الغنوشي لـ «الشرق الأوسط»: تخلي النهضة وشركائها عن السلطة لصالح حكومة «تكنوقراط» هو انقلاب مدني

عشرات الآلاف ينظمون مسيرات في شوارع تونس تحت شعار «الوحدة الوطنية ومساندة الشرعية»

مؤيدو حركة النهضة أثناء مسيرات دعت لها الحركة «تأييدا للشرعية» يحملون شعارات تبدي موقفهم الغاضب من الإعلام ودعوتهم لحكومة توافق وطني، بشوارع تونس العاصمة أمس (أ.ف.ب)
TT

قال رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي لـ«الشرق الأوسط» أمس إن «(النهضة) لن تفرط في السلطة ما دام الشعب يجدد ثقته فيها لأننا نعتبر ثقة الناس أمانة، وينبغي أن نؤدي هذه الأمانة ولا نلقي بها في الطريق». وأضاف في تصريحات عبر الهاتف أن «تخلي (النهضة) وشركائها عن السلطة لصالح حكومة تكنوقراط هو انقلاب مدني، ونحمد الله كتونسيين أن مؤسساتنا العسكرية جمهورية ديمقراطية وتلتزم بواجبها في حراسة الوطن ولا تتدخل في السياسة، لهذا دعونا الأخ رئيس الحكومة لأن يقبل بخيار الحركة وشركائها أي حكومة ائتلاف وطني». وأوضح الغنوشي أن «الحركة قد اتفقت مع عدد من الأحزاب منهم (المؤتمر من أجل الجمهورية) وحركة (وفاء) وكتلة (الحرية والكرامة) وتتفاوض مع كتل أخرى لتشكيل حكومة ائتلاف وطني واسع مما يجعل أن لا مبرر لإقصاء المنتخبين لصالح منصبين غير منتخبين ونتوقع من رئيس الحكومة أن يتراجع عن موقفه».

وحول المسيرات الحاشدة التي شهدتها تونس اليوم والتي جاءت لـ«مساندة الشرعية» وتجديد الولاء لـ«النهضة»، قال رئيس الحركة إن «الشعب يحتاج لدعم الشرعية، خاصة أن هناك من دعا لحل المجلس التأسيسي (البرلمان) ثم جاءت الدعوة لحل الحكومة؛ فالثورة والشرعية مهددة»..

وحول تصريحات نائب رئيس الحركة عبد الفتاح مورو، قال الغنوشي إن «الشيخ تولى الرد على ما نشر ووضعه في إطاره، وعلاقتي به تاريخية وأخوية ولا يمكن أن تهزها أحداث أو تصريحات عابرة».

كما شدد الغنوشي على أن الناس خارج تونس يجب أن يعلموا أنه على الرغم من الأحداث والتطورات التي تشهدها الساحة السياسية في تونس فإن البلاد بخير. وقال: «أنا أريد أن أطمئن أصدقاءنا أفرادا وجماعات وحكومات، أن ثورة تونس بخير وهي ماضية في أهدافها في الحرية والتنمية على أرضية الوحدة الوطنية وخط الثورة، ونحمد الله أن تبقى بلدا سياحيا مميزا وكل من يأتي لتونس يلاحظ أن الحياة عامرة». موضحا أن «اغتيال شكري بلعيد رحمه الله حادث مؤلم وشاذ عن مجاز التونسيين وطبيعتهم ولم يتخلل جنازته أي عنف والمظاهرات الضخمة التي شهدتها تونس اليوم (أمس) هي من أضخم المظاهرات ولم تشهد مظاهر للعنف».

ومن جانبه قلل عبد الفتاح مورو نائب رئيس حركة النهضة من أهمية التصريحات الصحافية التي نشرتها إحدى الصحف الفرنسية، وانتقد من خلالها الحركة ودعا قياداتها بمن فيهم الشيخ راشد الغنوشي رئيسها إلى مغادرة الحركة، مما خلف تساؤلات حول حقيقة الخلافات الداخلية بين قيادات الحركة.

وقال عضو «لجنة الحكماء» التي شكلها الجبالي بداية الأسبوع الماضي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أمس إن تصريحاته قد فهمت في غير سياقها ووضعت في حجم أكبر من حجمها الحقيقي وأولها الكثير حسب أهوائهم. وقال إن «تصريحاتي تهدف بالأساس إلى التنبيه إلى خطورة الموقف واستفحال الأزمة السياسية والاجتماعية في تونس بعد فشل التعديل الوزاري من ناحية، ووصول مبادرة حمادي الجبالي رئيس الحكومة لتشكيل حكومة تكنوقراط إلى ممر مغلق من ناحية ثانية».

وشبه مورو تصريحاته بأنها عبارة عن «صيحة فزع» موجهة لقيادات حركة النهضة حتى تسارع باتخاذ المواقف الضرورية واللازمة في غياب التوافق الداخلي بين رئيسها وأمينها العام حول الحكومة التي يمكن أن تقود المرحلة المقبلة. وأشار مورو في حديثه إلى أنه طالب حركة النهضة التي تستند إلى رصيد نضالي تاريخي، بتحمل المسؤولية الكبرى والعمل على الحد من تفاقم الأزمة كما طلب منها اتخاذ مواقف جريئة تحقق رغبات التونسيين في الأمن والكرامة. وطالب قيادات حركة النهضة بضرورة الحضور القوي في المشهد السياسي والمحافظة على وحدتها الداخلية حتى لا تنتهي إلى التقسيم والتشرذم وهو ما سيضيف إلى الأزمة السياسية الحالية أزمة جديدة على حد تعبيره.

