السلطات الجزائرية تعد سكان المناطق الفقيرة بـ«جنة حقيقية» خشية ربيع عربي جارف

زيارات ماراثونية للوزير الأول بالمدن الكبيرة لإطلاق مشاريع إنمائية

TT

كلف الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، رئيس الوزراء عبد المالك سلال بالنزول إلى الميدان للإصغاء إلى انشغالات سكان المدن الكبرى، التي عرفت خلال العامين الماضيين احتجاجات ومظاهرات بسبب نقص ضرورات الحياة. وينظر مراقبون إلى حالة التذمر على أنها عاكسة لحاجة الجزائريين لهوامش حرية، فيما تقول السلطة بأنها لا تعدو كونها تعبيرا عن غلاء المعيشة.

وزار سلال أمس مدينة قسنطينة (500 كلم شرق العاصمة)، وأطلق وعودا بتقليص معدل البطالة وتوفير الشغل للآلاف من سكانها، والقضاء على الأحياء العشوائية ومحاربة الجريمة المتفشية في الأحياء الفقيرة. وقال في لقاء مع أعيان «مدينة الجسور المعلقة» (وصف يطلق على قسنطينة لكثرة الجسور بها)، أن الدولة «تعتزم تكثيف الاستثمار في قسنطينة، لكي تتمكن هذه المدينة التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين، من استعادة مجدها الغابر».

وأوضح سلال بأن المشاريع الإنمائية الهامة المسجلة لفائدة هذه الولاية، ستتعزز ببرامج تكميلية ستنجز في إطار الحدث الثقافي «قسنطينة عاصمة للثقافة العربية لسنة 2015». مشيرا إلى أن المدينة «ستصبح جنة حقيقية بمجرد القضاء على أحياء القصدير التي ما تزال تشوه صورة مدينة العلم والعلماء». وتشتهر قسنطينة بكونها أنجبت الشيخ الراحل عبد الحميد بن باديس رئيس «جمعية علماء المسلمين الجزائريين».

وعاين عبد المالك سلال رفقة أعضاء من الطاقم الحكومي، ورشات بناء مئات المساكن ومنشآت الترفيه والرياضة، وورشة «المدينة الجامعية الجديدة»، التي تنتهي الأشغال بها الخريف المقبل، حسب الوزير الأول الذي تعهد نيابة عن الرئيس بوتفليقة، بحل مشكلات سكان قسنطينة في أقرب وقت.

وأطلق سلال نفس الوعود الأسبوع الماضي لما زار عنابة (600 كلم شرق العاصمة)، التي تعاني من تفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية بسبب البطالة، وتردي الخدمات الصحية وضعف مستوى الخدمة في كل المرافق العمومية. وتعتبر عنابة «بارومتر» الأوضاع الاقتصادية والسياسية بشرق الجزائر. وقالت مصادر من عنابة لـ«الشرق الأوسط»، إن لقاء جمع سلال مع وجهاء وأعيان المدينة بعيدا عن الصحافة، أوصاهم فيه بالسعي لدى الشباب في الأحياء الفقيرة المتذمرين من سوء الوضع، لإقناعهم بالهدوء وتفادي إثارة الشغب. ونقل عنه قوله إن السلطات «تفعل المستحيل من أجل توزيع الثروة بشكل عادل على كل المواطنين». وأشار إلى أن «ما يجري في بعض البلدان العربية لا يمكن بأي حال أن يشكل نموذجا يحتذى به». يقصد أن التغيير الذي وقع في تونس التي تقترب حدودها من عنابة، لا يصلح للجزائر. وهو خطاب يردده المسؤولون الجزائريون منذ أكثر من عامين، ويرون حاليا أن الاضطرابات التي تعيشها البلدان التي شهدت سقوط الأنظمة بها «مثالا سيئا للديمقراطية». ويحلو للجزائريين القول إنهم «عاشوا ربيعهم قبل كل العرب».

وقال سلال نفس الكلام لسكان ولاية سعيدة (500 كلم غرب العاصمة) عندما زارهم نهاية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، كما زار ورقلة الغنية بالنفط (800 كلم جنوب) في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لإخماد غضب من شباب لا يتوقفون عن الاحتجاج منذ سنوات، على «ازدواجية» معايير التوظيف في الشركات النفطية بمنطقتهم.

وعاشت البلاد أحداثا خطيرة مطلع 2011، جاءت في خضم الأوضاع المتفجرة في تونس ومصر وتم تفسيرها على أنها «ثورة تبتغي تغيير النظام». أما السلطة فقد اعتبرتها «موجة تذمر ضد غلاء أسعار المواد الأساسية». وخشية أن يتحول الاحتجاج على «ارتفاع الأسعار» إلى حركة منظمة تبحث عن إسقاط النظام، رفع بوتفليقة في 2011 حالة الطوارئ التي دامت 19 سنة وأطلق إصلاحات سياسية اتخذت شكل مراجعة بعض القوانين، وتعهد بتعديل الدستور بما يتيح صلاحيات أوسع للبرلمان على حساب السلطة التنفيذية. وانتقدت أحزاب المعارضة «هزال» الإصلاحات بحجة أنها لم توسع في هوامش ممارسة الحريات. واتهمت السلطة بـ«ربح الوقت للالتفاف على مطلب التغيير الحقيقي».