الجبالي يودع منصبه بخطاب مؤثر.. وعبد اللطيف المكي من أبرز المرشحين لخلافته

وزير العدل التونسي لـ «الشرق الأوسط»: «النهضة» لن تفرط في وزارة الداخلية.. وعمل وزير العدل إداري

الجبالي خلال زيارته لوزارة الداخلية التونسية أمس (أ.ف.ب)
TT

وجه رئيس الوزراء المستقيل حمادي الجبالي كلمة وداع مؤثرة للشعب التونسي، استهلها بالسؤال عما إذا كانت ستتاح له الفرصة مجددا للحديث مرة أخرى. وقال الجبالي «لا أدري هل ستتاح لي الفرصة مرة أخرى للحديث إليكم لذلك أغتنم هذه المناسبة لأتحدث بقلب مفتوح في ثلاثة محاور، أولا: جئت لأوضح وأؤكد، ثانيا: لأشهد وأحمل المسؤولية، وثالثا لأشكر وأعتذر».

وتابع: «أؤكد مرة أخرى أني تحملت المسؤولية وشرف وابتلاء رئاسة أول حكومة منتخبة بعد الثورة، وبطبيعة الحال وككل عمل بشري هناك إيجابيات وسلبيات فيها النجاح وفيها الإخفاق، ولأنه هناك إخفاقات أردت أن أصلح واقترحت في آخر المطاف مبادرة تصلح ما أمكن من عملنا وتوضح الطريق، واقترحت إقامة حكومة كفاءات وطنية، بما فيها من سلبيات ولكن فيها إيجابيات كثيرة هذه أفضل طريقة بعد التجربة والمعاناة، حكومة تعمل لكافة التونسيين تهتم بشأنهم العام وتهتم بأولويات التشغيل والأمن وغلاء الأسعار وتوفر على مواطنينا عناء العيش وتعمل جهدها للتنمية وإقامة المشاريع ما استطاعت، وتصلح ما أفسده النظام السابق ما استطاعت ونذهب بسرعة للانتخابات».

وجدد الجبالي الحديث عن إخفاق المبادرة «المبادرة لم تلق الدعم السياسي لذلك قلت لكم إنني لم ألق هذا الدعم وقدمت استقالتي» وأكد الجبالي عرض حزب حركة النهضة التي يشغل فيها منصب الأمين العام تشكيل الحكومة الجديدة، «عرض علي حزبي حزب النهضة التكليف مرة أخرى وبعد التأمل والاستشارة والاستخارة رأيت من الصعب رغم أن هذا الأمر ورد من أعز الناس إلي (الشيخ راشد الغنوشي) رأيت صعوبة أن أقبل مهمة لا أرى فيها فرصا للنجاح كما أردت. لذلك اعتذرت وأنا آسف لأني أعلم أن بلادنا تنتظر وشعبنا ينتظر حلا» وأوضح الجبالي أن رفضه يعود لقناعات، أريد أن أؤكد أن هذا الرفض ليس رفضا متعنتا ولا غلقا للأبواب ولكنه رفض من أجل التأكيد على الحق في ترك المجال لحل آخر.

وأعرب الجبالي عن أمله في أن تبتعد الحكومة الجديدة عن التجاذبات، أن تسعى جهدها أن تبتعد عن التجاذبات وتعمل جاهدة من أجل الشعب التونسي، وحمل المسؤولية لكل الأطراف «أحمل المسؤولية لنفسي وللحكومة والأحزاب الحاكمة ولكل الأطراف، الأحزاب التي اجتمعت يوم الاثنين الماضي وقلت لهم مستقبل تونس بين أيدينا نحن مسؤولون عن هذا الشعب. الشعب مل وسئم من مشاكلنا وعراكنا وخصوماتنا وتجاذاباتنا لذلك أحمل المسؤولية لكل الأطراف دون استثناء بأحجام مختلفة. وللإعلام وهذه ليست تهمة ارأفوا بمواطنينا وبأعصابنا لا تزيدوا الطين بلة لا تصبوا الوقود على النار، تحملوا المسؤولية والمسوؤلية كبيرة جدا، أحمل المسؤولية للأطراف النقابية بلادنا تستحق أن نصبر 8 أشهر ليس بكثير نصبر عن الزيادات والإضرابات وقطع الطريق بلادنا ضعيفة اقتصادها ضعيف».

