محكمة عسكرية بالرباط تحكم بالمؤبد على 9 متهمين بارتكاب أحداث مخيم «أكديم إيزيك» .. وما بين سنتين و30 سنة على آخرين

عائلات الضحايا عبروا عن ارتياحهم للأحكام

عائلات ضحايا مخيم «أكديم إيزيك» يعبرون عن ارتياحهم بعد صدور الأحكام الليلة قبل الماضية (تصوير: منير أمحميدات)
TT

أصدرت محكمة عسكرية بالرباط في ساعة متأخرة من الليلة قبل الماضية أحكاما تتراوح ما بين السجن المؤبد وسنتين في حق 24 من الصحراويين المتورطين في أحداث مخيم «أكديم إيزيك» بضواحي العيون (كبرى مدن الصحراء)، التي جرت عام 2010.

وكانت محاكمة هؤلاء المتهمين قد بدأت في الأول من فبراير (شباط) الحالي، واستمرت على مدى أيام، بحضور مراقبين دوليين ومحليين، وحظيت باهتمام واسع من الرأي العام المغربي، ووسائل الإعلام الأجنبية.

ووجهت لهؤلاء المتهمين تهمة «تكوين عصابة إجرامية والعنف في حق أفراد من القوات العمومية (قوات الأمن) الذي نتج عنه الموت مع نية إحداثه والمشاركة في ذلك، والتمثيل بجثة».

وكان تدخل قوات الأمن المغربية لتفكيك مخيم أقامه محتجون في منطقة «أكديم إيزيك» بضواحي العيون، من دون سلاح، أسفر عن مقتل 11 من قوات الأمن، وجرح 70 آخرين بينهم أربعة من المدنيين.

وحكمت المحكمة بالسجن المؤبد على تسعة متهمين هم أبهاه سيدي عبد الله، وإبراهيم الإسماعيلي، ومحمد باني، ومحمد البشير بوتنكيزة، وعبد الجليل العروسي، وعبد الله الخفاوني، والمجيد سيدي أحمد، وأحمد السباعي، وحسن عاليا، الذي حوكم غيابيا.

وقضت المحكمة بالسجن مدة 30 سنة على أربعة متهمين هم نعمة أصفاري، وبانكا الشيخ، ومحمد بوريال، والحسن الداه، بينما قضت بسجن ثمانية متهمين لمدة 25 سنة هم بوبيت محمد خونا، والديش الضافي، والفقير محمد مبارك، ومحمد لمين هدي، ولحسن الزاوي، وعبد الله التوبالي، ومحمد التهليل، والبكاي العربي.

وأصدرت المحكمة ذاتها أحكاما بالسجن مدتها 20 سنة في حق البشير خذا، ومحمد اليوبي، الذي كان متابعا في حالة سراح (إفراج) مؤقت، وقضت في حق كل من التاقي المشضوفي، وسيدي عبد الرحمن زايو، حكما بالسجن يعادل فترة الاعتقال (قرابة سنتين).

وتعليقا على الأحكام الصادرة في حق المتورطين، قال ميلود بلهواري، والد أحد الضحايا، وممثل تنسيقية عائلات وأصدقاء ضحايا مخيم «أكديم إيزيك» الذين كانوا يتظاهرون يوميا أمام المحكمة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأحكام التي أصدرتها العدالة في حق المتورطين في تلك الأحداث كانت مناسبة» من وجهة نظره. وأضاف أن «كل واحد استحق الجزاء حسب الجرم الذي ارتكبه»، مضيفا أنه حتى الذين لم يشاركوا مباشرة في عملية القتل، فهم مسؤولون عما حدث بسبب تحريضهم على القتل، وهي جريمة أيضا. وزاد قائلا «عائلات الضحايا مرتاحة لهذه الأحكام».

من جهته، قال المحامي محمد المسعودي، المنتدب من قبل «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان» والذي دافع بشراسة عن المتهمين طوال جلسات المحاكمة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأحكام التي أصدرتها المحكمة كانت مفاجئة لهيئة الدفاع بسبب انعدام وسائل الإثبات وعدم الأخذ بالطعون التي قدمناها بشأن محاضر الضابطة (الشرطة) القضائية، وعدم الأخذ بشهادات الشهود أمام المحكمة.

وقبل المداولة استمع القاضي للمرة الأخيرة إلى المتهمين، وهم من الموالين لجبهة البوليساريو، الذين عادوا للتأكيد أن اعتقالهم جاء بسبب مواقفهم السياسية. وقدموا مرافعات بعيدة عن طبيعة الدعوى المقدمة ضدهم، حيث أوضحوا موقفهم من نزاع الصحراء، واعتبروا أن الصور التي عرضتها النيابة العامة لعدد منهم، وهم مع قادة جبهة البوليساريو، دليل على أن اعتقالهم تم بسبب خلفيات سياسية، الأمر الذي اضطر معه القاضي إلى مقاطعتهم أكثر من مرة طالبا منهم عدم تقديم «محاضرات سياسية، وترك أمور السياسة للسياسيين».

من جهة أخرى، أشاد المتهمون في الجلسة الأخيرة بحسن سير المحاكمة، وسعة صدر القاضي، واستماتة هيئة الدفاع المكونة من المحامين المغاربة في الدفاع عنهم على الرغم من أنهم لا يتقاسمون معهم مواقفهم السياسية.

وفي هذا السياق، أكد النعمة أصفاري، المتهم الأول بالتخطيط لإقامة المخيم، في مداخلته الأخيرة، على أن المغرب له مكانة خاصة في عقول وقلوب الصحراويين، مشيرا إلى أن معظمهم درسوا في جامعاته، ومنهم الوالي مصطفى السيد، مؤسس جبهة البوليساريو، واعتبر المحاكمة «لحظة تاريخية» قبل أن يتمادى في انتقاد الدولة المغربية وممثل النيابة العامة، فقاطعه القاضي وطلب منه بنبرة صارمة أن يكون «متحضرا» و«غير متعال»، وأن يكف عن «تلقين الدروس للآخرين».

وكانت النيابة العامة قد أكدت أن أصفاري سبق له أن عقد اجتماعا خارج البلاد برفقة متهمين آخرين خططوا خلاله لإقامة «تجمع غير مرخص له» بمنطقة «أكديم إيزيك» التي تبعد عن العيون بعشرة كيلومترات، وتلقوا أموالا من أجل تنظيم نزوح جماعي للأسر الصحراوية في اتجاه المخيم، وهي العملية التي بدأت في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) 2010، بهدف «خلق جو من التوتر في المدينة».

وأكد النائب العام أن المتهم أصفاري هو من كان يدير المخيم، ويوزع الأدوار على باقي المتهمين بحيث شكلوا فرقا أمنية مدججة بالأسلحة البيضاء بغرض مواجهة قوات الأمن في حال تدخلها لتفكيك المخيم. وواجه المتهمون، حسب التعليمات الموجهة إليهم، قوات الأمن في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، مستعملين السيوف والسكاكين والحجارة والقنينات الحارقة، ودهسوهم بسيارات رباعية الدفع، بالإضافة إلى تعمدهم حرق الخيام وبداخلها قنينات الغاز المنزلية أثناء تدخل قوات الأمن لتفكيك المخيم، كما نكل بعضهم بجثث القتلى منهم.