الإمارات تبني مدارس مدينة أميركية دمرها الإعصار

تشييد أبنية جديدة.. وتعويض الكتب التي تلفت بكومبيوتر محمول لكل طالب

TT

بعد مرور أسبوعين على تدمير الإعصار، الذي امتدت آثاره إلى مسافة ميل، مما أسفر عن مقتل 161 شخصا، مخلفا وراءه مشهدا من الخراب، تلقى نظام المدارس الحكومية في مدينة جوبلين مكالمة هاتفية من رجل يعمل في سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة في واشنطن. قال ذلك الرجل: «قل لي ما الذي تحتاجون إليه؟».

لقد تهدمت ست مدارس، تشمل المدرسة الثانوية الوحيدة في المدينة، بفعل الكارثة التي حدثت في مايو (أيار) عام 2011. وسوف يشمل التأمين تشييد أبنية جديدة، لكنّ المسؤولين الإداريين كانوا يسارعون نحو تعويض الكتب التي تلفت.

عوضا عن التركيز على الكتب، أراد الموظف بالسفارة منهم أن يتطلعوا إلى ما هو أكبر من ذلك. لذا اقترح مدير التنمية في نظام المدارس أكثر الخطط طموحا خطرت بباله، وهي التخلص من الحاجة إلى الكتب الدراسية الخاصة بالمرحلة الثانوية المتراكمة على الأرفف منذ عامين لعدم امتلاك أي شخص ولا نظام المدارس المفلسة ولا ولاية ميسوري نفسها ولا حتى الجمعيات الخيرية المحلية المال الكافي لتوفير جهاز كومبيوتر لكل طالب.

أما اليوم فيمتلك نحو 2,200 طالب في المرحلة الثانوية في مدينة جوبلين كومبيوترا محمولا (ماك بوك) بفضل أموال دولة الإمارات. ويستخدم الطلبة هذه الأجهزة في تلقي دروسهم وعمل واجباتهم المدرسية وأداء الاختبارات.

وتنفق دولة الإمارات في أنحاء المدينة 5 ملايين دولار في بناء وحدة رعاية فائقة لحديثي الولادة في مستشفى ميرسي، الذي دمره الإعصار.

وتأتي العطايا في إطار حملة طموحة دشنتها حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة بهدف مساعدة المجتمعات الفقيرة في الولايات المتحدة. وللأسباب الأساسية نفسها التي تدفع الحكومة الأميركية لتقديم المساعدات الأجنبية ومساعدة البشر الأقل حظا والتأثير على إدراك الذين يحصلون على تلك المساعدات، تمثل هذه الخطوة تحولا كبيرا في القوة الاقتصادية العالمية رغم ضآلة المساعدات.

ظلت الولايات المتحدة لعقود هي أكبر مصدر للمساعدات الأجنبية، حيث تمول بناء مدارس وعيادات وبرامج تطعيم في الدول الفقيرة. وما زالت كذلك، لكن مستوى التبرعات زاد بين الدول التي تتجه في طريقها إلى أن تصبح قوة مالية جديدة مؤثرة مثل الصين والهند ودول الخليج الغنية بالنفط.

وقال يوسف العتيبة، السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة: «نحن نرصد الاحتياجات ونحاول تقديم المساعدة». على مدى العامين الماضيين، دفعت حكومة الإمارات المال لبناء ملاعب كرة قدم بنجيل صناعي تصلح للعب خلال جميع الفصول في الأحياء الفقيرة في نيويورك ولوس أنجليس وميامي وشيكاغو. وتعتزم السفارة بناء ثلاثة ملاعب أخرى خلال العام الحالي.

ويأمل العتيبة أن يتم افتتاح أول تلك الملاعب خلال الربيع الحالي في واشنطن، رغم أن السفارة ما زالت تتناقش مع شركاء محتملين ولم تستقر على موقع بعد. وقال العتيبة إنه وعد حاكم نيويورك أندرو كومو (الحزب الديمقراطي)، وحاكم نيوجيرسي، كريس كريستي (الحزب الجمهوري)، بتقديم 5 ملايين دولار لكل منهما من أجل المساعدة في جهود إعادة الإعمار بعد إعصار ساندي.

ورغم أن المستشفيات والجامعات كانت تتلقى لمدة طويلة المعونات من دول الخليج، كانت أكثرها على هيئة هدايا مقدمة من أفراد الأسرة المالكة تعبيرا عن امتنانهم لما يتلقونه من مساعدات في التعليم أو الرعاية الصحية. وزادت الكوارث الطبيعية المساعدات، حيث منحت كل من الإمارات وقطر، وهما من دول الخليج الغنية بالنفط، وزارة الخارجية شيكات بمائة مليون دولار عام 2005 في إطار المساعدة في جهود إعادة إعمار ساحل الخليج الأميركي بعد إعصار كاترينا.

