إيران تدعم «عصائب أهل الحق» في طرح نفسها بديلا للتيار الصدري سياسيا

طهران تعول على الجماعة لتكون نظيرا لـ «حزب الله» اللبناني.. وتوقع تحالف المالكي معها

قيس الخزعلي عندما كان ناطقا باسم مقتدى الصدر إبان القتال بين «جيش المهدي» والقوات الأميركية في النجف عام 2004 (أ.ب)
TT

تعتزم جماعة «عصائب أهل الحق» الشيعية، المدعومة من إيران، والمسؤولة عن أغلب الهجمات التي تعرضت لها القوات الأميركية في السنوات الأخيرة من حرب العراق، العودة إلى الساحة مجددا لكن هذه المرة ككيان سياسي بصورة قد تؤدي إلى زيادة النفوذ الإيراني في عراق ما بعد الولايات المتحدة وربما أبعد من ذلك.

وعملت الجماعة خلال الشهور الأخيرة على تكثيف وجودها في العراق متباهية بالدور الذي تقول الجماعة - التي كانت مبهمة فيما مضى - إنها لعبته في إجبار القوات الأميركية على الرحيل عبر هجماتها الصاروخية ضد أهداف أميركية.

ومع عودة قادتها من المنفى في إيران، شرعت الجماعة في افتتاح سلسلة من المكاتب السياسية ووضعت برنامجا لتقدم الخدمات الإنسانية لمساعدة الأرامل والأيتام ودشنت شبكة مدارس دينية تتشابه في مناهجها وبنيتها مع حليفها المقرب، حزب الله الشيعي اللبناني.

وفي أحد مكاتب الجماعة الكائن بحي الكاظمية في بغداد وضعت صورتا المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي ومؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله الخميني إلى جانب الرموز الدينية الشيعية العراقية ومؤسس الجماعة قيس الخزعلي، أحد العائدين من إيران، التي لجأ إليها في عام 2010 بعد ثلاث سنوات من الاعتقال في السجون الأميركية في العراق بسبب دوره المزعوم في قيادة هجوم أدى إلى مقتل خمسة أميركيين.

وقال الشيخ ميثاق الحميري (30 عاما) الشيخ الشاب المسؤول عن المكتب الذي يتخذ من منزل صغير مقرا له في شارع هادئ: «إن جماعة (عصائب أهل الحق) تهدف في الوقت الراهن إلى زيادة أسهمها في الشارع بعد سنوات من العمل السري الذي فرضته الحرب ضد القوات الأميركية». وأضاف: «تأسست جماعة (عصائب أهل الحق) حركة مقاومة إسلامية لقتال الاحتلال الأميركي، لكن هذه المرحلة انتهت. ودخلنا الآن مرحلة جديدة لتعريف العراقيين بـ(عصائب أهل الحق)».

وكانت الحركة قد أعلنت مع رحيل القوات الأميركية في ديسمبر (كانون الأول) 2011، أنها ستدخل الساحة السياسية وبدأت في تكثيف نشاطاتها قبيل الانتخابات المحلية المقررة في أبريل (نيسان) المقبل والانتخابات البرلمانية المقررة في بداية عام 2014 التي ستعطي مؤشرا هاما على المسار الذي يسلكه العراق بعد الانسحاب الأميركي.

وتحظى الجماعة بدعم حليف قوي في العراق هو رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي، الذي أيد دخولها معترك السياسة بوصفها تمثل ثقلا موازيا لنفوذ رجل الدين مقتدى الصدر، المنافس العتيد الذي يرى فيه شريكا غير موثوق به في حكومة التحالف. ورغم إنكار مساعدي المالكي ومسؤولي «عصائب أهل الحق» وجود أية صلة رسمية بينهما، إلا أنهم اعترفوا بوجود علاقات صداقة ولا يستبعدان إمكانية عقد تحالف انتخابي.

ويقول غيث التميمي، رجل الدين الشيعي المقرب من كلا المجموعتين والذي يرأس مركز التقارب الديني في بغداد، المدعوم من رئيس الوزراء: «لا يوجد تحالف علني، لكن وجود مثل هذا التحالف ليس عيبا، وأتوقع حدوثه، فالمالكي بحاجة إلى الرموز الشيعية لشق صف الصدريين».

هذا النجاح سيضع جماعة تفتخر صراحة بدورها في قتل أميركيين، في صدارة السياسة العراقية، الأمر الذي وصفه مسؤول أميركي سابق خدم في العراق في ذروة الهجمات بأنه «يثير مشكلات عميقة».

