أن يصل إليه السلاح. وبكلام آخر، فإن باريس ومعها العديد من الأوروبيين، تريد أن تعرف لمن يعطى السلاح، وأين سيستعمل، وكيف يمكن استعادته عندما يسقط النظام.

وترى فرنسا أن «التحدي الكبير ليس السلاح أو عدمه، بل بلورة حل سياسي انطلاقا من مقترحات الخطيب والإبراهيمي». غير أن المشكلة تكمن في أن الكثير من المراقبين الغربيين يقولون إن الخروج من حال المراوحة الميدانية «لن يتم ما دامت الأمور لم تتغير ويشعر واحد من الطرفين بأن زمن التفاوض قد أتى لتجنب المزيد من الخسائر». وبحسب المصادر الدفاعية الفرنسية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، فإن الانطباع العام المكون لدى الأجهزة يفيد بأن الأسد «لم يرم بكامل قوته في الميدان، وأنه ما زال لديه احتياطي عسكري واسع» يستطيع اللجوء إليه رغم ما خسره من مناطق. ونقلت مصادر فرنسية أخرى عن الجانب الروسي قوله إن الانسحابات التي قامت بها قوات الأسد من بعض المناطق كانت «طوعية» لتحاشي تشتيت جيشه وللمحافظة على ما يعتبره «مناطق استراتيجية»، أي الخط المنطلق من درعا جنوبا وصولا إلى دمشق وامتدادا منها إلى وسط سوريا فالواجهة البحرية.