كذلك تنفق الكثير من الدول الأخرى المال في الولايات المتحدة، لكن أكثرها ممنوح من أجل نشر لغاتهم وعاداتهم وتحقيق مصالحهم الوطنية من خلال منح تعليمية وبرامج للدراسة في الخارج ومراكز ثقافية مثل معهد «غوته» و«أليانس فرانسيه».

تعود جذور هذا النهج غير المعتاد الذي تتبعه الإمارات إلى جدل أثير عام 2006 على خلفية سعي إحدى الشركات، التي تتخذ من دبي مقرا لها، للاستحواذ على إدارة ستة مطارات أميركية. وأفسدت المعارضة الشديدة من الكونغرس، التي كان جزء كبير منها بسبب اعتقادات خاطئة بشأن العلاقات بين الإمارات والولايات المتحدة، الصفقة.

بعد ذلك، أمرت السفارة بإجراء استطلاع لمواقف الأميركيين تجاه دولة الإمارات العربية المتحدة. ورغم أن 30 في المائة من الذين شملتهم العينة كانت لديهم وجهات نظر سلبية، قال 70 في المائة إنه ليس لديهم أي رأي في هذا الصدد. وعندما أصبح العتيبة سفيرا في واشنطن في يوليو (تموز) 2008، فإن نتائج المسح أمدته بمهمة جوهرية وهي العمل على إقناع الأميركيين، لا سيما أولئك الذين ليس لديهم معرفة ببلاده، بتبني وجهة نظر إيجابية تجاه الإمارات العربية المتحدة.

وتعد الإمارات، التي يبلغ تعداد سكانها نحو 8 ملايين نسمة، بلدة صحراوية من أغنى بلدان في العالم، وتصدرت دبي، بناطحاتها الشاهقة، المشهد كمركز عالمي للتجارة والمال. وتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة أيضا حليفا رئيسيا للغرب في المنطقة. ومع ذلك يظل معظم الأميركيين لا يعلمون الكثير عنها.

وقال: «لدينا مسؤولية تتمثل في تعريف الأميركيين بنا، لقد كنا معكم في أفغانستان، وذهبنا إلى ليبيا، بل إننا أكبر سوق للصادرات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط».

ولعل جزءا من مهمة العتيبة هو القيام بما فعله سفراء منذ زمن طويل. لقد سافر إلى الولايات المتحدة، ألقى خطابات لتعزيز صورة دولته، موضحا كيف كانت حكومة بلاده شريكا مخلصا في مكافحة الإرهاب وكيف أن قادته شاركوا الولايات المتحدة في قلقها بشأن برنامج إيران النووي. لقد كان هذا الأنيق حليق الرأس، الذي يبلغ من العمر 40 عاما وتظهر لكنته العربية في حديثه باللغة الإنجليزية، مقنعا للجمهور.

ولكن العتيبة، الذي حصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جورج تاون ويتميز بالفهم الدقيق للسياسة الأميركية، اكتشف حاجته إلى ما هو أكثر من الكلام، لذا خلال عام 2009، ساعد في تسهيل منحة بقيمة 150 مليون دولار مقدمة من حكومة أبوظبي، وهي أكبر إمارة، إلى المركز الطبي الوطني للطفولة في واشنطن حتى يتمكن من إنشاء مركز أبحاث جديد للخروج بابتكارات في مجال جراحة الأطفال.

تجدر الإشارة إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة قدمت منحا ضخمة إلى مستشفيات أخرى، بما في ذلك مستشفى «جونز هوبكنز» و«كليفلاند كلينيك»، ولكن السفير بدأ في توسيع النشاط ليشمل مجالات أخرى جديدة منها بنك الطعام في بالتيمور، ومؤسسة «نيويورك بوليس»، بالإضافة إلى منظمة لا تهدف إلى الربح تساعد الطلاب بواشنطن على سداد مصروفات الجامعات.

وفي حالة مدينة جوبلين، قال العتيبة إن قرار تقديم المساعدة بدأ بمكالمة هاتفية من ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد آل نهيان، بعد رؤيته لصور الدمار على شاشة «سي إن إن». وبعد أسبوع، كان أحد موظفي السفارة في ولاية ميسوري لبحث سبل تقديم المساعدة.

* «خدمة واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»