وحول دعوة راشد الغنوشي إلى التخلي عن قيادة حركة النهضة، قال مورو إن تصريحه أخذ في غير سياقه، فقد دعا قيادات الحركة وبشكل خاص ممثلها الشيخ راشد الغنوشي إلى المبادرة باتخاذ موقف توفيقي يطمئن التونسيين، واعتبر أن عدم الإقدام على ذاك الأمر وحسمه بشكل سريع هو عبارة عن استقالة من تحمل المسؤولية في ظروف حساسة. وأضاف أن مثل تلك الظروف قد تدفع القيادة إلى التنحي لفائدة قيادة جديدة لها القدرة على تحمل المسؤولية وهذا على حد تعبيره لا يحمل ضمنيا عدم الرضا عن القيادة الحالية وإنما هي دعوة ملحة للشعور بخطورة الموقف وصعوبات المرحلة السياسية.

وبشأن مغادرة حركة النهضة للحكم، قال موور إن القصد من وراء ذلك هو أن الحركة قد تضطر لمغادرة الحكم في غياب التوافق الوطني ونفى أن يكون تناول الخلاف الموجود حاليا في تونس على أساس تقسيم المجتمع إلى علمانيين وإسلاميين، واعتبر أن الجدل اليوم هو بين تيارات تقدمية وأخرى رجعية. وقال إن «بين التيارات الإسلامية الكثير من التقدميين تماما مثل بقية التيارات السياسية الأخرى». ولم ينف وجود قوى الشد إلى الوراء في مختلف الأحزاب السياسية بما فيها حركة النهضة.

وفي استعراض ميداني لمدى شعبية حركة النهضة الإسلامية، حضر مساء أمس رئيس الحركة راشد الغنوشي إلى جانب الشيخ البشير بن حسن أحد شيوخ التيار السلفي وقفة احتجاجية تحت شعار «الوحدة الوطنية ومساندة الشرعية». وتوافد أكثر من مائة ألف من مناصري الحركة حسب مصادر بوزارة الداخلية، منذ ساعات الصباح الأولى إلى شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة التونسية. وتم تجهيز منصة شرفية أمام تمثال العلامة التونسي عبد الرحمان بن خلدون وجهزها المنظمون بمضخمات صوت كبيرة الحجم. وتأتي هذه المسيرة التي دعا لها قادة حركة النهضة منذ الأسبوع الماضي وعلى خلفية دعوة أحزاب المعارضة إلى استقالة الحكومة وحل المجلس التأسيسي (البرلمان) بعد اغتيال شكري بلعيد السياسي اليساري والأمين العام لحركة الوطنيين الديمقراطي (حزب ماركسي لينيني).

وحمل المتظاهرون أعلاما كتب عليها «لا إله إلا الله» رفعت إلى جانب أعلام تونس وفلسطين ورددوا شعارات عديدة من بينها «الشعب يريد... النهضة من جديد» و«تحصين الثورة... واجب» و«دعم الشرعية... واجب» و«يا شعب ثور... على بقايا الديكتاتور» ورفع بعض المشاركين في المظاهرة لافتة كتب عليها» نريد قضاء وإعلام تكنوقراط... لا حكومة تكنوقراط». وألقى الشيخ راشد الغنوشي رئيس الحركة خطابا وجهه للمتظاهرين قال فيه إن «أطرافا تمني النفس أن يروا الحركة مزقا وأشلاء وهم ينتظرون هذا اليوم ولن يأتي».

واعتبرت بعض قيادات أحزاب المعارضة أن الوقفة الاحتجاجية التي نظمتها حركة النهضة تهدف بالأساس إلى التعبئة السياسية أكثر من استعراض الحركة لقوتها في ظل تنامي المشاكل السياسية والاجتماعية. واتهمتها باعتماد الخطاب الديني وتوظيفه مرة أخرى لاستمالة العديد من الفئات الاجتماعية التونسية.

من ناحية أخرى، أعلن محمد المعالج رئيس الرابطة التونسية لحماية الثورة عن استقالته منذ يومين من منصبه للتفرغ للعمل السياسي ويؤسس حزبا سيعلن عن اسمه وبرنامجه في القريب العاجل. كما أشارت نفس المصادر إلى استقالة حليمة معالج زوجة رئيس الرابطة ومن المنتظر أن يضم الحزب الجديد عددا هاما من أعضاء الهيئة التأسيسية للرابطة الوطنية لحماية الثورة. وتتهم رابطات حماية الثورة بالتورط في أعمال «عنف سياسي» وتعتبرها المعارضة والنقابات والمنظمات الحقوقية «ميليشيات إجرامية» تستخدمها حركة النهضة في «تصفية حساباتها» مع خصومها السياسيين فيما نفت الحركة هذه الاتهامات في أكثر من مناسبة.