كما حمل الجبالي المسؤولية لرجال الأعمال والأصدقاء «أحمل المسؤولية لرجال أعمالنا والمستثمرين المحليين يجب أن لا يترددوا لا ينتظروا شريطة توفير الظروف. أحمل المسؤولية أيضا لكل المواطنين لأبنائنا وبناتنا حتى نعمل ونكد ونخرج من السلبية لأنه لا خيرات من دون عمل من دون جهد، وكذلك أطالب الدول الصديقة والشقيقة أن تدعم جهودنا بالنصح وعدم التدخل السلبي، وإذا تدخلت تتدخل بالحسنى والدعم لأن تونس تجربة فريدة تستحق الدعم». وعاد للحديث عن مسؤولية الجميع لإنجاح تونس «لا يوجد مسؤول وغير مسؤول كلنا مسؤولون لإنجاح التجربة لإنجاح الثورة ولا يتملص أحد من مسؤولياته كلنا في السفينة كما في حديث الرسول إذا نجونا مع بعضنا أو هلك الجميع».

وتوجه بالشكر للأمن والجيش «أريد أن أشكر جيشنا الباسل جيشنا الجمهوري أمننا الذي يعاني يكابد ويضحي وأشكر المخلصين وهم كثر الذين يعملون بالليل والنهار جنود الخفاء في الحقول والمصانع في كل مكان من المسؤولية ثم أختم لأعتذر أعتذر لأني خيبت الآمال وأعتذر لأنني قصرت لأن المنصب مسؤولية والحكم أمانة أمام الله وشعبنا وأنا مقصر وأعتذر وأعتذر لمن لحقه ظلم مني بغير قصدت أعتذر لمن رأى في تصرف أو كلام بالأذى ولذلك أعتذر لشعبي» وعبر عن تفاؤله بمستقبل تونس «إنني متفائل لأن الثورة انتصرت لأننا شعب عظيم لأن الرشد سيعود للجميع لأن كل التونسيين سيجتمعون على كلمة سواء.. تحيا تونس حرة أبية وللأبد».

ومن بين الأسماء المتداولة لخلافة الجبالي على رأس الحكومة القادمة وزير الصحة عبد اللطيف المكي، ووزير الفلاحة محمد بن سالم، ووزير العدل نور الدين البحيري.

ولا يعرف ما إذا كان الجبالي سيتفرغ للعمل الحزبي والتحضير للانتخابات القادمة أم سيخلد إلى الراحة بعد وعكتين في مناسبتين بسبب الإعياء. وكان الجبالي قد نفى بشدة أنباء سعيه لتشكيل حزب جديد، كما فعل رجب طيب أردوغان في تركيا عندما خرج على حزب رئيسه السابق الراحل نجم الدين أربكان. وقال وزير العدل التونسي نور الدين البحيري لـ«الشرق الأوسط» إنه «تم الاتفاق على برنامج الحكومة القادمة القاضي بضرورة الانطلاق في حوار وطني شامل، دوره بناء توافقات وإعادة بناء الثقة بين الأطراف السياسية»، وأوضح بأن الحوار «سيقع فيه تحديد موعد الانتخابات ودعوة أعضاء المجلس الوطني التأسيسي لتجاوز الجدال حول المواضيع الجانبية والتركيز على صياغة دستور يحظى بثقة كل المواطنين».

وعن موعد الانتخابات قال البحيري: «على كل الأحزاب السياسية الاجتماع لتحديد تاريخ الانتخابات القادمة والوصول إلى اتفاق جماعي للدخول في مرحلة جديدة والقطع مع الخلافات»، وتابع: «حركة النهضة ليست من هواة الخلاف، بل تحاول تجميع كل الأطراف السياسية حول مائدة واحدة للتسريع في تحقيق الانتقال الديمقراطي بأخف الأضرار».

وعن التنازلات التي قدمتها حركة النهضة حتى الآن، جدد البحيري موقف النهضة قائلا: «الحركة قبلت بتحييد وزارتي الخارجية والعدل لإنهاء الشكوك ولتوسيع دائرة التوافقات لمصلحة البلاد وإنهاء حملات التراشق بالتهم، وأنا مستعد للتخلي عن وزارة العدل لتجاوز الخلافات». وبخصوص الجدل حول وزارة الداخلية شدد البحيري على أن وزارة الداخلية تحظى بوضع خاص، وقال: «لا يمكن إدخال تحوير على وزارة الداخلية لأن تونس لا تتحمل حدوث نوع من الإرباك في هذه الفترة، وتغيير وزير الداخلية لن يخدم مصلحة البلاد وسيتسبب في مزيد من تعطيل المسار الديمقراطي، أما وزارة العدل فلا تحتاج إلى وزير لأن دوري إداري أكثر من كونه تنفيذيا، عكس وزارة الداخلية التي قد يتسبب تحويرها في تغيير سياسة الوزارة، ويربك القوات المنضوية تحتها». وأردف: «وزارة الداخلية تقوم بواجبها على أحسن وجه، وعمليات حجز السلاح والذخيرة تثبت أن الجهاز الأمني جاهز، وعملية اغتيال شكري بلعيد استثنائية، والأبحاث تتقدم لكشف الجناة ومحاسبتهم». وعما إذا كان مرشحا لخلافة الجبالي قال: «النهضة لا تشكو من مشكلة أسماء لكن يجب اختيار الشخص المناسب الذي سيحظى بثقة كل الأحزاب السياسية».

