ناشطات سوريا يدفعن الثمن مرتين: ممارسات النظام وأحكام المجتمع

إحداهن انتحرت هربا من مجتمعها بعد اعتقالها واغتصابها

TT

اعتقلت هند، وهي فتاة عشرينية تقطن مع عائلتها في حي الصليبة وسط مدينة اللاذقية، بعد اتهامها من قبل قوات الأمن السورية بمساعدة «الإرهابيين» وتزويدهم بالمعلومات. داخل المعتقل، تعرضت هند، وهو اسم مستعار، إلى تعذيب وحشي وصل، وفق ناشطين سوريين، إلى «حد اغتصابها مرات عدة»، مما وضع عائلتها في موقف حرج، لا سيما بعد شيوع الخبر في أنحاء الحي.

بعد مرور أشهر على اعتقالها، أطلق سراح الفتاة التي عادت إلى منزلها محطمة ومرعوبة، لكن محنتها لم تنته هنا؛ إذ وجدت نفسها منبوذة في محيطها الاجتماعي المحافظ، الذي يساوي بين الضحية والجلاد في مثل هذه الحالات. أقدم خطيبها، الذي كانت مرتبطة به قبل دخولها المعتقل، إلى فك ارتباطه بها، فيما لم تجد سندا عاطفيا ودعما معنويا ونفسيا من قبل عائلتها، التي منعتها من مغادرة المنزل والاختلاط بالناس. وبعد مضي أسابيع قليلة، صدم أهالي الحي، بحسب أحد الناشطين، بجثة الفتاة، وهي مضرجة بالدماء، بعد أن رمت بنفسها من شرفة منزل عائلتها الكائن في الطابق السادس في أحد الأبنية.

هذه الحادثة تعكس نموذجا واضحا عن شابات سوريات انخرطن في الحراك الثوري بأشكال مختلفة، ليدفعن الثمن مضاعفا: مرة من النظام وقمعه الوحشي؛ ومرة ثانية من المجتمع وأحكامه القاسية. وإذا كانت تلك الفتاة الضحية قد قررت أن تنهي حياتها بنفسها عبر الانتحار، فإن ناشطين عديدين يؤكدون أن عددا من الفتيات السوريات اللاتي يغتصبن في أقبية النظام السوري يتولى الأشقاء والآباء مهمة قتلهن غسلا للعار وتجنبا للفضيحة. تكرار هذه الحادثة مرات عدة دفع شيخ قراء الشام كريّم راجح إلى إصدار فتوى، تداولها المعارضون على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، يحذر فيها من قتل الفتيات السوريات «المغتصبات» من قبل قوات النظام، داعيا الشباب إلى الزواج منهن.

وفق ناشطين حقوقيين، وصلت حالات اغتصاب النساء في سجون النظام السوري إلى ما يقارب 300 حالة، وقع معظمها في مدينة حمص، وسط سوريا.

وفي سياق متصل، تقول الاختصاصية النفسية منى فياض لـ«الشرق الأوسط» إن «النظام السوري يستخدم سلاح الاغتصاب بهدف التخويف، فهو يعلم أن سوريا مجتمع شرقي يحرّم المساس بسمعة المرأة، فيقوم باغتصاب النساء كي يمنعهن من المشاركة في الثورة، وبذلك ينجح في تعطيل مساهمة نصف المجتمع في الانتفاضة ضده». وتوضح فياض أن «بإمكان الثوار تعطيل سلاح النظام المتمثل في اغتصاب النساء عبر تشكيل فرق دعم نفسية لمساعدة الفتيات المغتصبات وكذلك لتوعية المجتمع كي لا ينظر إلى الفتاة المغتصبة نظرة أخلاقية قاسية تؤدي إما إلى نبذها أو قتلها».

وبحسب الاختصاصية النفسية، فإن «الثوار» الذين استطاعوا أن «يجدوا أسلحة مضادة لأسلحة النظام وواجهوا طيرانه بالمدافع، يمكنهم مواجهة قضية الاغتصاب عبر تشجيع الفتيات المغتصبات على المواجهة ومتابعة الثورة، تماما كما فعلت نساء مصر اللاتي تحدين التهديدات بالاغتصاب والتحرش ونزلن إلى ميادين البلاد للمشاركة في التظاهر»، وتلفت فياض إلى أن «سلاح الاغتصاب لا يستخدمه النظام السوري ضد الفتيات فقط؛ بل إن الرجال والأطفال يتعرضون لمثل هذه الممارسات، وإن كان الرجل يستطيع تخطي هذا الأمر، فإن النساء يحتجن إلى مساعدة المجتمع، وهنا تقع مسؤولية (الثوار)».

وتشير منظمة «نساء تحت الحصار» إلى توثيقها 81 حالة اعتداء جنسي في سوريا منذ بدء الأزمة في مارس (آذار) 2011، مؤكدة أن «السوريات يتعرضن لاغتصاب جماعي أو الاعتداء كتكتيك حربي من قبل قوات النظام السوري». وترجح المنظمة أن يكون «استهداف النساء هدفه معاقبة مقاتلي المعارضة؛ إذ يكشف عدد من التقارير عن جنود أو جماعات النظام يدخلون منزلا ويبحثون عن رجل في الأسرة متهم بأنه من (الجيش الحر) ثم يغتصبون (أمامه) المرأة».

وكانت الناشطة السورية هديل الكوكي قد أدلت بشهادتها أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف عما تعرضت له من إهانة وتعذيب واغتصاب أثناء فترة اعتقالها في سجن حلب، وأكدت أن «جميع النساء اللاتي اعتقلن في السجون السورية تعرضن للاغتصاب، إلا أن أحدا لم يعلن ذلك على الملأ؛ خجلا من المجتمع الذي لا يرحم».

يذكر أن «لجنة الإنقاذ الدولية»، وهي منظمة غير حكومية، مقرها الولايات المتحدة، أكدت في أحد تقاريرها أن «الاغتصاب هو السبب الأساسي وراء فرار العائلات من سوريا إلى الدول المجاورة»، كما أشارت تقارير أخرى إلى أن «كثيرات من النساء والفتيات يواجهن ظروفا غير آمنة في مخيمات اللاجئين ومستويات مرتفعة من العنف المنزلي».