ميقاتي يتجه لإقرار «سلسلة الرتب والرواتب» لموظفي الدولة «من دون الوقوع في عجز»

«الهيئات الاقتصادية» تقطع الحوار مع الحكومة.. وهيئة التنسيق النقابية تبدأ إضرابا مفتوحا

TT

فاجأ رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي الهيئات الاقتصادية بإعلانه قرب إحالة مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام إلى المجلس النيابي بما يتضمنه من فرض أعباء جديدة على الموازنة تقارب قيمتها 1500 مليون دولار، فردت بإعلان قطع الحوار مع الحكومة وتحميلها مسؤولية إدخال البلاد في تجربة أخطر من النواحي النقدية والمالية والاقتصادية وخفض التصنيف الائتماني للبنان.

وأعلن ميقاتي بعد ترؤسه أمس اجتماعا للجنة المكلفة بدراسة سلسلة الرتب والرواتب، أنه حصل «تأخير بتأمين الواردات الخاصة بتمويل سلسلة الرتب والرواتب»، مشددا على أن «الأصوات التي علت لا يمكن تجاهلها وهدفنا ليس وضع عراقيل أمام إقرار السلسلة». وقال: «سلسلة الرتب والرواتب ليست كارثية، فالأرقام أصبحت مقبولة»، مضيفا: «لا يمكن أن نتقاعس أو أن نستقيل أمام أي واجب، وهدفنا تأمين الواردات اللازمة من دون أن يكون هناك عجز»، معلنا عن «اجتماعات مفتوحة للجنة بهدف رفع توصية إلى مجلس الوزراء بشأن تمويل السلسلة».

وشدد ميقاتي على أن «أي رزمة سنضعها من الواردات يجب أن تكون واضحة»، مؤكدا أن «الهيئات الاقتصادية لها كلمتها وهي عزيزة علي».

ويستفيد من إقرار سلسلة الرتب والرواتب موظفو القطاع العام وأساتذة التعليم الرسمي والخاص، المنضوين ضمن «هيئة التنسيق النقابية»، التي نظمت سلسلة من الإضرابات والتحركات نتيجة عدم التزام الرئيس ميقاتي بوعوده في إقرار السلسلة. ولم يحل إعلان ميقاتي بإمكانية إقرار السلسلة من دون استمرار هيئة التنسيق النقابية ببدء إضرابها المفتوح بدءا من اليوم، فيما عبر اقتصاديون صراحة عن شكوكهم في تنفيذ الوعود التي قطعها لهم رئيس الحكومة.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن وفد جمعية المصارف برئاسة الدكتور جوزيف طربية أبلغ صراحة الرئيس ميقاتي ووزير المال محمد الصفدي رفض تمويل أي إنفاق إضافي تحتاجه الحكومة، فيما هي مثقلة وملتزمة بتمويل عجز الموازنة البالغ نحو 5 مليارات دولار خلال العام الحالي، كذلك رفضها لفرض أي ضرائب جديدة. وبالتالي يتوجب على الحكومة البحث عن مصادر تمويل، إما من خلال سد منافذ الهدر المالي أو من خلال مصادر جديدة على غرار اقتراح زيادة عامل الاستثمار العقاري الذي اصطدم برفض واسع تخوفا من فوضى عقارية تشوه التنظيم المدني ويمكن أن تسبب مخاطر على الأبنية غير المهيأة لتحمل طوابق إضافية.

وتحذر المصارف بشدة من إقدام مؤسسات التصنيف الدولية على خفض تصنيف الديون الحكومية دون الحد الممكن للحصول على التمويل وزيادة تكلفته بما يؤدي إلى تفاقم مشكلة الدين العام البالغ نحو 58 مليار دولار في نهاية العام الماضي، والذي تفوق خدمته 4 مليارات دولار سنويا. والأهم عودة ارتفاع ثقل الدين العام على الناتج المحلي، حيث زاد الدين بنسبة 7.5 في المائة خلال العام الماضي، مقابل زيادة محدودة قد لا تتجاوز 1 في المائة لنمو الناتج. علما أن معدل الدين إلى الناتج يفوق 135 في المائة حاليا، وهو من أعلى المعدلات العالمية التي ساهمت بدفع بعض البلدان إلى الإفلاس على غرار اليونان.

