القاضي الذي حقق مع صدام: صورة القضاء العراقي كانت ضبابية.. لكنها بدأت تتضح

جوحي: كان خطأ إسناد 3 مناصب قضائية لنفس الشخص

TT

يطفو على سطح العمل القضائي في العراق الكثير من التشويش، بعد أن تم سحب السلطة القضائية من وزارة العدل وتشكيل مجلس القضاء الأعلى عقب تغيير النظام السابق عام 2003. وتداخلت صلاحيات رئاسات المحاكم، فهناك المحكمة الاتحادية، ومجلس القضاء الأعلى، ومحكمة التمييز التي كان يترأسها (التشكيلات الثلاث) القاضي مدحت المحمود.

ويوضح القاضي رائد جوحي، وهو أول قاض حقق مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عندما ألقي عليه القبض من قبل القوات الأميركية عام 2004، ذلك بقوله إن «الأمر رقم 15، الصادر من سلطة الحاكم الأميركي المدني بول بريمر والخاص بتأسيس مجلس القضاء الأعلى - فصل القضاء عن سلطة وزارة العدل»، مشيرا إلى أن «وزارة العدل العراقية سابقا، التي كنت أحد موظفيها كقاض، كانت تشرف على الجهاز القضائي والمحاكم ولها سلطة إدارية ومالية على هذا الجهاز، لكن بموجب الأمر 15 استقل الجهاز القضائي تماما عن سلطة وزارة العدل وصار مستقلا كمجلس قائم بذاته تماما، مثلما كان في العهد الملكي».

وأضاف جوحي، قائلا لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من مدينة هيوستن الأميركية، أمس، أن «الأمر 15 منح رئيس مجلس القضاء الأعلى حق رئاسة محكمة التمييز، وقد تم انتخاب القاضي مدحت المحمود رئيسا لمجلس القضاء الأعلى»، مشيرا إلى أن «الأمر رقم 30، والصادر أيضا عن بريمر، قضى بتشكيل المحكمة الاتحادية التي أسندت رئاستها أيضا للقاضي المحمود».

وقال القاضي جوحي، الذي يعتبر من مؤسسي محكمة الجنايات الخاصة التي حاكمت أركان النظام السابق، إن «مهام المحكمة الاتحادية سياسية أكثر منها قضائية، أي إنها تحل النزاعات بين إقليم كردستان أو أي إقليم أو محافظة أخرى والحكومة الاتحادية، كما تبت في قانونية بنود ومواد الدستور العراقي، مثلما حدث في تفسيرها بصدد الكتلة البرلمانية الأكبر لتشكيل الحكومة بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة»، مشيرا إلى أن «مهام مجلس القضاء الأعلى ومحكمة التمييز التي سميت محكمة التمييز الاتحادية، كون العراق دستوريا بلدا اتحاديا، تخص قضايا المحاكم الاعتيادية، فأي قضية في المحاكم تكون من اختصاص مجلس القضاء الأعلى، وتمييز قراراتها يتم عن طريق محكمة التمييز وليس المحكمة الاتحادية، وكان من الخطأ أساسا أن تسند رئاسة هذه المؤسسات القضائية الثلاث، وأعني المحكمة الاتحادية ومجلس القضاء الأعلى ومحكمة التمييز، إلى شخص واحد، إذ لا يجوز أن يكون رئيس المحكمة الاتحادية رئيسا لمحكمة التمييز».

ونبه القاضي جوحي إلى أن «الرؤية كانت ضبابية بالنسبة للمواطن العراقي، بسبب تداخل هذه المؤسسات القضائية وترؤسها من قبل قاض واحد، لكن قانون المحكمة الاتحادية الذي صدق عليه مجلس النواب العراقي مؤخرا، فك هذا الإشكال عندما فصل بين مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية ومنح رئيس مجلس القضاء الأعلى سلطة رئاسة محكمة التمييز الاتحادية»، مشيرا إلى أن «القاضي المحمود حاليا هو رئيس المحكمة الاتحادية فقط، بينما تم اختيار القاضي حسن الحميري رئيسا لمجلس القضاء الأعلى ومحكمة التمييز».

وبصدد المحكمة الدستورية غير المشكلة حتى الآن، أوضح القاضي جوحي أن «المحكمة الاتحادية هي نفسها المحكمة الدستورية، فالعراق - وكما ذكرت - دولة اتحادية، ولهذا سميت المحكمة الاتحادية، بينما يسمونها في مصر مثلا المحكمة الدستورية، الاختلاف هو في التسمية فقط، لكن مهامها هي ذاتها».

وفي ما يتعلق بمحكمة التمييز الاتحادية، قال القاضي جوحي: «إن محكمة التمييز هي أعلى محكمة قضائية وتتكون من 30 قاضيا لهم خبرتهم الطويلة ومشهود لهم بنجاحهم في مسيرة عملهم القضائي، ويجب ألا تقل مدة عمل أي قاض منهم عن 17 سنة على الأقل، وتضم هذه المحكمة هيئات متخصصة، وقراراتها قطعية ونهائية»، مشيرا إلى أن «اختيار قضاة محكمة التمييز يخضع في العراق لسلطة مجلس النواب، وهذا يعني أن القضاة مختارون من قبل أحزاب وتكتلات مختلفة وتخضع للمحاصصة السائدة في البلد، لكن المهم أنهم قضاة عراقيون ولهم خبراتهم الطويلة في العمل القضائي».

وحول موضوع اجتثاث القاضي المحمود وإعادته من قبل الهيئة التمييزية لهيئة المساءلة والعدالة، قال القاضي جوحي إن «الهيئة التمييزية لهيئة المساءلة والعدالة، جزء من محكمة التمييز، وقراراتها نهائية، ويعتبر القاضي المحمود الآن هو رئيس المحكمة الاتحادية»، مشيرا إلى أن «القاضي المحمود يعمل في القضاء منذ عام 1968، وهيئة المساءلة والعدالة منذ أن تأسست بعد 2003 باعتبارها هيئة اجتثاث (البعث) أو المساءلة لم تجتث المحمود، فلماذا الآن؟ ثم إن التهمة الموجهة إليه هي كونه من أعوان النظام السابق، وهذا تعريف مطاطي يحتمل تفسيرات كثيرة، إذ لم يتم تعريف الأعوان أو أزلام النظام بدقة».