زعيم الصين الجديد يحذر من مصير الاتحاد السوفياتي

تشي جينبينغ يريد لعب دور مختلف عن سلفه وتحقيق التغيير بشكل تدريجي

تشي جينبينغ
TT

عندما زار الزعيم الجديد للصين، تشي جينبينغ، جنوب البلاد في إطار الدعاية لنفسه كإصلاحي جريء يسير على خطى دينغ شياو بينغ، كانت لديه رسالة أخرى يريد أن يوصلها إلى مسؤولي الحزب الشيوعي وراء الأبواب المغلقة. ورغم عقود من النمو الاقتصادي الكبير، فإن تشي أخبر مسؤولين داخل الحزب خلال زيارة إلى مقاطعة غواندونغ في ديسمبر (كانون الأول) أن الصين لا بد أن تظل مدركة «لدروس الاتحاد السوفياتي العميقة» التي أدى فيها الفساد السياسي والهرطقة الآيديولوجية وخيانة الجيش إلى انهيار الحزب الحاكم.

وفي مقاطعة تعرف بالرأسمالية المحمومة، طلب العودة إلى نهج لينين التقليدي. وتساءل: «ما هو سبب انهيار الاتحاد السوفياتي؟ وما هو سبب انهيار الحزب الشيوعي السوفياتي؟».

وقال أيضا بحسب ملخص لتعليقاته تداولها بعض المسؤولين لكن لم تنشرها وسائل الإعلام الحكومية: «السبب الأساسي هو عدم تمسكهم بمبادئهم وقناعاتهم». وأضاف: «في النهاية لم يستغرق الأمر سوى كلمة هادئة من غورباتشوف يعلن بها حل الحزب الشيوعي السوفياتي، وراح إلى الأبد حزب عظيم. في النهاية لم يكن هناك رجل حقيقي ولم يظهر أحد ليقاوم».

خلال الأشهر الثلاثة الأولى من توليه المنصب الأعلى في الصين، ظل تشي يتحرك بين الدفاع عن قبضة الحزب المطلقة على السلطة، والتعهد بالهجوم على مصالح نخبة الحزب التي تدعم الفساد. وتعد كيفية الموازنة بين هذه الأهداف معضلة بالنسبة لتشي الذي يمكن أن يحطم منافسوه، الذين يعتزمون حماية دائرة نفوذهم والدفاع عن سلطة الحزب بأي ثمن، برنامجه وخططه بسهولة.

وقال ما يونغ، وهو مؤرخ بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية: «يتحدث الجميع عن الإصلاح، لكن في الحقيقة يخشى الجميع من الإصلاح. بالنسبة لقادة الحزب السؤال هو: هل يمكن للمجتمع أن يظل تحت السيطرة إذا مضت قدما؟ هذا هو الاختبار».

كان غاو يو، وهو صحافي سابق ومعلق مستقل، أول من كشف تعليقات تشي على مدونة. وأكدت ثلاثة مصادر، اطلعت من مسؤولين أو رؤساء تحرير في صحف حكومية على نسخ من تعليقات تشي، صحة تلك التعليقات، لكنها رفضت الإفصاح عن هويتها لتفادي العقاب بسبب مناقشة شؤون تتعلق بالحزب.

أصبح الصراع بين الإيمان بالتغيير والدفاع عن كبار مسؤولي الحزب موضوعا دائما في الصين منذ أن وضع دينغ البلاد على طريق التحول الاقتصادي في نهاية سبعينات القرن العشرين. ومع ذلك وصل تشي إلى سدة الحكم في وقت تزداد فيه التوترات الناجمة عن هذا الصراع حدة، ويتعاظم فيه ضغط تطلع الشعب نحو مزيد من المساءلة للمسؤولين، فضلا عن وصول عدد المشاركين في المنتديات على شبكة الإنترنت إلى ملايين.

تعهد تشي ببذل جهود كبيرة لمعالجة مشكلات الصين الملحة، بما فيها فساد المسؤولين والهوة الشاسعة بين الأغنياء والفقراء، وسعى لتقديم صورة أكثر إشراقا مستغنيا عن بعض قوات الأمن التي تستخدم وسائل الإرهاب التي كانت تحمي سلفه هو جينتاو، وطلب أن يتم التخلي عن المآدب الرسمية لتحل محلها وجبات أقل تكلفة. ومع ذلك كشفت ملاحظات تشي حول الدروس التي ينبغي تعلمها من الاتحاد السوفياتي، والتحذيرات في وسائل الإعلام الحكومية، عن خوف من أن تسيطر توترات الصين على الحزب، خاصة إذا لم يتم تنفيذ تعهدات التغيير بسبب الجمود السياسي ومعارضة الجماعات من أصحاب المصالح، مثل الكيانات المملوكة للدولة.

وقد شهد العام الحالي بالفعل احتجاجات بسبب الرقابة على صحيفة تحظى بشعبية وتلوث الهواء الخانق في بكين، مما جعل قيادة الحزب الجديدة تذوق مرارة هذه الضغوط. وتحث بعض الأصوات التقدمية قادة الصين على القيام بالأفعال وعدم الاكتفاء بالأقوال فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان وحدود سلطة الحزب كما ينص الدستور.

