دبلوماسي لبناني لـ «الشرق الأوسط»: بيروت بصدد اتخاذ إجراءات ملائمة لطمأنة دول الخليج

أكد تقديم السعودية احتجاجا مباشرا على تصريحات عون المثيرة برسالة لمكتب ميقاتي

TT

أعربت دول الخليج العربي عن احتجاجها على التصريحات التي أدلى بها ميشال عون رئيس كتلة التغيير والإصلاح في مجلس النواب اللبناني، ووصفتها بالتدخل بالشأن البحريني، وتسلم منير عانوتي القائم بالأعمال في سفارة لبنان لدى السعودية أمس مذكرة احتجاج من دول المجلس على تلك التصريحات في اجتماع مع الدكتور عبد اللطيف الزياني أمين عام مجلس التعاون الخليجي في مقر الأمانة العامة في الرياض.

وأكد لـ«الشرق الأوسط» منير عانوتي القائم بالأعمال في سفارة لبنان في الرياض أن رسالة دول الخليج التي طلبت توضيحات من الحكومة اللبنانية وصلت مباشرة عن طريق الفاكس لمكتب رئيس الوزراء، مبينا أن السعودية أبدت انزعاجها من تلك التصريحات عبر بلاغ ورد للسفارة من وزارة الخارجية يأتي ذلك في الوقت الذي أبلغت فيه البحرين السفارة اللبنانية في المنامة استياءها أيضا.

وأضاف العانوتي أنهم بانتظار الإجراءات الملائمة التي سيتم اتخاذها من قبل حكومة بلاده، رغم أن رئيس الوزراء نجيب ميقاتي أصدر أول من أمس تصريحات للوكالة الوطنية اللبنانية ذكر فيها أن تصريحات ميشال عون تعبر عن رأيه الخاص ولا تعبر عن رأي الحكومة التي لا يمثلها إلا تصريح رئيس الوزراء أو وزير الخارجية، وشرح مدى الاهتمام الذي توليه لبنان لعلاقاتها التاريخية مع دول الخليج عامة والبحرين بشكل خاص.

وقال العانوتي إن في لبنان كما في الخليج حرية تعبير مشيرا إلى أن النائب ميشال عون عبر عن رأيه الخاص ولكن هذا لا يمثل الحكومة بأي شيء.

ولفت العانوتي إلى أن ميشال عون من الأشخاص المحسوبين على السلطة السياسية إلا أن ما يمثل موقف الحكومة هو ما يصدر من فم رئيس الوزراء أو وزير الخارجية ولا يمكن منع أي سياسي من إبداء آراء لا تتفق معها.

وأصدرت الأمانة العامة لمجلس التعاون بيانا ذكرت فيه أن الدكتور عبد اللطيف الزياني الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي قد اجتمع أمس مع منير عانوتي القائم بأعمال سفارة الجمهورية اللبنانية في الرياض وسلمه مذكرة احتجاج رسمية من دول الخليج عبرت فيها عن استنكارها الشديد للتصريحات اللامسؤولة التي أدلى بها النائب ميشال عون رئيس تكتل التغيير والإصلاح في مجلس النواب اللبناني لقناة (العالم) في الثاني عشر من فبراير (شباط) الجاري، والتي تحدث فيها عن مملكة البحرين، وأوضاعها الداخلية، بشكل مضلل ومسيء يعكس رؤى ومصالح وارتباطات باتت معروفة للجميع، ولا علاقة لها بالحقيقة أو بالواقع المعاش في مملكة البحرين. كما أنها تتعارض مع الروابط والعلاقات الأخوية والتاريخية التي تربط لبنان بدول مجلس التعاون، وتعبر عن مصالح ضيقة، وطموحات شخصية ولا تصب في مصلحة لبنان والأمة العربية.

وأكدت المذكرة على دعم دول المجلس وتأييدها للمشروع الإصلاحي للملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين، وأشادت بتوجيهه باستكمال حوار التوافق الوطني في محوره السياسي، خصوصا أن الحوار هو السبيل الأمثل للتوافق على رؤية مشتركة تضع مصلحة البحرين ومواطنيها فوق كل اعتبار، معربين عن أملهم في أن يفضي الحوار المرتقب إلى التوافق المأمول، ومؤكدين وقوف دول المجلس إلى جانب مملكة البحرين ومساندتها في كل الخطوات والمبادرات التي تتخذها قيادتها الحكيمة من أجل دفع مسيرة الإصلاح والتقدم والنماء.

وهنا كشفت مصادر دبلوماسية عربية لـ«الشرق الأوسط» عن أن هناك تناقضا كبيرا بين الدعم الذي يتلقاه رئيس كتلة التغيير والإصلاح خليجيا وموقفه الأخير بشأن الأحداث في البحرين، مشيرة إلى حصوله على عقود أعمال تجارية ترتبط بشركات طاقة خليجية، عقب أحداث بيروت، وفي الدوحة تحديدا، سنة 2008، حينما اجتمعت القوى السياسية اللبنانية تحت مظلة واحدة ليلتئم جرح الفرقة.

وقالت المصادر - التي فضلت عدم الإفصاح عن اسمها – أن النائب اللبناني لا تقتصر أعماله على تلك العقود التي غادر بها الدوحة، إذ تمتلك الشركات التابعة لميشال عون عددا واسعا من الأسهم في شركات خليجية فضل المصدر عدم تحديدها بالاسم حفاظا على عدم تصعيد تصريحات النائب الذي اعتبرتها دول المجلس «مستفزة» تجاه البحرين يوم أمس.