ويقول مرجع مصرفي لـ«الشرق الأوسط» إن «التهور في السياسات المالية وعدم إقرار أي موازنة دستورية منذ عام 2005، يكشف لبنان أمام مخاطر جدية قد يعجز الاقتصاد عن تحملها في ظل الركود الصريح الذي تشهده أغلب القطاعات الإنتاجية وتدهور أوضاع القطاعات السياحية والخدمية والفنادق والمطاعم وشركات تأجير السيارات وغيرها التي تؤمن عشرات آلاف فرص العمل في القطاع الخاص».

وفي لهجة أكثر تشددا، اعتبر رئيس اتحاد الغرف اللبنانية محمد شقير أن «ميقاتي خذل الهيئات الاقتصادية ووعدها بشيء وقام بتنفيذ شيء آخر، وقرر أخذ لبنان إلى الهاوية بقراره هذا»، مشيرا إلى أن «ميقاتي ضحك علينا نحن الهيئات الاقتصادية وتم طعننا».

وأعرب عن اعتقاده بأن «ميقاتي كان يسعى للحصول على غطاء الهيئات الاقتصادية لتمرير السلسلة»، مؤكدا أنه «لا يستطيع بعد اليوم التعامل مع أي حكومة تتخذ قراراتها تحت ضغوط الشارع والأحزاب السياسية».

وفي موقف جامع، أكدت الهيئات الاقتصادية «فشل الحوار الاقتصادي تبعا للخطوة أحادية الجانب التي اتخذها رئيس الحكومة في موضوع السلسلة»، معلنا أن «هذه الحكومة فريدة من نوعها في ضرب الاقتصاد الوطني سواء بالتقصير أو العمل المتعمد». وقررت «مقاطعة الجلسات المقبلة للحوار الاقتصادي وترك اجتماعاتها مفتوحة لمواكبة التطورات واتخاذ التدابير الاقتصادية الملائمة إنقاذا للاقتصاد الوطني». ورأت في خطوة ميقاتي «ضربا للوعود التي تلقتها منه لجهة إشراكها باتخاذ القرار ووضع الآلية المناسبة لإيجاد التمويل غير الضريبي تلافيا لتكبيد المكلفين مزيدا من الأعباء بالإضافة إلى وضع خطة للإصلاح الإداري والنصوص القانونية الآيلة إلى تعديل نظام التقاعد وضبط العجز في الموازنة».

وفيما أسفت الهيئات «لرضوخ رئيس الحكومة أمام التهديد باللجوء إلى الشارع، لا سيما أن هذه المرة الثانية التي يتم هذا الأمر، في تصرف مماثل في مسألة تصحيح الأجور»، متسائلة: «ما الحكمة من إحالة السلسلة على مجلس نيابي أصبح في أيامه الأخيرة وعلى أبواب انتخابات جديدة(..) وفي ظل غياب لأي موازنة منذ عام 2005»، حملت «هيئة التنسيق النقابية» الحكومة «كامل النتائج المترتبة عن الإضراب المفتوح والشامل الذي يبدأ صباح اليوم والمترافق مع اعتصام مركزي أمام القصر الحكومي، الذي يبدو أنه تحول إلى قصر للهيئات الاقتصادية التي تستميت في سبيل منع أي خطوة إصلاحية، وبما يسهل عليها استمرار نهبها للثروة الوطنية».

ودعت «هيئة التنسيق النقابية» الموظفين والمعلمين والمتقاعدين والمتعاقدين والأجراء إلى «تنفيذ الإضراب الشامل والمفتوح في جميع مراكز الوزارات والإدارات العامة والبلديات والمدارس والثانويات الرسمية والخاصة ومعاهد التعليم المهني والتقني»، مشددة على أن «كرامة الموظف قبل لقمة عيشه، وأن الموظفين هم عصب الحكومات وهم الساهرون على مصالح اللبنانيين، وأن الحكومات وإن طال زمنها فهي راحلة ولا شك».