وعلى الجانب الآخر، يثني اليساريون من أنصار المدرسة القديمة على تشي باعتباره رجلا قوميا سيفعل أكثر مما فعل أسلافه فيما يتعلق بالأراضي الصينية المتنازع عليها. وتشمل الاختيارات التي تواجهها القيادة الجديدة حدود ارتخاء قبضة الدولة المستمرة على الاقتصاد والوعود بمحاربة الفساد، وهي خطوة من شأنها استعداء مسؤولين نافذين وعائلاتهم.

وتساءل دينغ دونغ، وهو معلق على الشؤون الجارية في بكين: «كيف يمكن للحزب الحاكم أن يؤمن موقفه في وقت متقلب؟ يعد هذا تحديا حقيقيا قد يؤدي لحدوث نوع من التوتر وأزمة كامنة داخل الحزب».

أمام تشي والحلقة المقربة منه قرابة 18 شهرا لإحكام قبضتهم على السلطة، وبدء أي مبادرات كبرى قبيل المؤتمر المقبل للحزب الشيوعي وتحول القيادة في مطلع عام 2017؛ من أجل جذب انتباه النخبة، بحسب كريستوفر جونسون، المحلل في شؤون الصين بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن. ويقول جونسون، المحلل المتخصص في شؤون الصين سابقا بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية: «حتى الآن، هو شخص يحاول أن يحقق الهدفين في آن واحد. والسؤال هو: إلى متى سيظلون قادرين على المضي قدما من خلال إظهار لفتات مثل تقديم أربعة أطباق وحساء قبل أن يتعين عليهم اتخاذ القرارات الصعبة؟».

حتى الآن، انشغل تشي بتمييز نفسه عن سلفه عبر تعاقب نشط للزيارات والخطب. وكان جينتاو، الذي لا يزال رسميا رئيسا للبلاد حتى الشهر المقبل، قد صعد إلى السلطة تصاحبه توقعات واسعة النطاق بالتغيير، لكنه أثبت أنه قائد غير مغامر.

في الأسابيع الأخيرة، وعد تشي بالقضاء على الضباب الدخاني الضار في بكين وتسهيل التلويح لسيارة أجرة في شوارع المدينة التي تعاني اختناقا مروريا. وقبيل ذلك، تعهد تشي بأن يسمح الحزب بتوجيه «انتقاد صارم» لإخفاقاته، وقال: «السلطة يجب أن توضع في إطار مؤسسي».

يذكر أن الرقباء قد سمحوا بالصور الفوتوغرافية التي تظهر تشي في صورة شخص هادئ البال لنشرها على الإنترنت، بينها واحدة يظهر فيها في مقابلة مرحة مع رجل يرتدي ثياب بابا نويل أثناء رحلة بالخارج. وقال إزرا فوغل، وهو أستاذ فخري متخصص في العلوم الاجتماعية في جامعة هارفارد، وزار مؤخرا الصين التي درس فيها على مدى عقود، إن تشي «لا يرغب في أن يتمتع بنفس شهرة هو جينتاو، بوصفه شخصا لم يحقق قدرا كبيرا من التقدم».

غير أن تشي قد قلص وعوده بصور أحبطت بعض مؤيدي تفعيل تغيير أسرع مدفوع بالسوق وتحرر سياسي. وفي أحد خطاباته، قال تشي إن التغيير يجب أن يكون تدريجيا، مستشهدا بقول دينغ إن التقدم يتم «بعبور النهر بتلمس الأحجار». وفي قول آخر له، ذكر أنه يجب عدم نبذ حقبة ماو تسي دونغ من الاشتراكية الثورية بوصفها فاشلة.

وعلاوة على ذلك، طالب مرارا بأن يظهر الجيش ولاء لا يتزعزع، وهو مبدأ عجز الحزب الشيوعي السوفياتي تحت قيادة ميخائيل غورباتشوف، من وجهة نظره عن التمسك به.

يعتبر تشي (59 عاما) ابنا لثوري عمل جنبا إلى جنب مع ماو إلى أن تم حبسه. وقال معلق رفيع المستوى لحساب صحيفة صينية بارزة إن الإرث السياسي قد جعل تشي أكثر حساسية تجاه إظهار أنه «أثناء حديثه عن الإصلاح، يرغب أيضا في إخبار الحزب بأنه لن يصبح غورباتشوف».

وعلى عكس القائد السوفياتي السابق، يسيطر تشي على اقتصاد نما، رغم كل المخاطر، بقوة على مدى ثلاثة عقود، محفزا الصين على التمتع بتأثير دولي أكبر. غير أن المسؤولين الصينيين حذروا من أن ارتفاع مكانة البلاد يولد أيضا منافسات خارجية ومطالب محلية من شأنها أن تعظم حجم الضرر الناجم عن العثرات السياسية والشقاقات.

وقال تشي لمسؤولي الحزب في غوانغدونغ: «نحن قوة بارزة، ولا يمكننا أن نسمح بحدوث أي أخطاء هدامة فيما يتعلق بالقضايا الجوهرية. في حال حدوث ذلك، لن يكون هناك رجوع».

* ساهم إدوارد وونغ في كتابة التقرير من بكين

* خدمة «نيويورك تايمز»