ولا يختصر لبنان في عون وحسب، إذ تشير العلاقة التجارية المتميزة بين بيروت ودول المجلس إلى نمو مطرد في التجارة، والاستثمار، والتوظيف، إلى جانب انفرادها بالمساعدات الثنائية، والاتفاقيات التي ترنو إلى تنشيط تجارتها واقتصادها.

وفي هذا الإطار يقول الدكتور عبد العزيز العويشق الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية في الأمانة العاملة لدول مجلس التعاون الخليجي لـ«الشرق الأوسط» إن دول مجلس التعاون بالإضافة إلى كونهم أعضاء مع فاعلين في منطقة التجارة العربية الكبرى فقد أفردت دول الخليج لبنان بمكانة خاصة ووقعت معه اتفاقية منفصلة لتعزيز التجارة من عدة سنوات، تحديدا 2004. والاتفاقية هذه من الناحية القانونية دخلت حيز التنفيذ لكن من الناحية الفعلية لم تفعل بشكل كامل لأنه منذ 2005 وحتى الآن هناك عدم استقرار سياسي وهو ما أثر على هذه الاتفاقية، والتدخل السياسي يؤثر على التبادل وتنفيذ الاتفاقيات وهو نتاج عدم الاستقرار السياسي، وهذا يؤثر على التبادل التجاري والاستثمار. بالإضافة إلى التجارة والتبادل التجاري، فإن دول المجلس قدمت مساعدات للبنان بشكل ثنائي، إلى جانب اتفاقية التجارة العربية الكبرى وتمثل لبنان ودول المجلس الخليجي و10 دول أخرى، وكان للبنان نصيب الأسد في المساعدات التنموية والإنسانية سواء للبنان أو اللاجئين الفلسطينيين على أرض لبنان.

في المقابل اعتبر فادي عبود، وزير السياحة اللبناني، الذي يمثل كتلة النائب عون، أن ما صدر عن الأخير هو رأي شخصي، وهو بالتالي ليس موقفا رسميا عن تكتل التغيير والإصلاح وقال لـ«الشرق الأوسط»: «نحن في لبنان معتادون على حرية الرأي، وما يحكى عن عقاب جماعي بحق مناصري عون فهو مرتبط بشرعة حقوق الإنسان، ونحن واثقون بأن الخليج بشكل عام والبحرين بشكل خاص تحترم هذه الشرعة ولن تقدم على أي خطوات كهذه بحق اللبنانيين»، مضيفا: «قد نتفهم هذه الإجراءات إذا صدر موقف رسمي لبناني بهذا الشأن أو حتى باسم كتلة التغيير والإصلاح»، متهما في الوقت عينه بعض اللبنانيين بالقيام بعمليات تحريض، ضد عون وأنصاره، مشيرا إلى أنه لا معلومات لديه عما إذا كان هناك تواصل قد تم بين عون وأي جهات خليجية بعد تصريحاته الأخيرة.

وكان كل من رئيس الحكومة اللبنانية ووزير الخارجية، نجيب ميقاتي وعدنان منصور، قد أوضحا موقف الحكومة اللبنانية، مؤكدين أن هذه المواقف السياسية هي آراء شخصية يعبر عنها مطلقوها، ولا تمثل الدولة اللبنانية.

وكشف السياسي المقرب من الرئيس ميقاتي، خلدون الشريف لـ«الشرق الأوسط»، أن ميقاتي أجرى اتصالا بنظيره البحريني الشيخ خليفة بن سلمان، عبر له خلاله عن «تقدير لبنان للبحرين قيادة وشعبا في مسيرتها النهضوية، وأن لبنان يحترم سيادة البحرين على أراضيها وقرارات قيادتها، ولا يتدخل في شؤونها الداخلية». وعما إذا كان هناك إشارات أو معلومات تفيد باتخاذ إجراءات اقتصادية بحق عون وأنصاره في دول الخليج نتيجة هذه المواقف، قال الشريف «المعلومات التي لدينا لا تشير إلى معلومات كهذه، ونحن نشدد على أهمية عدم التمييز بين المواطنين اللبنانيين في لبنان والخارج وبالتالي التعامل معهم على هذا الأساس»، مضيفا: «مما لا شك فيه أن هناك اختلافا في وجهات النظر بين الأفرقاء اللبنانيين فيما يتعلق بأمور عدة داخلية وخارجية، إنما هذا لا يعدو كونه آراء شخصية»، وذكر الشريف أن الأمر نفسه قد حصل في وقت سابق بين لبنان والبحرين عند إعلان أمين عام حزب الله موقفا مماثلا، وحكى بعدها عن احتمال طرد لبنانيين من دول الخليج، لافتا إلى أن الرئيس ميقاتي قد عمد أيضا حينها إلى توضيح موقف لبنان في هذه القضية، وتم تسوية الأمر، بعيدا عن أي خطوات أو إجراءات بحق اللبنانيين.

يذكر أن عون قال في تصريح لقناة (العالم) الإيرانية الأربعاء الماضي، إنه من «المؤسف قيام ثورة سلمية (في البحرين) لمدة 3 سنوات، وتحملها كل التضحيات والظلم من دون أن يكون لها الصدى الكافي في جميع أنحاء العالم».