يذكر أن عصائب أهل الحق زعمت بعد إنشائها في عام 2006 عن مسؤوليتها عما يزيد على 6.000 هجمة ضد القوات الأميركية كان من بينها بعض أكثر القنابل المزروعة على الطريق تطورا في الحرب وكثير من الهجمات بقذائف الهاون ضد منشآت أميركية، شملت السفارة الأميركية في بغداد. ورغم عدم وجود إحصاء دقيق لعدد القتلى الأميركيين في العمليات التي قامت بها الجماعة، إلا أنه بعد الهزائم التي منيت بها القاعدة في العراق عام 2008، وصف المسؤولون الأميركيون جماعة عصائب أهل الحق بالتهديد الأكبر ضد القوات الأميركية.

كما تتحمل جماعة «عصائب أهل الحق» مسؤولية اختطاف متعاقد بريطاني ومقتل أربعة حراس بريطانيين في الأسر. وقد تم تحرير بيتر مور بعد مفاوضات مع الجيش الأميركي لإطلاق سراح قيس الخزعلي ومئات من ناشطي «عصائب أهل الحق»، وهي النتيجة التي وصفها الخزعلي في مقابلة معه الشهر الماضي على قناة «السومرية» بالإنجاز الكبير. وقال: «هذا شيء نفخر به، لأننا أجبرناهم على التفاوض مع مجموعة مسلحة، في الوقت الذي تأبى فيه سياستهم بذلك».

وحسب تقرير أصدره معهد دراسات الحرب في ديسمبر فإن عمق روابط المجموعة مع إيران يشير إلى أن الدور السياسي الذي تلعبه سيدعم السياسات والنفوذ الديني الإيراني في العراق وتضخم بشكل كبير من استراتيجية الوكالة الإقليمية لإيران. ويعتقد سام وير، كاتب التقرير، أن هناك صعوبة في فصل الطموح السياسي لـ«عصائب أهل الحق» عن الطموحات الإقليمية الإيرانية، فيقول: «إنهم يحاولون من خلال هذا التحول الكامل نحو السياسة تصوير أنفسهم بأنهم ليسوا وكلاء لإيران، لكنها خطة فاشلة».

وكانت إيران الداعم والممول الأول للجماعة المؤلفة من عدد من المنشقين عن التيار الصدري لتأسيس حركة بديلة أكثر ولاء من الصدر المتقلب وجيش المهدي غير المنضبط التابع له، بحسب مسؤولين أميركيين. في ذلك الوقت، وصف المسؤولون الأميركيون الجماعة بأنها محاولة من إيران لإنشاء نسخة عراقية من حزب الله اللبناني، الذي استغل دوره الذي لعبه بنجاح في طرد قوات الاحتلال الإسرائيلي من لبنان في عام 2000 للعب دور قيادي في الحكومة اللبنانية.

وبعد توثيق علاقاتها بحزب الله، افتتحت جماعة «عصائب أهل الحق» مكتبا لها في بيروت العام الماضي، وهناك شكوك في إرسالها متطوعين للقتال في سوريا لدعم الرئيس بشار الأسد، وهو ما يشير إلى طموحاتها ببسط نفوذها إلى ما وراء العراق.

ويرى مسؤول أميركي تحدث - شريطة عدم ذكر اسمه لأنه غير مفوض بالحديث عن هذه القضية - أنه في الوقت الذي يتعرض فيه النفوذ الإقليمي لإيران ومكانة حليفها حزب الله للخطر نتيجة الثورة ضد الأسد، يبدو ظهور عصائب أهل الحق أشبه بمحاولة جديدة لإيجاد بديل لإظهار النفوذ الإيراني. ويقول: «أعتقد أن الجماعة تشكل في المقام الأول وكيلا إيرانيا. ولا أعتقد أنهم يريدون التخلي عن هدفهم بأن يكونوا نظيرا عراقيا لحزب الله. وسيكونون دائما مصدر خطر يهدد باختطاف الأميركيين وشن التفجيرات ضد القنصليات الأميركية أو القيام بأنواع أخرى من الأنشطة».

لكن قدرة «عصائب أهل الحق» على الحصول على قاعدة دعم واسع في المشهد السياسي العراقي المكتظ لا تزال موضع شكوك، ففي مؤشر على عدم نجاح جهودها، قررت الحركة الامتناع عن خوض الانتخابات المحلية القادمة المزمع إجراؤها في أبريل ، بحجة التركيز على الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها العام القادم.

* خدمة: «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»