من جهته أكد كاتب الدولة للهجرة والقيادي في حركة النهضة حسين الجزيري على وجود أسماء أخرى مرشحة لخلافة الجبالي، زيادة على الأسماء المتداولة، وأوضح أن «المسألة بالنسبة للحركة لا تتعلق بالأشخاص بقدر ما ترتبط بالسياسات والتوجهات التي تخدم المرحلة»، ولم يستبعد الجزيري لجوء الحركة إلى مؤسساتها، ولا سيما مجلس الشورى، لحسم من يخلف الجبالي. وقد أجرت الحركة مساء أمس لقاءات مع قواعدها في مختلف أنحاء تونس والخارج لاستشارتهم حول الشخصية التي تلقى أكبر شعبية في أوساطهم.

في غضون ذلك قال عصام الشابي (ابن أحمد نجيب الشابي) القيادي في الحزب الجمهوري المعارض لـ«الشرق الأوسط» إن حمادي الجبالي كان الشخصية السياسية المؤهلة أكثر من غيرها لتشكيل حكومة جديدة، واعتبر أن تعطل المشاورات حول الحكومة سيعطل مصالح تونس ويعرضها للمزيد من الأزمات السياسية والاجتماعية.

وحول تشكيل الحكومة الجديدة والشروط التي حددها الجبالي، قال الشابي إن عدم القبول بتلك الشروط التي هي من صميم مطالب الساحة السياسية التونسية سيفتح الوضع على أزمات سياسية معقدة. وصرح بأن الحزب الجمهوري سيعمل على تعبئة الرأي العام التونسي ضد حكومة تعيد إنتاج نفس الأخطاء. وطالب الحزب الجمهوري بحكومة مزدوجة خلال المشاورات التي أجراها مع الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة والمنصف المرزوقي رئيس الجمهورية.

ونفى عصام الشابي أن يكون الحزب الجمهوري قد عبر عن مشاركته في الحكومة القادمة، وقال: إنه مع فكرة تكوين حكومة توافق وطني لا حكومة ائتلاف سياسي. وقال: إنه سيدعم الحكومة التي تحترم الشروط التي حددها حمادي الجبالي وسيوفر لها ظروف النجاح، على حد قوله، ففي ذلك دعم للانتقال الديمقراطي.

وقام الجبالي بزيارة لوزارة الداخلية، وذلك قبل كلمته التي وجهها للشعب التونسي، للثناء على رجال الأمن من ضباط وأعوان، لافتا نظر إطارات وزارة الداخلية إلى أنهم أصبحوا «رجال أمن جمهوري، وليسوا كما كان في السابق لخدمة أشخاص وأحزاب» على حد قوله.

وقال وزير الداخلية علي العريض، في مؤتمر صحافي رئيس الوزراء حرص على أن يأتي ويشكر كل إطارات الوزارة على الجهود التي يقومون بها وحثهم على مواصلة عملهم وأن يضاعفوا من جهودهم خاصة في هذه المرحلة لحفظ استقرار تونس واستمرار الجمهورية» وتابع: «أكد لهم أن هذه الديمقراطية وأنه عندما يستقيل رئيس حكومة فإن الحكومة ستستمر في عملها حتى آخر لحظة وهي تشكيل حكومة جديدة بكل ما يتطلبه ذلك من مشاورات ومصادقة المؤسسات عليها بمعنى لا يوجد فراغ ولا يوجد تراخ أو ارتخاء وأكد لهم تقديره وتثمينه لجهودهم التي يبذلونها كأمن جمهوري يتلاحم مع الجيش الوطني وبلادنا تواصل مسار الثورة».

وبخصوص ما تم التوصل إليه بخصوص قضية مقتل المنسق العام للجبهة الشعبية أجاب العريض «بالنسبة لقضية الفقيد شكري بلعيد، هذه قضية متعهد بها القضاء ومن الناحية القانونية ليس لنا الحق في إعطاء تفاصيل لم يرخص فيها القضاء. الجهة القضائية هي التي تقدر ما يمكن نشره للعموم حيث لم تنته جميع فصول التحقيق». وأردف «الفرق المختصة في وزارة الداخلية التي عهد لها القاضي بإجراء البحوث والتحقيقات قطعت أشواطا متقدمة ووصلنا لمرحلة الإيقافات لكننا لم نصل لمرحلة نقول فيها إن هذا هو القاتل وهذه الجهة التي تقف وراءه وهذه هي كل الأسرار والدوافع للجريمة المرتكبة ولنا أمل كبير في وقت مستقبلي قريب جدا سيكون جزء لا بأس به في متناول الرأي العام».