الزهار يعترف بـ«مفاوضات إنسانية» مع إسرائيل.. وتصريحاته تثير جدلا

«فتح» تعتبره شأنا من شؤون المنظمة.. والفصائل ترى فيه تفردا.. و«حماس» تقول إنها تفاوض المصريين

TT

أثارت تصريحات القيادي في حركة «حماس» محمود الزهار في قطاع غزة، حول ما أسماه بـ«مفاوضات إنسانية» بين حركته وإسرائيل جدلا واسعا في الأراضي الفلسطينية، باعتباره أول اعتراف رسمي لمسؤول في حماس بمفاوضات مع إسرائيل، وهو ما هاجمته حركة «فتح» بشدة واعتبرته تجاوزا لمنظمة الحرير الفلسطينية، وحذرت منه فصائل أخرى، واضطرت حماس لاحقا لنفيه، وقال الناطق باسمها، سامي أبو زهري أن مفاوضات الحركة الوحيدة مع الاحتلال «تتم عبر المقاومة فقط». وأضاف لموقع «فلسطين الآن» التابع للحركة، عندما سئل عن وجود اتصالات إنسانية: «هذه الأمور تتم معالجتها مع المصريين. نحن نتواصل معهم لوضعهم في صورة الاحتياجات الإنسانية لسكان قطاع غزة».

في غضون ذلك ذكرت أنباء مصرية وإسرائيلية أن وفدا أمنيا مصريا يزور إسرائيل وأن وفدين إسرائيليين زارا مصر في الأسبوع الأخير لإجراء مباحثات وبحث تفاهمات التهدئة بين غزة وإسرائيل نهاية العام المنصرم. ومع أن الزهار تحدث عن مفاوضات «إنسانية» بحتة لتطبيق بنود التهدئة وتثبيتها سيما وأن إسرائيل لم تلتزم بها وتخرقها يوميا، فإن المصادر الإسرائيلية أكدت أن المفاوضات التي تجري بوساطة مصرية، قد تثمر في القريب عن اتفاق شامل يرفع بموجبه الحصار عن غزة وتفتح المعابر، بشرط أن تهدم الأنفاق. وتابعت المصادر الإسرائيلية القول إن ملامح اتفاق تتبلور الآن بين حماس وإسرائيل لرفع الحصار بصورة شاملة عن قطاع غزة مقابل وقف تزويد حركات المقاومة المسلحة وزيادة الجهد المصري في هذا الإطار وتدمير الأنفاق.

وقال الزهار في التصريحات التي نشرتها وكالات في غزة، إن «الحركة تجري مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل برعاية مصرية تتعلق بالجوانب الإنسانية»، رافضا «محاولة بعض الأطراف السياسية، مساواة التفاوض الذي تجريه حماس بطريقة غير مباشرة مع إسرائيل، بالتفاوض الذي تجريه رام الله مع الجانب الإسرائيلي لعقود طويلة». وأوضح «أن المفاوضات التي تجري بين الجانب المصري وإسرائيل تتعلق بتنفيذ اتفاقية المعابر وحل أزمة الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام وتنفيذ بنود التهدئة كافة». وأضاف: «نحن لا نتفاوض على قضايا جوهرية مرتبطة بالأرض والقدس، بل نتفاوض على قضايا إنسانية، تنهي معاناة الأسرى القابعين خلف السجون الإسرائيلية».

وطالما كانت المفاوضات بين حماس وإسرائيل التي رعتها دائما مصر، منذ مفاوضات وقف إطلاق النار المتكررة مرورا بمفاوضات تبادل الأسرى ومن ثم مفاوضات التهدئة بعد انتهاء الحرب الأخيرة على غزة، مثار قلق كبير في رام الله باعتبارها تتجاهل منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد وتعطي صفة الشرعية لحماس.

وطوال الأعوام الماضية، التزمت المنظمة وفتح الصمت تجاه المفاوضات السابقة بين حماس وإسرائيل باعتبارها إما أمنية أو لصالح الأسرى، ولكن بعد استئناف هذه المفاوضات في القاهرة وتصريحات الزهار الأخيرة، خرجت الفصائل عن صمتها. فطلبت فتح من حماس، «بالإفصاح للشعب الفلسطيني عن حقيقة المفاوضات المباشرة وغير المباشرة التي تجريها مع إسرائيل، وعن طبيعة هذه المفاوضات والترتيبات الأمنية والملفات الأخرى الموضوعة على جدول الأعمال».

وقال المتحدث باسم الحركة، أسامة القواسمي، في بيان «لقد أقرت حماس بوجود مفاوضات مع إسرائيل ونسألها اليوم كيف تفهم المفاوضات مع إسرائيل، وماذا عن مواقفها التاريخية واتهاماتها المستمرة للمفاوضات والتنسيق الأمني»؟.

وذهب القيادي في حركة فتح، عبد الله عبد الله، بعيدا بإثارته مخاوف حول الانفصال، وقال متسائلا: «هل هذه مقدمة لإنهاء الانقسام أم تمهيد للانفصال». وأضاف: «الذي يتفاوض لوقف الأعمال العدائية لا يتكلم بالمقاومة. المفاوضات من شأن منظمة التحرير».

وركزت فتح على هذه النقطة كثيرا، وكتب أحمد عساف الناطق باسم الحركة على صفحته على «فيس بوك» متسائلا: «هل تمتلك حماس شرعية تمثيل الشعب الفلسطيني والتفاوض مع إسرائيل حول قضاياه المصيرية؟ أين منظمة التحرير الفلسطينية وبقية الفصائل والشعب الفلسطيني من هذه المفاوضات؟ هل وضعت حماس نفسها فوق الكل الفلسطيني لتنفرد بالتفاوض مع إسرائيل؟». وأضاف: «هل الشعب الفلسطيني ملزم بنتائج هذه المفاوضات؟.. ما علاقة هذه المفاوضات بما تسربه إسرائيل من مشاريع تصفوية للقضية الفلسطينية لها علاقة بدويلة غزة والدولة ذات الحدود المؤقتة في الضفة؟.. وما تأثير هذه المفاوضات الحمساوية الإسرائيلية على عملية المصالحة الفلسطينية؟.. وهل بسبب هذه المفاوضات الحالية الآن طلبت حماس تأجيل اللقاء؟».

وتابع القول: «أليست هذه المرة الأولى التي تنجح فيها إسرائيل وبمشاركة حماس بجعل الشعب الفلسطيني برأسين مفاوضين لشعب واحد؟.. ألا تفتح مفاوضات حماس مع إسرائيل الباب أمام احتمال قيام أي فصيل أو حركة أو حزب أو مجموعة بالتفاوض منفردة مع إسرائيل بمعزل عن الكل الفلسطيني؟».

وتحولت مسألة «المفاوضات الإنسانية» إلى قضية رأي عام على صفحات «فيس بوك» و«تويتر»، وكتب متابعون ومغردون عن أحقية حماس، وهاجمها آخرون وسخر البعض منها بقوله إن على الحركة إنشاء دائرة جديدة للمفاوضات.

وانضمت فصائل أخرى إلى فتح، فهاجمت الجبهتان الشعبية والديمقراطية وجبهة العمل وجبهة النضال وحزب الشعب، وكلها فصائل في منظمة التحرير، مفاوضات حماس ووصفوا ذلك بالتفرد وإقصاء للمنظمة.

وتتركز مفاوضات حماس وإسرائيل على قضايا ما بعد التهدئة في غزة. وتقول حماس إنها تهدف إلى رفع الحصار وفتح المعابر وتحرير المناطق العازلة وإعطاء الصيادين مساحة أكبر في البحر. وتقول إسرائيل إنها تهدف إلى وقف تهريب السلاح لغزة وضمان أمن المستوطنين والجنود في المحيط. وزار وفد أمني إسرائيل القاهرة مرتين لبحث هذه الملفات، ورد وفد مصري الزيارة إلى إسرائيل.

أكدت مصادر إسرائيلية، أمس، وجود محادثات مكثفة على مستوى أمني عال بين مصر وإسرائيل، تتركز حول عدة مواضيع مشتركة، بينها العلاقات الثنائية في قضية الأمن في سيناء وإيجاد مقر للسفارة الإسرائيلية في القاهرة وقضية التهدئة بين إسرائيل وحكومة حماس في قطاع غزة.

وقالت هذه المصادر إن المحادثات تجري في جو من الجدية ومن القراءة المشتركة للأحداث. وضربت على سبيل المثال ما ورد من تقويم مشترك حول الأوضاع في سوريا.